شعب على حافة الموت: الصومال المنسي في مهب الريح

شعب على حافة الموت: الصومال المنسي في مهب الريح

شعب على حافة الموت: الصومال المنسي في مهب الريح


26/11/2023

في الفترة من 24 حزيران (يونيو) إلى 21 تمّوز (يوليو) 2023، سجلت مؤسسة (ACLED) لبيانات مواقع النزاع المسلح ما يقرب من (200) حادث عنف سياسي، وما يقرب من (480) حالة وفاة، تمّ الإبلاغ عنها في الصومال. وكانت مناطق شبيلي السفلى، وبنادير، وجوبا السفلى بؤرة للعنف السياسي خلال هذه الفترة؛ بسبب هجمات حركة الشباب ضدّ قوات الأمن الصومالية.

وشهدت منطقة جوبا السفلى أكبر عدد من الوفيات، فقد تم تسجيل أكثر من (150) حالة وفاة خلال الفترة المشمولة بالتقرير، تليها منطقة جالجادود، حيث يوجد أكثر من (130) حالة، وشكّلت عمليات قوات الأمن ضد مسلحي حركة الشباب أكثر من 70% من الوفيات المبلغ عنها في كلتا المنطقتين.

ارتباك الوضع السياسي

تشكل المشهد السياسي في الصومال من خلال الحرب الأهلية التي ما تزال مستمرة حتى العام 2023. نشأ هذا الصراع في البداية عندما اتخذت الجماعات القومية موقفاً مناوئاً لدكتاتورية محمد سياد بري. بعد المواجهات الأولى أصبحت البلاد مجزأة إلى مجموعات مختلفة، ممّا أعاق التعاون بين الحكومة الفيدرالية والمناطق المختلفة، وأدّى إلى أحداث مثل إعلان استقلال أرض الصومال في العام 1991، والحكم الذاتي لبونتلاند في العام 1998. 

ارتباك النظام السياسي في الصومال، واقتسام السلطة بين العشائر الـ (4) الرئيسية (دوراد، وهوية، ودير، ورهانوين)، تسبب في تكريس حالة عدم الكفاءة السياسية. وقد تجلّى ذلك في عدم قدرة الحكومة على إجراء انتخابات رئاسية، قبل انتهاء ولاية الرئيس فرماجو في شباط (فبراير) 2021، ممّا أدى إلى تمديد تشريعي لولايته، وما تلا ذلك من أعمال عنف في نيسان (أبريل). وتبدو نية الصومال في العودة إلى الانتخابات المباشرة  غير منطقية في ظل الأزمة المستمرة.

هجمات حركة الشباب ضدّ قوات الأمن الصومالية

وتخوض البلاد معركة أخرى ضدّ الإرهاب، حيث تزامن إعلان الرئيس محمود "الحرب الشاملة" ضدّ حركة الشباب في آب (أغسطس) 2022، مع زيادة بنسبة 41% في أعمال العنف من قبل الحركة التي استهدفت المدنيين في ذلك العام. 

وفي أيّار (مايو) الماضي أعلنت الحكومة الصومالية أنّه سيتم تطبيق نظام الصوت الواحد لكل شخص في الانتخابات الوطنية والمحلية المقبلة، ممّا يعني تغيير النظام الانتخابي غير المباشر الذي ربط السلطة على مدى أكثر من (3) عقود بالسياسات العشائرية. وبموجب نظام التصويت غير المباشر ينتخب أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ الرئيس، في حين ينتخب مندوبو العشائر المشرعين في الحكومة الفيدرالية وكذلك الولايات الإقليمية. 

وتزامن القرار مع أول انتخابات بلدية مباشرة على مستوى الولاية في ولاية بونتلاند، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال الصومال، وهي أول ولاية تقوم بذلك بعد أرض الصومال. مع ذلك كانت المناقشات في مجلس نواب بونتلاند حول الإصلاح الانتخابي، مصحوبة باندلاع أعمال عنف متفرقة على يد قوات الأمن المنقسمة على أساس الانتماءات العشائرية في حزيران (يونيو) الماضي، ممّا أدى إلى تصاعد أعمال العنف في غاروي العاصمة الإدارية للولاية.

الحكومة الصومالية أطلقت أول تعداد وطني لها منذ ما يقرب من (5) عقود، ومن المقرر أن ينتهي قبل الانتخابات الفيدرالية في العام 2026

جدير بالذكر أنّ الحكومة الصومالية أطلقت أول تعداد وطني لها منذ ما يقرب من (5) عقود، ومن المقرر أن ينتهي قبل الانتخابات الفيدرالية في العام 2026. وتعتبر النتيجة الإيجابية للتعداد شرطاً أساسياً لاعتماد نظام الاقتراع العام، الذي تمّت الموافقة عليه في نهاية شهر أيّار (مايو) الفائت من قبل المجلس الاستشاري الوطني (NCC)، وهو هيئة اتحادية تتكون من الرئيس، ورئيس الوزراء، ورؤساء الولايات والمحافظين. ومن المقرر أن يؤدي الاتفاق، الذي لم يتحول بعد إلى قانون انتظاراً لموافقة البرلمان، إلى تغييرات في نظام التصويت الحالي، بما في ذلك الانتخاب المباشر للرئيس، ونائب الرئيس على قائمة واحدة، وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر إلغاء منصب رئيس الوزراء.

ويتكون نظام التصويت الحالي، الذي يطلق عليه "صيغة 4.5"، من آلية لتقاسم السلطة السياسية بين (4) عشائر رئيسية هي: دوراد، وهوية، ودير، ورهانوين، ومجموعات "الأقلية". 

ويهدّد النظام الجديد، نظام تقاسم السلطة القائم على العشائر، والذي يتم بموجبه تخصيص المناصب العليا في الحكومة الفيدرالية لعشيرتي الهوية والدارود، أكبر عشيرتين صوماليتين. علاوة على ذلك، يلغي الاتفاق صلاحيات العشائر وشيوخ العشائر في الانتخابات. حالياً يلعب مندوبو العشائر دوراً كبيراً في الانتخابات غير المباشرة من خلال التصويت لمشرعي الولايات والمشرعين الفيدراليين، وبالتالي فقد كانوا هدفاً لهجمات حركة الشباب خلال فترات الانتخابات، حيث سجلت مؤسسة (ACLED) أكثر من (50) حادثاً من قبل مسلحي حركة الشباب منذ العام 2021. 

الأكثر جوعاً في العالم

وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، يعاني حوالي (6.6) ملايين شخص في الصومال من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. ويتجلى الوضع المأساوي بشكل خاص في المناطق الريفية، حيث تتزايد مخيمات النازحين القريبة من المناطق الحضرية، بالتزامن مع نفوق الماشية وتصحر الأراضي الزراعية بسبب الجفاف.

ارتباك النظام السياسي في الصومال، واقتسام السلطة بين العشائر الـ (4) الرئيسية تسبب في تكريس حالة عدم الكفاءة السياسية

وواجه الصومال، الذي تمّ تصنيفه على أنّه الدولة الأكثر جوعاً في العالم، من خلال مؤشر الجوع العالمي، واحدة من أشد حالات الجفاف في تاريخه منذ أكثر من عقد من الزمن. علاوة على ذلك يجد الصومال نفسه متورطاً في أزمة إنسانية متعددة الأوجه، تفاقمت بسبب الحرب الأهلية المستمرة التي امتدت لأكثر من (3) عقود من الزمن. وما يزال المشهد السياسي مشلولاً بسبب عدم قدرة الحكومة الفيدرالية الصومالية على التعاون بفعالية مع الحكومات الإقليمية، ممّا أوصل البلاد إلى طريق مسدودة.

علاوة على ذلك، تؤدي أزمة المناخ، وتقلبات الجفاف والفيضانات، إلى تفاقم الحرب الأهلية بشكل غير مباشر، من خلال تأجيج الصراعات المحلية، كما تؤثر تأثيراً كبيراً على الأمن الغذائي؛ بسبب تناقص الموارد الطبيعية، ممّا مكّن الجماعات المسلحة من استغلال الأزمة. على سبيل المثال، استولت حركة الشباب على أجزاء من جنوب الصومال خلال فترة الجفاف بين عامي (2000-2004)، حيث ابتزت المزارعين وباعت الموارد بأسعار أعلى لتمويل أنشطتها العسكرية، ممّا أعاق أعمال الإغاثة الحكومية.

بالإضافة إلى ذلك، تباشر الحركات المسلحة عمليات التجنيد على أساس وعود بظروف معيشية أفضل. وقد دمرت الحرب الأهلية البنية التحتية الحيوية، ممّا حدّ من الحصول على الصرف الصحي والمياه النظيفة ومرافق الرعاية الصحية. وفي عام 2017 شهد الصومال أكثر من (79) ألف حالة إصابة بالإسهال المائي الحاد والكوليرا. وتستغل الجماعات المسلحة نقص المياه، من خلال تكتيكات مثل الغمر أو الندرة لتوسيع نفوذها في البلاد.

قالت لورا تيرنر، نائبة المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في الصومال: إنّه مع حدوث هذه الفيضانات بعد الجفاف مباشرة، يبدو الأمر كأنّه قصف متواصل للصدمات المناخية على الأسر المتعثرة 

وهنا يصبح من الواضح أنّ انعدام الأمن البشري الناجم عن هشاشة سبل العيش، والحرب الأهلية المستمرة، والسياسات غير المستقرة، يؤدي إلى تفاقم التوترات بين الفئات الاجتماعية، ويقوي المنظمات الإرهابية، ممّا يزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي. 

وتتسم سبل العيش في الصومال بالفقر المدقع في ظل حالة التخلف التنموي. ووفقاً لمنظمة كونسيرن غير الحكومية، يعيش ما يقرب من 70% من السكان تحت خط الفقر، ممّا يعني أنّ الشخص يكسب أقل من (2.15) دولاراً في اليوم، وهي نسبة أسوأ بكثير في المناطق الريفية. ويمكن أن يعزى هذا الوضع الاقتصادي المتردي إلى حد كبير إلى حالة الاقتصاد الرسمي الذي تعرّض لتدهور شديد؛ بسبب الحرب الأهلية الطويلة، وعدم قدرة الحكومة الفيدرالية على مباشرة الأنشطة الاقتصادية بشكل فعال في جميع أنحاء البلاد. 

كما أدّت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم أزمة الغذاء في البلاد؛ حيث إنّ أكثر من 90% من الحبوب الصومالية تأتي من أوكرانيا وروسيا، وعندما بدأت الحرب عانى الصومال من نقص كبير في الإمدادات الغذائية. ومع زيادة تكلفة سلة الغذاء في الصومال بنسبة 36%، وجد العديد من السكان أنفسهم عند منعطف حرج، حيث تعين عليهم الاختيار بين بيع أصولهم، أو العيش دون الحصول على الغذاء الكافي.

كما أدّى الوضع الاقتصادي المتردي إلى تفاقم الصراعات بين المزارعين، الذين وجدوا أنّفسهم يتنافسون على الطلب المحدود، والذي غالباً ما يكون مدفوعاً بتضاؤل الموارد. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ حالات الجفاف المتكررة لها تأثير سلبي مدمر على هؤلاء المزارعين، لأنّها تؤدي إلى محاصيل أقل ربحية. ومع تزايد فقر السكان يصبح الأفراد أكثر عرضة للجوء إلى العنف، أو الانضمام إلى الجماعات المسلحة كوسيلة لمواجهة انعدام الأمن بشكل عام داخل البلاد.

الفيضانات المدمرة تتحالف مع الجفاف

حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أنّ الظواهر المناخية المتقلبة ستبقي الجوع في الصومال عند مستويات قياسية، في الوقت الذي تجتاح فيه الفيضانات القاتلة أنحاء البلاد، ممّا يدمر المجتمعات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الشديد، والتي ما تزال تكافح للتعافي من أطول موجة جفاف في تاريخ البلاد، الأمر الذي دفع البلاد إلى حافة المجاعة. وقد أدّت الفيضانات التي تعتبر حسب بعض التقديرات الأسوأ منذ عقود  إلى نزوح ما يقرب من نصف مليون شخص من منازلهم.

 تمّ تصنيف الصومال مؤخراً على أنّه الدولة الأكثر جوعاً في العالم

من جهتها، قالت لورا تيرنر، نائبة المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في الصومال: إنّه مع حدوث هذه الفيضانات بعد الجفاف مباشرة، يبدو الأمر كأنّه قصف متواصل للصدمات المناخية على الأسر المتعثرة. 

وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قام برنامج الأغذية العالمي بتفعيل برنامج عمل استباقي للفيضانات، هو الأول من نوعه في أفريقيا، بالتنسيق مع حكومة الصومال. وقدّم برنامج الأغذية العالمي تحويلات نقدية استباقية ورسائل تحذيرية في المناطق التي من المتوقع أن تعاني من فيضانات غزيرة، حيث وصلت إلى أكثر من (200) ألف شخص حتى الآن. 

يواجه ربع سكان الصومال، (4.3) ملايين شخص، مستويات جوع تصل إلى حافة المجاعة، وقد أدّت الفيضانات إلى تفاقم أزمة الجوع في الصومال

وضربت الفيضانات نهر جوبا في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري في مناطق مثل لوق وبارديري، حيث جرفت جسراً رئيسياً. وغمرت المياه المناطق الواقعة على طول نهر شبيلي، بما في ذلك بيليتوين، ممّا أتلف المحاصيل، وأدى إلى نفوق الماشية.

وحالياً يواجه ربع سكان الصومال، (4.3) ملايين شخص، مستويات جوع تصل إلى حافة المجاعة، وقد أدّت الفيضانات إلى تفاقم أزمة الجوع في الصومال، في الوقت الذي يعاني فيه النقص الكبير في التمويل، ورغم المساعدات إلّا أنّ برنامج الأغذية العالمي غير قادر على مواجهة الكارثة.

مواضيع ذات صلة:

تعرف إلى أبرز ملامح الخريطة الإسلاموية في الصومال

هل ينجح الصومال بالقضاء على حركة الشباب بعد الدعم الإقليمي والأمريكي؟

أزمة الصومال على طاولة مجلس الأمن الدولي.. هذه أبرز الملفات



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية