سيناريوهات الصراع بين مجلس النواب وحكومة الدبيبة.. ليبيا فوق مرجل ساخن

سيناريوهات الصراع بين مجلس النواب وحكومة الدبيبة.. ليبيا فوق مرجل ساخن


07/02/2022

تدخل الانتخابات الرئاسيّة في ليبيا في نفق مظلم؛ نتيجة تعدد التصورات السياسيّة، التي ينبغي أن تتضمنها خريطة الطريق؛ التي تؤدي إلى الاستحقاق الانتخابي، عبر تفكيك معطيات الصراع بين الأجسام السياسيّة القائمة.

مجلس النواب الليبي تحرك عبر جلسات البرلمان، تجاه تغيير الحكومة القائمة، بدعوى انتهاء مدتها، مع فشل إقامة الانتخابات في الرابع والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بينما يرفض رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة، ذلك. مغرّداً عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قائلاً إنّ "حكومة الوحدة الوطنية مستمرة في أداء مهامها". كما شدّد على أنّه لن يعترف بأيّ حكومة تغيير أو مؤقتة، ما يشي بمستقبل مظلم، تبدو أركانه واضحة ومستقرة على المشهد الليبي، سيما في حال مضى  البرلمان خلال جلسته المقبلة غداً، نحو تسمية رئيس حكومة جديدة.

اقرأ أيضاً: "حيلة الربيع العربي".. كيف خدع الإخوان واشنطن في ليبيا وسوريا؟

من جانبه أشار المتحدث الرسمي باسم الحكومة، محمد حمودة، في تصريحات لوسائل إعلام محليّة، مساء الثلاثاء الماضي، إلى أنّ "الحكومة مستمرة في عملها، حتى تسلّم مهامها لسلطة منتخبة من الشعب".

سيناريوهات الصراع بين البرلمان والحكومة

البرلمان الليبي بدأ فعليّاً في استلام ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة المقبلة، والتأكد من مدى مطابقتها لشروط الترشح المطلوبة، ومن المفترض أن تلتئم الجلسة المقبلة غداً؛ لمناقشة اختيار رئيس الحكومة الجديد.

من جانبه قال عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، خلال الجلسة السابقة لمجلس النواب، إنّ "مقرر المجلس سيتسلم ملفات المرشحين لمنصب رئيس الوزراء، ثم تتشاور لجنة خريطة الطريق مع المجلس الأعلى للدولة". وأضاف: "سيتم عقد جلسة للاستماع للمرشحين في السابع من شهر شباط (فبراير)، وفي اليوم التالي تعقد جلسة لاختيار رئيس الحكومة الجديد".

عزالدين عقيل: مجلس النواب من حقه تعيين حكومة جديدة، لأنّ النظام السياسي في ليبيا برلماني، يمثل البرلمان فيه أعلى سلطة في البلاد

الكاتب والباحث السياسي الليبي، عزالدين عقيل، أشار في تصريحات خصّ بها "حفريات"، إلى أنّه لا حكومة عبدالحميد الدبيبة، ولا أيّ من الأطراف الليبيّة المكونة للطبقة الحاكمة، تتحمل المسؤولية عن فشل إجراء الانتخابات في موعدها السالف، وإنّما الصراع الدولي -في رأيّه- خاصّة فيما بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، هو سبب الأزمة.

وبحسب عقيل، أدّى ذلك إلى تقويض أمل الليبيين؛ بتجديد نظامهم السياسي، في اللحظات الأخيرة من عمر الانتخابات الرئاسيّة جراء الخلاف الشديد، الذي نشب بين الأطراف الدوليّة، حول ترشح سيف الإسلام القذافي على منصب الرئيس، والذي اعتبرته واشنطن ولندن تهديداً لمصالحهما، بينما لوّحت موسكو بالتصعيد السياسي، حال حُرم القذافي من دخول السباق الرئاسي.

اقرأ أيضاً: هل تجري الانتخابات في ليبيا؟ هذه العوامل ستعتمد عليها خريطة الطريق

ويلفت عقيل إلى أنّ ذلك دفع الطرفين المتصارعين إلى تجميد الانتخابات، لحين حل خلافاتهما، ومن بين ذلك ملف المرتزقة، ومصير حضوره الثقيل داخلياً وإقليمياً.

ويؤكد المصدر ذاته، أنّ إعادة المستشارة، ستيفاني ويليامز، إلى ليبيا، جاء بوظيفة شكلية، فاستطاعت أن تستغل، من خلال موقع المبعوث الأممي، الفراغ المتعمّد الذي خلفه الطرد المهين لــ "إيان كوبش" من منصبه.

ويتابع عزالدين عقيل تصريحاته ليوضح أنّ مجلس النواب من حقه تعيين حكومة جديدة؛ لأنّ النظام السياسي في ليبيا هو نظام برلماني، يمثل البرلمان فيه أعلى سلطة في البلاد، وهو أمر مشروع كذلك؛ لأنّ وجود حكومة الدبيبة ارتبط بتنفيذ خريطة وليامز، التي انتهت وانهارت كليّاً؛ بانهيار الانتخابات، حيث يفترض أنّ خريطة الطريق الأخيرة، قامت  برمّتها على إجراء الانتخابات ونجاحها، وعليه فإنّ إنتاج خريطة طريق جديدة؛ يستوجب بالضرورة تشكيل حكومة جديدة، خاصّة وأنّ البرلمان يتهم الدبيبة بتقويض الانتخابات عمداً، طمعاً في الاستمرار في السلطة.

اقرأ أيضاً: مناورات الإخوان وملف المرتزقة في ليبيا.. إلى أين؟

 ويستطرد الكاتب السياسي عز الدين عقيل، في تحليل الرؤية السياسيّة للبرلمان الليبي، بقوله إنّه لا يتيقن من كون المستشار، عقيلة صالح، يريد من وراء تحديه للغرب بانتهاج طريق الإطاحة بالدبيبة، فضح التدخلات الأجنبية السافرة في الشؤون الليبيّة، وتغيير الحكومة فعلاً، أم أنّه يقوم بمناورة من مناوراته التي اعتدنا عليها؛ بغرض زيادة أسهمه النفوذية بالحكومة القائمة؛ من خلال ما يمارسه من ضغوط، بغرض الاستفادة من ذلك؛ ودفع القوى الأجنبية نحو الضغط على رئيس الحكومة، لقبول إجراء تعديل وزاري موسع، يصبح فيه رئيس مجلس النواب شريكاً.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل ينهي مجلس النواب مهام الدبيبة؟

وعن الخطوة القادمة في ليبيا، وسياق التحرك في ظل هذا التناقض الشديد، يذهب الكاتب السياسي الليبي عز الدين عقيل، إلى أنّ الأمور ما تزال غامضة، بيد أنّ الخطوة التالية، في تقديره، تتراوح بين  تشكيل حكومة موازية، أو نجاح القوى الغربية في الإبقاء على حكومة الوحدة الوطنية، وكذا الرد على تحدي رئيس مجلس النواب، بسحب الشرعية من مجلس النواب، الذي اعتبرته ستيفاني، في تصريحات انتقامية، أنّه مجلس "منتهي الصلاحية، وفاقد للشرعية"، وربما يجري دفع البرلمان تجاه جلسة في طرابلس؛ تنتهي بالإطاحة بعقيلة نفسه، وتحويله إلى مجرد نائب، لا أكثر، طالما أنّ خيار إسقاط  البرلمان كله، يمكنه توريط المشهد السياسي الليبي، بتعقيدات بالغة.

مناروات عقيلة صالح

من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، أنّ رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، يعلم جيداً أنّ تشكيل حكومة جديدة، بشكل انفرادي من قبل مجلس النواب، لن يحظى باعتراف داخلي واسع، ولا باعتراف أممي أو دولي.

ويوضح فركاش، في سياق تصريحاته لــ "حفريات"، أنّ ذلك سيضحى بمثابة حكومة موازية، مصيرها مثل مصير حكومة "الثني" سابقاً، ويعيد ليبيا نحو مربع الانقسام؛ بوجود حكومتين، خاصّة وأنّ رئيس الحكومة الحالي جاء ضمن قائمة تم انتخابها في جنيف، من قبل أطراف ملتقى الحوار السياسي، وشارك فيها ليبيون من مختلف الأطراف، بما فيهم أنصار النظام السابق، ومكونات ثقافية وقبليّة، وممثلين عن الشباب، والمرأة، ومستقلون، وليس ممثلين عن مجلس النواب أو مجلس الدولة فقط، وكان عقيلة منافساً لتلك القائمة في إحدى القوائم، التي خسرت أمام قائمة رئيس الحكومة الحالي.

فرج فركاش: الطريق الوحيد لكي تتحصل حكومة جديدة على الشرعية الكاملة هو العودة لملتقى الحوار السياسي مرة أخرى

ويؤكد فرج فركاش أنّ  الطريق الوحيد؛ لكي تتحصل حكومة جديدة على الشرعية الكاملة، هو العودة لملتقى الحوار السياسي مرة أخرى. لذلك فالهدف الحالي في تقديره، قد ينحصر فقط في تمديد الوقت؛ حتى الوصول إلى الحادي والعشرين من شهر حزيران  (يونيو) وهو التاريخ الذي تنتهي فيه المرحلة التمهيدية، التي بدأت رسمياً في 21 كانون الأول (ديسمبر) 2020، وتمتد لـ 18 شهراً، ومن ثم يعتقد عقيلة صالح أنّه سيشكل حكومة، بعيداً عن التزامات خريطة الطريق، والاتفاق السياسي، وقرارات مجلس الأمن.

يتابع الكاتب الليبي طرحه حول الوضع السياسي في بلاده، بإضافة احتمال آخر لخطوات رئيس مجلس النواب، خاصّة مع الإصرار الدولي على إجراء الانتخابات، والضغوطات التي يقع تحتها عقيلة صالح، خاصّة من المستشارة الأمّمية ستيفاني ويليامز، والمدعومة  من واشنطن، وهو أنّ صالح، ومع علمه باستحالة أن تلقى الحكومة الجديدة أيّ اعتراف دولي أو أمّمي، ربما يسعى لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من الدبيبة، في حال تم اللجوء إلى تعديلات وزارية في الحكومة الحالية، وبقائها إلى حين انتهاء المرحلة التمهيدية، أو في حال تم تعديل خريطة الطريق، وتمديد الفترة التمهيدية؛ للسماح بإنجاز المسار الدستوري، وإعداد القوانين اللازمة للانتخابات المرتقبة، في خلال الستة أو الثمانية أشهر المقبلة.

آفاق الأزمة

ثمة مخاوف في تقدير فرج فركاش لدى عديد الليبيين، وكذا من الدول الفاعلة في ليبيا، في حال تسمية رئيس حكومة جديد، بعيداً عن أيّ توافق داخلي، وبعيداً عن ملتقى الحوار السياسي، حيث إنّ هذا سيعيدنا إلى مربع الانقسام السياسي من جديد، وما سيصاحبه من انقسام عسكري ومجتمعي أكبر، مما يفسح المجال لعودة شبح الحرب، سيما في العاصمة طرابلس، ولكن هذه المرة سيكون بين الكتائب المسلحة في المنطقة الغربية، المتعددة الولاءات، وخاصّة مع الوضع الأمني الهش، ومع استمرار التحشيد المتواصل في العاصمة، لبعض الكتائب التي أتت من مدن مجاورة، ومن بينها مصراتة، وتوقيع حوالي 18 كتيبة عسكرية على بيان يدعم موقف رئيس الحكومة الحالي، عبدالحميد الدبيبة، بعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة.

بالنسبة للأسماء المرشحة للحكومة الجديدة، يرى المحلل السياسي الليبي أنّ ثمة أسماء بارزة، مثل وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، والنائب الرئاسي السابق، أحمد معيتيق، ورجل الأعمال، محمد المنتصر، وكل هذه الأسماء من مدينة مصراتة.

ويرى فركاش أنّ هناك "فيتو" إقليمياً ودولياً على بعض الأسماء، خاصّة فتحي باشاغا. ورغم أنّ أحمد معيتيق، المقرب من المعسكر الروسي، كان له دور في صفقة إعادة فتح آبار النفط، وتوقف قوات الوفاق عند حدود سرت، ولكن حظوظ السيد باشاغا عند بعض النواب تبدو أكبر.

على أيّة حال، يتطلب انسحاب هؤلاء الثلاثة من السباق الرئاسي، في حال تقدموا للترشح لرئاسة الحكومة، وأيّ فائز عليه التعهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسيّة المقبلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية