سيف العدل: الزعيم الجديد المزعوم لتنظيم القاعدة

سيف العدل: الزعيم الجديد المزعوم لتنظيم القاعدة

سيف العدل: الزعيم الجديد المزعوم لتنظيم القاعدة


12/03/2023

أشار تقريرٌ صدر مؤخرًا عن موقع “عين أوروبية على التطرف“، إلى اعتقاد معظم الحكومات حاليًا أن سيف العدل المقيم في إيران قد تولى قيادة تنظيم القاعدة، عقب مقتل أمير التنظيم أيمن الظواهري، في يوليو 2022 في كابول، عاصمة أفغانستان التي تحكمها طالبان. وهذا يثير التساؤل حول ما هي التغييرات، إن وُجدت، التي ستطرأ على استراتيجية القاعدة تحت قيادة سيف، وهو سؤال يهم أمن جميع الدول.

مسيرة سيف الجهادية

لتقييم كيف يمكن أن يتصرّف سيف كزعيمٍ لتنظيم القاعدة، من الضروري فهم مسيرته الجهادية. ولد محمد صلاح الدين زيدان في مصر في أوائل فترة الستينيات -بالتالي يبلغ من العمر حوالي ستين عامًا في الوقت الحاضر (كان الظواهري في الحادية والسبعين وقت وفاته)- انضم سيف إلى الجيش في أوائل العشرينيات من عمره، ثم طُرد منه في أواخر فترة الثمانينيات بسبب أنشطته المتطرفة. ومن ثم ذهب إلى أفغانستان، التي كان الاتحاد السوفييتي يحتلها في ذلك الوقت، فكان من بين “العرب الأفغان” الذين ذهبوا إلى أفغانستان للجهاد ضد الشيوعيين، وشكلوا نواة تنظيم القاعدة.

انضم سيف إلى تنظيم القاعدة في عام 1989 وسرعان ما ترقى في صفوفه نتيجة المهارات التي يمتلكها: يُعد سيف “أحد أكثر الجنود المحترفين خبرة في الحركة الجهادية العالمية”. بعد أن أبرم تنظيم القاعدة اتفاقه مع جمهورية إيران الإسلامية في 1991-1992، صقل سيف مهاراته أكثر في معسكر تدريب يديره حزب الله، فرع من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في لبنان. في عام 1993، ذهب سيف مع زميله المصري أبو محمد المصري إلى الصومال لمهاجمة القوات الأمريكية، التي كانت منتشرة هناك للتخفيف من المجاعة. أصبح سيف فعليًا نائب القائد العسكري لتنظيم القاعدة بحلول منتصف التسعينيات، وكان من بين واجباته الاضطلاع بمسؤولية التأمين الشخصي لأسامة بن لادن، وشارك في عمليات القتل الجماعي الفظيعة التي استهدفت سفارات الولايات المتحدة في شرق إفريقيا في أغسطس 1998.

أُبلغ سيف بمؤامرة 11/9 في وقتٍ أبكر من معظم أعضاء التنظيم، في أبريل 2001، واستمر في القيام بدورين حاسمين آخرين مع تنظيم القاعدة. عمل سيف لصالح تنظيم القاعدة كمرشد -ووسيط– لـ “أبو مصعب الزرقاوي”، الجهادي الأردني الذي أسّس ما أصبح يُعرف باسم داعش، وفي ديسمبر 2001، كان سيف هو الذي أخذ زمام المبادرة في إجلاء القيادات العليا في المجالس العسكرية والدينية للقاعدة إلى إيران، حيث ظلوا هناك منذ ذلك الحين.

سرعان ما أصبح سيف امتدادًا لفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وأصبح مقربًا على نحو خاصٍ من قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يصدِّر الثورة الإسلامية واستمرت علاقتهما حتى مقتل سليماني في عام 2020. وكثيرًا ما قدمت الحكومة الإيرانية عناصر القاعدة على أراضيها على أنهم تحت “الإقامة الجبرية”. لكن الواقع مختلف جدًا، فمن إيران، تمكّن سيف من المساعدة في الترتيب للتفجيرات في المملكة العربية السعودية في مايو 2003، وكان سليماني قد أوضح أنه لم يسمح للقاعدة فقط بمهاجمة الأعداء المشتركين للقاعدة والجمهورية الإسلامية باستخدام إيران كقاعدة، بل الحرس الثوري الإيراني سيساعد القاعدة على القيام بذلك.

يعمل سيف بشكلٍ رئيس في الظل، وقد ظهر لفترة وجيزة عدة مرات على مرِّ السنين، وكانت أبرز مناسبتين عندما تصرّف نيابة عن تنظيم القاعدة المركزي ضد الانشقاق داخل صفوفه. عندما بدأ الزرقاوي في الانحراف عن المسار، كان سيف من بين أولئك الذين ردوا عليه علنًا، وبعد وفاة بن لادن، عندما أظهر فرع القاعدة في الصومال، حركة الشباب، بعض التردد في مبايعة الظواهري، كان سيف هو الذي تدخل لإقناع حركة الشباب بالعودة إلى الصف، وربما حتى قتل زعيم الفصيل المنشق.

ومن إيران أيضًا، ساعد سيف في توجيه عمليات تنظيم القاعدة في جميع أنحاء العالم، ولا سيّما في سوريا منذ اندلاع التمرد في عام 2011. الجدير بالذكر أن سيف عُرِضت عليه فرصة مغادرة إيران في عام 2015، ولم يستغلها، واستمر في العمل بحرية من الأراضي الإيرانية في إدارة شبكة القاعدة العالمية.

يمكن وصف صعود سيف إلى قمة تنظيم القاعدة على مدى العقد ونصف العقد الماضيين بأنه عملية “داروينية”. قتلت الولايات المتحدة بن لادن في مخبئه في عام 2011 وابنه حمزة حوالي عام 2019 في ظروفٍ لا تزال غير واضحة تمامًا. في أغسطس 2020، في ذكرى تفجيرات سفارة شرق إفريقيا، قُتل صديق سيف المُقرّب، أبو محمد، في شوارع طهران على يد إسرائيل. لا ينبغي النظر إلى وضع سيف كآخر رجل صامد على أنه صدفة. الشيء الرئيس في الداروينية هو أنها ليست عشوائية؛ فضغوط الاختيار تتخلص من الضعفاء، وتضمن انتصار الأكثر تكيّفًا. إن ولاء سيف الذي لا يتزعّزع لتنظيم القاعدة المركزي، وقراره بالتقرُّب من الحرس الثوري الإيراني، وإدارة عملياته انطلاقًا من إيران، حيث هو في مأمن من الطائرات الأمريكية بدون طيار، والتهرُّب من الإسرائيليين، كل هذه الأشياء تدّل على القدرات التي يمتلكها.

الخلاصة

من حيث التهديد الذي سيشكّله تنظيم القاعدة بقيادة سيف، من المهم الإشارة إلى معارضته هجمات 11/9. ومن ناحيةٍ أخرى، كان كذلك موقف معظم كبار قادة تنظيم القاعدة. لقد نفذت الهجمات على الولايات المتحدة في عام 2001 بناء على قرار اتخذه بن لادن وعدد صغير من الآخرين على رأسهم خالد شيخ محمد. سيف لم يكن يعارض قتل المدنيين، بل كان يدرك أن التكلفة الاستراتيجية لهجمات 11/9 ستكون خسارة الملاذ الآمن للقاعدة.

والآن بعد أن استعاد تنظيم القاعدة ملاذه الآمن في كنف طالبان نتيجة لانسحاب الناتو من أفغانستان، يبدو من غير المرجح أن يخاطر سيف مرة أخرى بشن هجوم مباشر على الأراضي الأمريكية، لكن تنظيم القاعدة ابتعد عن مثل هذه الأنشطة منذ حوالي عام 2013، على أي حال. إن الدعم الإيراني الذي يمثّل أكبر نقطة ضعف أيديولوجية لسيف -حيث عرّض تنظيم القاعدة لهجوم جدلي من داعش لاعتماده على “الشيعة”- هو أيضًا أعظم قوة لعملياته، الذي من شأن أن يمنح تنظيم القاعدة دعم الدولة الرائدة في العالم الراعية للإرهاب، إذا اختار شن هجماتٍ إقليمية ضد أهداف غربية أو حكومات عربية حليفة.

ومهما كانت المشكلات التي تسببها له علاقته بإيران، فإن سيف يتمتع بمكانة كونه من “الحرس القديم” -ربما لم يكن في تنظيم القاعدة عند تأسيسه، لكنه كان هناك بعد ذلك بوقت قصير جدًا- وقد شارك في معظم هجمات تنظيم القاعدة “المذهلة”. ومن الواضح أيضًا أن سيف يتمتع بمهاراتٍ، عملية وسياسية، أبقته على قيد الحياة، ومكّنته من المساهمة في الجهاد لأكثر من ثلاثة عقود. وكما أشار أحد الباحثين، فإن “قلة من الأعضاء في تنظيم القاعدة المركزي يثيرون الكثير من القلق داخل دوائر الاستخبارات مثل [سيف]”.

عن "عين على التطرف"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية