شهادتان لـ "حفريات" من معارضيْن للولي الفقيه: الموت يحوم حولنا

شهادتان لـ "حفريات" من معارضيْن للولي الفقيه: الموت يحوم حولنا


30/08/2022

شخصيات عديدة من مختلف الاتجاهات، منهم صحفيون وحقوقيون وسياسيون وناشطون من الأقليات، تظهر، بين الحين والآخر، في التلفزيون الرسمي بإيران في وضع صعب وهزيل (بعضهم يحمل آثار تعذيب مثل سبيدة رشنو)، بينما يقوم الإعلامي المقرب من الحرس الثوري الإيراني، علي رضواني، بالحصول على أجوبة منهم فيما باتت تُعرف بـ "الاعترافات القسرية" التي يخضع لها المعتقلون بعد اختطافهم، ثم احتجازهم، غير القانوني، لفترة ما، حتى تكتمل دائرة القمع ضدّهم بهذا المشهد الأخير الذي يعدّ ضمن إستراتيجية الملالي لإخضاع المعارضين، والتشهير به، وجعل الموت يحوم حولهم في كل حين.

الإعلام أداةَ تخويف وابتزاز

رضواني، الذي ظهر عدة مرات وهو يقوم بتنفيذ مهمته في نزع الاعترافات القسرية، كما حدث مع الصحفية الأمريكية من أصول إيرانية، مسيح علي نجاد، والتي سرّبت الفيديو على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) مؤخراً، تم إدراجه على قائمة العقوبات البريطانية، العام الماضي، على خلفية انتهاكاته لحقوق الإنسان.

كما سبق للإعلامي الإيراني أن استجوب الصحفي الإيراني، روح الله زم، والذي تمّ اختطافه من بغداد بعد قدومه من فرنسا بواسطة عملاء تابعين للحرس الثوري، ثم نقله إلى طهران، وبعد هذا الظهور التلفزيوني حُكم عليه بالإعدام. وعلّقت منظمة "مراسلون بلا حدود" على ما تعرض له "زم" بأنّه "اعتراف واضح من النظام الإيراني بتعذيب السجناء، والتعذيب مثال واضح على الجرائم ضدّ الإنسانية".

وكشف تقرير مشترك بين منظمة "العدالة من أجل إيران"، مقرها لندن، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في باريس، أنّه في الفترة بين عامي 2009 و2019، بُثّت اعترافات قسرية في التلفزيون الإيراني لـ "ما لا يقل عن 860 حالة من حالات الاعترافات القسرية، والمحتوى التشهيري" ضدّ المواطنين.

منصور أبو الأسعد تمّ اعتقاله وإخضاعه لاعترافات قسرية

 وخلال النصف الثاني من الشهر الحالي آب (أغسطس)، ظهرت الكاتبة والمترجمة الإيرانية سبيدة رشنو (28 عاماً)، في موقف مماثل على التلفزيون الرسمي الإيراني، بعدما تمّ اعتقالها بسبب نشاطها المناهض لإلزامية الحجاب في إيران، بيد أنّ ظهور رشنو، وعليها آثار تعذيب واضحة، كان، على ما يبدو، اضطراراً من الحكومة الإيرانية بعد ضغوطات جمّة من قبل ناشطين محليين وآخرين في الخارج، لجهة الكشف عن مكان احتجازها بعد عملية تغييبها القسري.

ويرى الناشط ميثم آل مهدي أنّ "الغرض الرئيس من تكرار بثّ الاعترافات القسرية ليس سوى إبراز عضلات النظام لإرضاء حلقة مؤيديه والنيل من معنويات قوى الشعوب المستاءة في إيران".

واتفق والرأي ذاته الفنان الأحوازي المعروف مهدي يراحي، والذي قال: "إنّني أشعر باشمئزاز شديد من تلفزيون النظام الإيراني، وأعلن بكلّ صراحة أنّ هذه المؤسسة المعادية للشعب الإيراني لا يحقّ لها استخدام أيّ من أعمالي وبثّها بأيّة ذريعة وتحت أيّ ظرف من الظروف".

إستراتيجية الملالي لتشويه المعارضة

 إذاً، تعدّ الاعترافات القسرية بمثابة إستراتيجية إيرانية يجري تعميمها على معارضي "الولي الفقيه"، وتطبيقها على خصومه السياسيين، الأمر الذي يؤكّده منصور أبو الأسعد، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الشعبية (الأحوازية)، الذي أوضح لـ "حفريات" أنّ قوات الأمن في إيران، ومنها الوحدات الخاصة التابعة للحرس الثوري، تعمد إلى تنفيذ عمليات الاعتقال العشوائي والإخفاء القسري، خلال المظاهرات أو الاعتصامات، وكذا أثناء الندوات والاحتفالات الثقافية والفنية في مناطق الأقليات، ومنها إقليم خوزستان (الأحواز)، حيث يفرض الملالي نمطاً ثقافياً لا يقبل التنوع على مستوى الاعتبارات القومية والهوياتية.

من بين الإجراءات القمعية التي تنفّذها طهران بحقّ المعارضين "الاعتقال العشوائي والمداهمات الليلية لمنازل الناشطين الأحوازيين وغيرهم، فضلاً عن احتجازهم في أماكن غير قانونية ومجهولة

ويشير أبو الأسعد، الذي سبق أن تمّ اعتقاله وإخضاعه لاعترافات قسرية، إلى أنّ السلطات الإيرانية تمارس شتى أنواع التعذيب داخل مراكز الاعتقال، بداية من الاعتداء الجسدي مروراً بالصعق الكهربائي وحتى الإكراهات النفسية، ومنها الاعتراف القسري. ويردف: "التعذيب بحق المعتقلين هو المرحلة التي تسبق نقلهم لمراكز الاعتقال التابعة لاستخبارات الحرس الثوري، في الغالب، الأمر الذي تترتب عليه تهيئة المعتقلين للاعتراف القسري، وفي النهاية صدور الأحكام القضائية ضدّهم بالسجن لمدد طويلة تصل لنحو 30 عاماً أو الإعدام".

ومن بين الإجراءات القمعية التي تنفّذها طهران بحقّ المعارضين "الاعتقال العشوائي والمداهمات الليلية لمنازل الناشطين الأحوازيين وغيرهم، فضلاً عن احتجازهم في أماكن غير قانونية ومجهولة؛ حيث يتمّ عزلهم عن عائلاتهم، وكذا محاميهم، الأمر الذي يعدّ انتهاكاً لحقوق الإنسان والمعايير الدولية كافة. ويتعرض الناشطون والحقوقيون في ملف الأقليات، بلا استثناء، إلى تعذيب واسع ووحشي مثل: الضرب، والجلد، والصعق الكهربائي، والقيام بالأعمال الشاقة، أو الإعدامات الوهمية، والإيهام بالغرق، والعنف الجنسي، والإجبار على تناول مواد كيميائية، والحرمان من العناية الطبية، كما يخضعون إلى محاكمات بتهم لا أساس لها من الصحة، تتعلق بالإخلال بالأمن القومي (الفارسي)، وهي التهمة التي يكون حكمها القضائي الإعدام".

في شهادته لـ "حفريات"، يذكر أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية، طاهر علي مزرعة، أنّه قد تم اختطافه في سوريا، عام 2005، بواسطة الأمن السوري، ثم جرى تسليمه لإيران

وبالتالي، فإنّ انتزاع الاعترافات القسرية من المعتقلين يكون "تحت وطأة التعذيب"، بحسب عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الشعبية (الأحوازية).

ويتابع: "بعد مرور أشهر طويلة من التعذيب البدني والنفسي، يجري نقل المعتقلين إلى السجون، بينما تتم محاكمتهم وتصدر بحقهم أحكام قاسية، منها النفي أو الإعدام أو السجن المؤبّد، الذي يتراوح بين 20 أو 30 عاماً، والنفي لبعض النشطاء يكون بهدف إبعادهم عن مناطقهم لعدم اشتراكهم في الاحتجاجات والنشاطات المعادية لنظام الملالي، كما أنّه بعد تنفيذ حكم الإعدام يتم الدفن في مقابر مخصصة وتابعة لأجهزة الاستخبارات، الأمر الذي يشبه المقابر الجماعية، وذلك بهدف منع إجراء مراسم عزاء قد تتحول لاحتجاجات".

مواقف زئبقية بين سوريا وإيران

وفي شهادته لـ "حفريات"، يذكر أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية (الأحوازية)، طاهر علي مزرعة، والمعروف باسم (أبو نضال)، أنّه قد تمّ اختطافه في سوريا، عام 2005، بواسطة الأمن السوري، بينما كان يقيم في دمشق وقتها لمدة قاربت على ثلاثة أعوام، ثم جرى تسليمه لإيران، وذلك على خلفية دوره بين الأحزاب في سوريا للكشف عن النشاط الاحتجاجي المتصاعد في الأحواز، وقتذاك، ضدّ السياسيات الإيرانية الممنهجة باتجاه إفقار المنطقة، من جهة، وفرض سياسة "التفريس" من جهة أخرى.

طاهر علي مزرعة (المشار إليه بالعلامة البرتقالية) داخل سجن كارون

ويشير (أبو نضال) إلى أنّ دمشق كانت قبل الثورة الإسلامية تعدّ منطقة الأحواز أو عربستان أرضاً عربياً، لكن مواقف سوريا تبدلت إثر التحالف بين سوريا وإيران، منذ تدشين الجمهورية الإسلامية عام 1979، الأمر الذي كان من بين نتائجه اعتقال أمين الجبهة في الثمانينات خليل التميمي ثم الإفراج عنه ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

ويشير أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية (الأحوازية)، إلى أنّ الشعوب غير الفارسية بإيران تخضع إلى ما يشبه "الاحتلال" من قبل النظام الإيراني، والذي يقوم بإلغاء هوياتهم، وخصوصيتهم الثقافية، وحظر تداول لغتهم المحلية، فضلاً عن الاحتفال بمناسباتهم الخاصة، كما أنّ أيّة حركة احتجاجية ونشاط للحصول على الحقوق التاريخية لهذه القوميات المتنوعة في إيران تترتب عليه أقصى درجات القمع.

ويردف: "لا يمكن اعتبار أيّ إجراء، يتم في سياق مواجهة الاحتجاجات بإيران، له صفة قانونية؛ إذ إنّ آلة القمع التي تفرض سطوتها بعنف ووحشية، سواء عبر الاختطاف، أو توزيع التهم المعدة سلفاً والجاهزة بدون إمكانية للدفاع أو التحقيق، تتنافى والقيم الحقوقية. وبالتالي؛ فالمُعارض، أي معارض، في إيران، تنحصر مهامه أمام السلطات في التوقيع على جملة الاتهامات الموجهة ضدّه، أو إرغامه على تسجيلها أمام كاميرا التلفزيون".

تم الحكم على (أبو نضال) بالسجن لنحو عقدين، حسبما يقول، بالإضافة إلى إبعاده عن الأحواز لمدة 10 سنوات، وقد قضى هذه الفترة الأخيرة بين مدينتي دامغان في محافظة سمنان شمال شرق طهران، والتي تبتعد عن الأحواز 1300 كيلومتراً، ومدينة استهبان التابعة لمحافظة شيراز. وقد تم الإفراج عنه بعد ضغوطات عديدة من قبل الأمم المتحدة، حتى سمح له بالانتقال وعائلته إلى إحدى الدول الأوروبية.

  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية