صواريخ إيران رسائل إلى أطراف عراقيين متناحرين

صواريخ إيران رسائل إلى أطراف عراقيين متناحرين


24/03/2022

فاروق يوسف

حين قصفت إيران مدينة أربيل عاصمة الإقليم الكردي توهم الزعماء الأكراد أن بغداد ستقف معهم في مواجهة الصواريخ الإيرانية.

غير أن تلك الفكرة سلطت الضوء من جديد على عمق سوء الفهم الذي يعاني منه العراقيون وهم يبحثون عن قواسم وطنية مشتركة. ذلك لأن أحزاباً عراقية لها نفوذ واسع إما تعاطفت مع الرواية الإيرانية التي تتهم الأكراد بإيواء قواعد استخبارية تابعة للموساد الإسرائيلي أو دعت إلى التريث ودراسة المزاعم الإيرانية. أما البيانات غير الرسمية التي صدرت عن شخصيات رسمية فإنها كانت مجرد رسائل داخلية يُراد منها تبرئة الذمة في مواجهة احتجاجات شعبية لا يتوقع الكثيرون أنها ستكون واسعة.

فالتدخلات الإيرانية لم تعد مشكلة شعبية، بل صارت مشكلة الطبقة السياسية التي يوالي جزء منها إيران بشكل صريح ومعلن فيما يحاول الجزء الآخر أن يُخلي يده من كل ما يتعلق بإيران، بحيث يبدو كما لو كان معارضاً لهيمنتها على القرار السياسي وهو حين يطالب بإنهاء تلك الهيمنة فإنه يقصد الهيمنة المطلقة. وليست إيران مستعدة للعمل مستشارة لدى الحكومة العراقية التي يُفترض أن تكون من صناعتها، حتى لو تمت تلك الصناعة من خلال تسوية مع الولايات المتحدة.   

الصواريخ الإيرانية التي ضربت أربيل كانت موجهة بمعانيها إلى بغداد التي اتضح أن تلك الصواريخ يمكن أن تقترب منها حين تم توجيهها إلى قاعدة "بلد" الجوية التي لا تبعد كثيراً من العاصمة العراقية. وإذا ما كان الأكراد قد اعتقدوا أن تلك الصواريخ ستعيدهم إلى الواجهة بعدما شعروا بالخوف من إمكان أن تحرمهم الحكومة العراقية المقبلة من امتيازاتهم إذا ما تمكن مقتدى الصدر من فرض شروطه، فإن ضرب قاعدة "بلد" الجوية بصواريخ إيرانية حرمهم من الشعور بالتميز.

كانت المشكلة أكبر منهم وهي تخص إيران أكثر مما تخصهم. ليست إيران مهمومة بالفعل بقواعد "الموساد" على أراضيهم والتي يعرف الداني والقاصي أنها موجودة منذ ثلاثين سنة، بل أن ما يهمها أن تصل رسائلها إلى الطرف الذي يضع وجودها في العراق على الطاولة لمناقشته والبحث في إمكان التخلص منه.

تلك مشكلة وجودية صار العراقيون يقفون أمامها بنوع مزعج من القلق على مصيرهم. وفجأة تقرر إيران أن تفتتح لها قنصلية في الناصرية. ألا يمثل ذلك القرار نوعاً من التحدي؟ الناصرية هي المحافظة رقم واحد بعد بغداد التي شهدت عام 2019 احتجاجات معادية للوجود الإيراني. كما يمكنني القول إن الناصرية هي عاصمة الاحتجاج الشيعي المزدوج. فهي احتجت على الوجود الإيراني كما احتجت على نظام المحاصصة القائم. 

لقد سقط مئات القتلى في الناصرية برصاص إيراني من خلال الميليشيات الولائية التي تعلن اليوم تأييدها للقصف الإيراني. غير أنها انتصرت في انتخابات عام 2021 حين اخترقت أبواب مجلس النواب بالمستقلين من أبنائها الذين فلتوا من الاغتيال. والناصرية أخيراً هي المحافظة الأولى التي تنظر إليها بغداد بخوف وهي تعيد تأهيل نظامها الطائفي اليوم بعدما قفزت الأحزاب الشيعية على خلافاتها وبدأت بإعادة تأهيل البيت الشيعي على أسس جديدة. 

لم يجف دم القتلى من شباب الناصرية بعد

لهذا يمكن القول إن إيران وهي تعلن عن قرب افتتاح قنصليتها في تلك المدينة الثائرة تفكر في استفزاز المحتجين الذين فازوا في الانتخابات من أبناء المدينة ليكفوا عن التلويح بمعارضتهم وينضموا، ولو بصفة مراقب، إلى البيت الشيعي الذي تظن أنها نجحت في إعادة ترميمه. وليس هناك من مكان أكثر ملاءمة لإيواء التائبين من البيت الدبلوماسي الإيراني الذي هو عبارة عن خلية أمنية تابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني.

وإذا ما كان العراقيون قد أحرقوا القنصليات الإيرانية أيام الاحتجاجات، فإن ظهور قنصلية إيرانية في عاصمة التمرد الشيعي ينطوي على الكثير من معاني العقاب والقصاص، كما أنه سيكون نوعاً من السخرية من الشعب العراقي الذي توقع أن تكون نتائج انتخابات عام 2021 نهاية لفصل الجحيم الإيراني. 

قصفت إيران أربيل لأن الشيعة في بغداد غاضبون من الأكراد وقصفت قاعدة "بلد" الجوية لأنها غاضبة من الارتجال الذي صار يتخلل الخطاب الشيعي في بغداد. ولأنها لا تقوى على قصف الناصرية خشية الفضيحة فإنها قررت إهانتها والسخرية من محتجيها وتحدي أمانيهم. في تأويل الحالة الثالثة يمكن القول إن إيران قررت أن لا تُخطئ وهي تعد أصابع يدها لتكتشف أن الناصرية ليست من ممتلكاتها، لذلك ذهبت إلى معالجة الموقف بالقصف الدبلوماسي الذي ستكون الحكومة العراقية مسؤولة عنه. ولأن العراق كله من وجهة نظر إيرانية ضيعة تابعة لبلاد فارس، فإن التمثيل بجثة واحدة من محافظاته لا يعد جريمة تستدعي اهتمام المجتمع الدولي.   

لا أحد من أطراف النزاع السياسي في العراق يجرؤ على إدانة الاعتداءات الإيرانية بشكل صريح، كما أن المجتمع الدولي ظل صامتاً، ذلك لأنه لا يريد التدخل في الشأن العراقي. تلك ذريعة لترك العراق في متاهته الأميركية التي تشرف إيران على أبوابها الخفية.  

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية