"طمعاً في كرم أمريكا"... هل تريد طهران أن تكسب واشنطن وتخسر الخليج؟

"طمعاً في كرم أمريكا"... هل تريد طهران أن تكسب واشنطن وتخسر الخليج؟


14/03/2022

يوسف بدر

دخلت المحادثات النووية في "نفق مظلم" بسبب الأزمة الأوكرانية، بعدما وضع الطرف الروسي "العصا في العجلة" بمطالبته بتقديم ما يضمن له ألا تؤثر العقوبات الغربية المتعلقة بأزمة أوكرانيا في علاقاته التجارية بإيران إذا تم إحياء الاتفاق النووي. وهو ما دفع الأطراف الغربية إلى إعلان وجود "عوامل خارجية" تمنع إتمام التوصل الى اتفاق في فيينا. وأدى أيضاً، إلى عودة كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، من فيينا إلى طهران للتشاور. 

وبينما تصر واشنطن على عدم استمرار هذه المحادثات من دون أجل مسمى؛ من أجل التوصل الى قرار نهائي. يُصر الإيرانيون على أن القرار بيد واشنطن، وأن طهران عرضت مطالبها التي لن تتراجع عنها، والتي تعتبرها خطوطاً حمراً. 

واشنطن أم موسكو؟

الموقف الروسي من المحادثات النووية، دفع المعتدلين من التيار المحافظ والتيار الإصلاحي، إلى الإيمان بواقعية الصورة، التي ترجموها، بأن موسكو تقلق من استبدال الغرب، بالطاقة الروسية، نظيرتها الإيرانية، وتريد الاستفادة من الأزمة النووية، فأخذت الاتفاق النووي رهينة إلى أن تنتهي الحرب في أوكرانيا، وأن موسكو لا تريد للعالم أن يتخلص من أزمة إيران ويتفرغ لروسيا. 

بل انتبه "المعارضون للتبعية العمياء لروسيا" إلى سقوط أفراد من قوات إيران العسكرية بضربات إسرائيلية في سوريا، واتهموا موسكو بأنها باعتهم لـ"تل أبيب" من أجل أن تنشغل المنطقة والعالم بالصراعات بدلاً من التركيز على أزمتها.

الغضب من روسيا وأنصارها في إيران، امتد إلى المنابر الإعلامية والسياسية؛ فقد سخر الإصلاحيون من اشتراط المتشدد والقائد السابق في الحرس الثوري حسن عباسي، للحوار مع واشنطن، أن تلتزم نساء أميركا الحجاب، وأن يتحول البيت الأبيض إلى "حسينية". واعتبروا أن مثل هذه العقلية المقربة من السلطة، لا تدرك حجم الفجوة بين الشارع والنخبة الحاكمة، التي عجزت عن فرض "الحجاب" على أسماء الأسد! رغم كل ما قدمته بلادهم للرئيس السوري، والآن تتشدد في تعاملها مع الولايات المتحدة. 

ولذلك، تعالت هذه الأيام أصوات الإصلاحيين الذين أبدوا اهتمامهم بالانفتاح على الغرب إبان حكومة حسن روحاني، بأن الفرصة مواتية لطهرن للدخول في محادثات مباشرة مع واشنطن، والقبول بالحد الأدنى من المطالب الإيرانية للتوصل الى اتفاق الآن؛ وإلا فسيتم تأجيل كل شيء، وتبقى إيران في مستنقع أزماتها.

عيون معلّقة على أمريكا

 يشن المحافظون المتشددون حملة على دعاة الحوار مع الغرب، بيد أن العودة الى الحوار مع واشنطن انطلقتْ في عهد حكومتهم المحافظة الحالية برئاسة إبراهيم رئيسي وبمباركة مرشدهم الأعلى علي خامنئي. لكنهم يريدون إدارة هذا الحوار وفق "سيناريو" خاص بهم؛ إذ تكشف تصريحات المتشدد حسين شريعتمداري مدير صحيفة "كيهان" المقربة من دائرة المرشد الأعلى، بقوله إن "أميركا لن ترفع العقوبات؛ لأنها هي أداة الضغط الوحيدة على إيران، وإننا لو لم نذل أميركا، لما تجرأت روسيا على مهاجمة أوكرانيا"، أن المحافظين "طامعون في كرم" أميركا، بأن تطلق لهم العنان في المنطقة، ظناً منهم أن واشنطن في حاجة إليهم بإلحاح في الوقت الحالي، وأنها ستأتي إليهم، مثلما ذهبتْ إلى فنزويلا من أجل استقطابها للاستغناء عن النفط الروسي. 

وهؤلاء المحافظون المتشددون الذين يديرون السلطة لن يتخلوا عن أدواتهم وطريقة تفكيرهم؛ فكما أشار التقرير السنوي لـ"مجتمع الاستخبارات الأميركية"، لن يتوقفوا عن تهديد المصالح الأميركية للضغط على واشنطن، بأن يطاردوا نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وبأن يرفعوا مستوى تخصيب اليورانيوم لإرعاب المنطقة، ولن يتوقفوا عن سياسة الرد بالمثل.

ولذلك، يمكن القول إن "عيون المحافظين" معلقة على أميركا، بأن تمنحهم المزيد من كل شيء؛ ولذلك يصرون على الرفع الكامل للعقوبات وإخراج الحرس الثوري من لائحة التنظيمات الإرهابیة للخارجیة الأميركية، في مقابل لا شيء. بينما تقف واشنطن أمام معضلة ملف التهديدات الإقليمية والبرنامج الصاروخي لإيران. 

ولذلك، يمكن فهم أزمة أميركا مع إيران، بأنها أزمة إقناع وترويض للنظام الذي يسيطر عليه المحافظون؛ خشية أن يأتي الاتفاق النووي الجديد بنتائج "اتفاق 2015" الذي منحهم الأموال التي أنفقوها على دعم ميليشياتهم ودعم طموحات صديقتهم روسيا في المنطقة. 

والمحافظون الذين رفضوا الحوار مع الغرب بالأمس، هم مَن يجلسون الى طاولة المفاوضات اليوم؛ فكبير المفاوضين علي باقري كني من عائلة مقربة من النظام الحاكم، وكان في السابق معارضاً بشدة للحوار مع الولايات المتحدة إبان عمله مساعداً لسعيد جليلي، المفاوض الإيراني في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد. واليوم، هو مَن يقود المحادثات والحوار مع الغرب.

سياسة "حافّة الهاوية"

منذ الاقتراب من الوصول إلى اتفاق أخير في فيينا، وتزامن ذلك مع الأزمة الأوكرانية؛ وإيران تنتهج سياسة "حافة الهاوية"؛ بخاصة بعد استعراض الحرس الثوري اختبارات الصواريخ البالستية تحت غطاء التجارب الفضائية، فضلاً عن اعتماد "الطائرات المسيّرة" سلاحاً استراتيجياً إلى جانب هذه الصواريخ. وقد تعالت الأصوات التي تطالب بالحفاظ على استراتيجية القدرات الإيرانية العسكرية والتهديدات الإقليمية؛ برهاناً منها على صدق الرؤية الإيرانية تجاه الغرب، الذي تخلى عن حماية حليفته أوكرانيا من الغزو الروسي. 

وقد أتت تصريحات المرشد الأعلى، خلال استقباله أعضاء مجلس خبراء القيادة يوم 10  آذار (مارس) الجاري، لتؤكد هذه الرؤية، بقوله: "الجمهورية الإسلامية لن تنحني أمام الضغوط الرامية لجعلها تقلص قوتها الدفاعية ووجودها في المنطقة والتقدم في التكنولوجيا النووية".

ولكن على غرار ما برهنته إيران لنفسها من صدق رؤيتها تجاه الغرب؛ يجب أيضاً أن تصدق أن سياستها لن ترغم دول المنطقة على الإيمان بها، وأن هذه الدول ستعتمد على نفسها في مواجهة إيران. وبرهان ذلك، هو جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى دول الخليج من أجل التصدي للنفوذ الإيراني، والحديث عن تقديمه مبادرة عسكرية لتشكيل تحالف عسكري على غرار الحلف الأطلسي. بل إن قطر الحليفة لإيران شاركت الإسرائيليين في اجتماع في مقر الأسطول الخامس الأميركي في البحرين، والأراضي القطرية ستكون محطة رادارية مهمة للإنذار السريع ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية. 

المحصّلة

إن الأزمة الأوكرانية لم تعطل التوصل الى اتفاق في فيينا فحسب؛ بل كشفت عن نيات إيران لما بعد الاتفاق، وبرهنت أن المحافظين في إيران طامعون في ترويض الولايات المتحدة عبر التهديدات والمصالح في خدمة استراتيجياتهم.

منح الموقف الروسي من الاتفاق النووي الإصلاحيين فرصة للتنفس من جديد؛ بعدما برهنوا للمحافظين أن إيران في حاجة للتوازن بين الشرق والغرب.

إن السلوك الذي يقوده المحافظون في إيران، بانتهاجهم سياسة "حافة الهاوية"، سيأتي بنتائج عكسية؛ إذ يبرر هذا السلوك لدول الخليج حاجتها للاعتماد على نفسها وتشكيل التحالفات الإقليمية لمواجهة التهديدات الإيرانية.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية