صورة الجنرال البرهان وكلب جيجالوف... من الذي يدير حرب الخرطوم؟

صورة الجنرال البرهان وكلب جيجالوف... من الذي يدير حرب الخرطوم؟

صورة الجنرال البرهان وكلب جيجالوف... من الذي يدير حرب الخرطوم؟


10/08/2023

"سمع مفتش الشرطة (أنشومیلوف) صياح العامل (خرموكين) بأعلى صوته، منادياً عليه أن يمسك الكلب الذي نهش إصبعه. يهرع مفتش الشرطة إلى مسرح الحادثة، وبينما يستمع إلى إفادة الرجل، إذا بشخص بين المتجمهرين يقول: إنّه كلب الجنرال (جيجالوف).

 تغيرت ملامح المفتش، ثم تغيرت أقواله ووجّه نظرات قاسية إلى خرموكين، قائلاً: "إنّه كلب صغير، يبدو أنك جرحت إصبعك بمسمار"، ثم خاطب الجندي رفقته: "هيا أيّها الوغد، احمله بسرعة إلى فخامة الجنرال، وأنت يا خرموكين، عليك أن تكفّ عن  إبراز إصبعك الحمقاء هذه".

هذه الفقرة من قصة (الحرباء) للروسي (أنطون تشيخوف) تُعبِّر بدقة عن استماتة كثيرين لنفي ضلوع جماعة الإخوان المسلمين بالتواطؤ مع قادة الجيش السوداني في إشعال الحرب الماثلة وإطالة أمدها بصب المزيد من الزيت عليها، والسعي الدؤوب لتحويلها إلى حرب عرقية وجهوية، لا تبقي ولا تذر.

الاستنفار

ماذا بمقدور الجنرال جيجالوف أن يفعل إذ واجهه الجميع، وعلى رأسهم المفتش أنشومیلوف، بأنّ كلبه نهش إصبع العامل المسكين خرموكين؟    

بالنسبة إلى العديد من المراقبين والمواطنين السودانيين، فإنّ الحرب الدائرة في السودان هي حرب (الكيزان) لاستعادة مُلكهم الضائع، بالتعاون مع الجنرالات الـ (3)؛ عبد الفتاح البرهان، وشمس الدين الكباشي، وياسر العطا، وثلاثتهم محاصرون الآن، إمّا في القيادة العامة وسط الخرطوم، وإمّا في سلاح المهندسين بمدينة أم درمان.

بالنسبة إلى العديد من المراقبين والمواطنين السودانيين، فإنّ الحرب الدائرة في السودان هي حرب (الكيزان) لاستعادة مُلكهم الضائع

يتحرك الإخوان سياسياً وإعلامياً على نطاق واسع خارج الخرطوم، فيما تحتمي كتائبهم مثل (البراء بن مالك) و (الدفاع الشعبي) التي أُطلق عليها خلال هذه الحرب، قوات العمل الخاص بمقرات الجيش في سلاحيّ المهندسين والمدرعات بتنسيق كامل قادته.

الشاهد في الأمر أنّه بعد ضغط شديد ومتواصل منذ أيار (مايو) على قائد الجيش، استجاب أخيراً ودعا الشعب السوداني إلى حمل السلاح (الاستنفار) في وجه ما سمّاها بالميليشيات المتمردة، وهذا ميدان كبير؛ يتولاه ويديره وينشط فيه فلول جماعة الإخوان لتأهيل كوادرها غير المُدربة عسكرياً، ممّا يتيح لها ضخ قوى بشرية جديدة في ميليشياتها التي تدير العمليات العسكرية في مواجهة قوات الدعم السريع.

غارق في الإيديولوجيا

هذه ليست اتهامات معلقة في الهواء، لأنّ بمقدور أيّ شخص زيارة صفحة حزب المؤتمر الوطني المحلول على (فسيبوك)، ومشاهدة قناة (طيبة) المملوكة للمتطرف عبد الحي يوسف، الهارب من الخرطوم على خلفية قضايا فساد، والتي تبث من تركيا، ليتعرّف على الذي نهش إصبع  (خرموكين)، ويقف على مدى سيطرة جماعة الإخوان على قيادة الجيش وإدارتها لعملياته العسكرية وتوجيه قيادته: تفعل ماذا، وتكفّ عن ماذا؟    

بلغت حرب الإخوان مرحلة خطيرة في الدعاية الحربية؛ إذ إنّ بعض الصفحات التابعة لها والمسجلة على مواقع التواصل بأسماء حركية، أصبحت تستخدم الأطفال بشكل يبدو منظماً ومرتباً له سلفاً

بجانب عملها الميداني المُكثف، فإنّ الجماعة نشرت طاقمها الإعلامي الصريح والمُتخفي تحت غطاء الدفاع عن الجيش الوطني إزاء (ميليشيات قبيلة) أو (غزو أجنبي)، في جميع الفضائيات العربية على وجه الخصوص، يقدمون معلومات خاطئة ومزورة في غالب الأمر. كما دفعت بضباطها بالجيش السوداني إلى وسائل الإعلام نفسها بوصفهم خبراء استراتيجيين ينافحون عن القوات المسلحة، فيما هم غارقون في إيديولوجيا الإخوان، من رؤوسهم حتى أخامصهم.  

يرصد كثيرون بعض الصفحات الشخصية التابعة لأشخاص موالين للإخوان؛ إنّهم عنصريون وشعبويون ظلوا يثيرون الفتن الجهوية والقبلية على مدى أعوام قبل الحرب، وهذه الصفحات توجه قيادة الجيش حتى في استراتيجياتها وتكتياتها وخططها  الميدانية، وإن لم تستجب لها، تشن عليها حملات إعلامية شعواء وتطالب بتغييرها وتصفها بالضعف والخوار والهوان.

صورة القائد

بلغ تحريض فلول النظام لقائد الجيش بالاستمرار بالحرب وعدم الاستجابة لدعوات التفاوض والحوار والسلام، أن طالبه الإعلامي الإخواني الشهير الهارب إلى تركيا، الطاهر حسن التوم، من على قناة (طيبة) الفضائية التي تبث من إسطنبول، بعدم الاكتراث لصورته وهو يدير العمليات العسكرية، ممّا بدا لكثير من المراقبين والمحللين أنّه يحرضه على حرق الخرطوم بمن عليها، وأن يخوض ما سمّاه بمعركة الوجود حتى نهايتها دون الالتفات لكلفتها البشرية والاقتصادية والإنسانية.

ليس بعيداً عن ذلك، فإنّ صفحة حزب المؤتمر الوطني والموالين له، والإعلاميين من فلول النظام السابق، ملأى بإعلانات النعي لقتلى من أعضاء الجماعة الذين شاركوا في المعارك الأخيرة، بينهم أطباء ومهندسون وإدرايون.  

ماذا يخسر السُجناء؟

وبلغت حرب الإخوان مرحلة خطيرة في الدعاية الحربية؛ إذ إنّ بعض الصفحات التابعة لها والمسجلة على مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء حركية، أصبحت تستخدم الأطفال بشكل يبدو منظماً ومرتباً له سلفاً، وذلك لإبداء وقوف هؤلاء الأطفال مع قيادة القوات المسلحة وضد الدعم السريع، ممّا يسهل مهمة استخدامهم في الحرب لاحقاً، يشي بخطة يتم تدبيرها في هذا الصدد، الأمر الذي يخالف القوانين المحلية والدولية الخاصة بحماية الطفل.

يلعب (الكيزان) في هذه الحرب بجميع أوراقهم، على مبدأ (ماذا سيخسر السُجناء؟)، أو (عليَّ وعلى أعدائي)، فليس للجماعة ما تخسره أكثر من سلطة استحوذت عليها بالقوة عبر انقلاب عسكري 1989، واستمرت تحكم من خلالها البلاد وتقهر العباد (30) عاماً، حيث حقنت جميع مفاصل الدولة والجيش وأجهزة الأمن والمخابرات والخدمة المدنية بكوادرها، وصادرت الحريات والقرار السياسي وتحكمت في الفضاء الاقتصادي والتجاري والمالي، قبل أن تجد نفسها خارج السياق بضربة قاضية من الشعب الذي انتفض عليها، وقال كلمته الأخيرة: (لا للكيزان).

يلعب (الكيزان) في هذه الحرب بجميع أوراقهم، على مبدأ (عليَّ وعلى أعدائي)، فليس للجماعة ما تخسره أكثر من سلطة استحوذت عليها بالقوة عبر انقلاب عسكري 1989، واستمرت تحكم من خلالها البلاد وتقهر العباد (30) عاماً

لكنّ قائد الجيش الذي تحالف مع طيف من المدنيين لإدارة مرحلة انتقالية محدودة وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة تفضي إلى حكومة مدنية ونظام حكم ديمقراطي تداولي، لم يشأ أن يفارق الكرسي أيضاً، فانقلب على العهد المبرم بينه وبين المدنيين وأطاح بحكومة حمدوك في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وعاد إلى النظام القديم حاضنة سياسية له، وها هو ذا في مأزقه، لا يعرف كيف يخرج منه.  

الآن، يعرف أيّ شخص في السودان وخارجه، أنّ الذي نهش إصبع (خرموكين) هو كلب الجنرال  (جيجالوف)، لكنّهم يخشون بأس مفتش الشرطة (أنشومیلوف)، كما هو الحال في قصة (الحرباء).

مواضيع ذات صلة:

الخرطوم طهران عن طريق موسكو... هل أجبرت الحرب البرهان على اقتفاء خُطى سلفه؟

البرهان وحميدتي إلى طاولة حوار... والشعب السوداني إلى كارثة إنسانية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية