ظاهرة الذئاب المنفردة واستراتيجيات المواجهة

ظاهرة الذئاب المنفردة واستراتيجيات المواجهة

ظاهرة الذئاب المنفردة واستراتيجيات المواجهة


24/07/2023

باتت هجمات الذئاب المنفردة (وهي حوادث إرهابية فردية) تشكل تهديداً مباشراً لمناطق مختلفة في العالم، وقد تصاعد استخدام طريقة الذئاب المنفردة خلال الأعوام الأخيرة، والمرجح أن يتصاعد خلال الأعوام المقبلة، ممّا يشكل تهديداً كبيراً، نظراً لصعوبة رصد هذه الظاهرة ومراقبة أفرادها والتنبؤ بتحركاتهم، رغم كل الجهود المبذولة، وممّا ساعد على انتشار الذئاب المنفردة ما يعانيه هؤلاء من مظالم اجتماعية وسياسية واقتصادية في بلدانهم.

الأستاذ مختار شعيب، الكاتب المصري ونائب رئيس تحرير الأهرام، والخبير في مكافحة الإرهاب، رصد في عمل علمي -صدر منذ أيام- ظاهرة الذئاب المنفردة، وخرج العمل ضمن سلسلة "اتجاهات استراتيجية"، رقم (22) الصادرة عن مركز (تريندز للبحوث والاستشارات)، بعنوان: (ظاهرة الذئاب المنفردة واستراتيجيات المواجهة)، حزيران (يونيو) 2023م.

يشتمل العمل على (4) أقسام:

أوّلاً: تأصيل مفهوم الذئاب المنفردة.

ثانياً: السمات والتصنيفات وأسباب الانتشار.

ثالثاً: قراءة في استراتيجية بعض الدول في مواجهة الظاهرة.

رابعاً: القوة الناعمة، والمقاربات المقترحة.

استهل الكاتب عمله وكأنّه يؤرخ لظهور الذئاب المنفردة على يد حركة طالبان، التي سيشجع انتصارها على الولايات المتحدة على الاقتداء بأسلوبها الذي تبنته من عام 2003 إلى عام 2009، وهو الأسلوب الذي اعتمد على الهجمات الفردية، وذكر أنّ شبكة (حقاني)، وهي إحدى التنظيمات العسكرية لحركة طالبان استخدمت أسلوب العمليات الفردية بداية من 2003، وذلك في شكل هجمات بأسلحة رشاشة، وتنفيذ عمليات انتحارية فعَّالة، أدت إلى قتل العشرات.

غلاف الكتاب

فالجهادي هنا يخطط وينفذ أعمال العنف وحيداً وخارج أيّ قيادة أو هيكل أو تنظيم، مع أنّه فكريّاً يستلهم أفكاره من التنظيمات الجهادية، وعمليّاً يخدم مصالح هذه التنظيمات الجهادية، وخطورة هذا النوع من العمل الإرهابي أنّه منخفض التكلفة، ويتطلب القليل من التخطيط، ويصعب التنبؤ به والكشف عنه -حسب ما جاء في الدراسة-.

وذكر الكاتب أنّ الذئب المنفرد، وإن كان ذا فاعلية وتأثير، إلّا أنّ هذه الفاعلية أقلّ إذا قورنت بالعمل المتكامل للتنظيمات الهيكلية، لكنّ هذه الفاعلية تجاوزت عالم التطرف والإرهاب، وصارت موجودة في كل الأفراد الذين يرتكبون حوادث عنف منفردة، لا يمكن التنبؤ بخطورتها، وهذا نفسه خلق إشكالية ما زالت مستعصية على الخبراء، تتعلق بأزمة في المصطلحات، ومدى التوسع أو التقييد في إطلاقها.

استهل الكاتب عمله وكأنّه يؤرخ لظهور الذئاب المنفردة على يد حركة طالبان التي سيشجع انتصارها على الولايات المتحدة على الاقتداء بأسلوبها الذي تبنته من عام 2003 إلى عام 2009، وهو الأسلوب الذي اعتمد على الهجمات الفردية

هذه الإشكالية -والكتابة فيها قليلة- لاحظها المؤلف، وعلّق عليها، متناولاً التأريخ الاصطلاحي لتكتيك الذئب المنفرد، منتقداً التحليلات المعاصرة التي تأثرت بالخطاب السياسي الصاخب، والتغطية الإعلامية المنحازة البعيدة عن الحقائق، وهو هنا يؤكد أنّ استخدام وسائل الإعلام الغربية لمصطلح الذئب المنفرد يبرز بعض التناقض، فالمجرم الفرد الذي يرتكب جريمة السرقة لا يُسمّى "ذئباً منفرداً"، بل يُحصر وصف الذئب المنفرد بالقتلة فقط، وحتى هذا -كما يرى المؤلف- يفتقر إلى نوع من الاتساق، وفي كل الأحوال فإنّ التعريف الذي اختارته الدراسة، وتعريفات أخرى كتعريف الأمم المتحدة وتعريف المركز الدولي لمحاربة الإرهاب في لاهاي، كلها تحتاج إلى ضوابط إضافية واحترازات مهمة، لأنّ إشكالية التعريف تحجب جزءاً من المواجهة.

سمات الذئاب المنفردة:

يرصد العمل (6) سمات أساسية للذئاب المنفردة:

الأولى: العمل بشكل منفرد من حيث اختيار الهدف والتخطيط والتنفيذ، ودون وجود مؤشرات سابقة تكشف عن ماهية الإرهابي.

الثانية: الانتماء الفكري غير التنظيمي.

الثالثة: التمويل الذاتي، معتمداً على موارده الذاتية وإمكانياته المتاحة المحدودة التكاليف.

الرابعة: الإقامة في الدولة التي ينفذ فيها العملية، ممّا يساعد على اختيار الهدف.

الخامسة: صعوبة الرصد، فأكثرهم ليس له سوابق جنائية، وقد يكونون من الأشخاص العاديين ممّن التي لا شكّ في سلوكهم وحركتهم اليومية.

السادسة: اللامركزية، فالذئب المنفرد يتسم بسرعة الحركة والمرونة في التنقل.

تصنيفات الذئاب المنفردة يجمعها "نفسية محتقنة":

لاحظ الكاتب وجود تنوع في الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والتعلمية لإرهابيي "الذئاب المنفردة" على النحو التالي ـ وفق قراءته ـ:

- نسبة 46% منهم تلقوا تعليماً متوسطاً وأقلّ من المتوسط.

- نسبة 54 % تعلموا في جامعات.

- نسبة 8% من حملة الدكتوراه.

باتت هجمات الذئاب المنفردة (وهي حوادث إرهابية فردية) تشكل تهديداً مباشراً لمناطق مختلفة في العالم

ويجمع كل هؤلاء الإحباط الذي تسببه الظروف السياسية والاجتماعية والنفسية، ولم يتوقف الكاتب عند هذا المعنى المهم إلّا في جذاذات عابرة، ربما لئلا يخرج عن سياق موضوعه، فلا شك أنّ سمات التطرف تتطور في ضوء المعطيات الجديدة، والفوارق اليوم صارت كبيرة بين موجة الإرهاب في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وبين الموجة الحالية، وأهم تلك الفوارق: عدم اعتماد المتطرف على بنية فكرية، وعدم الاعتماد على التواصل والاحتكاك المباشر، ولكن بات الآن الاستقطاب يعتمد على اجتذاب النفسية المحتقنة والمنفجرة من خلال الاعتماد على الأبعاد النفسية، وقد أدى تراجع العامل الفكري على حساب بروز الجانب النفسي إلى اختزال مدة التجنيد للعضو من شهور وأعوام إلى عدة ساعات.

أسباب الانتشار:

رصدت الدراسة أسباب انتشار ظاهرة الذئاب المنفردة في عدة أسباب؛ أهمها:

الأوّل: الانقسام الاجتماعي والثقافي في الغرب، والتحديات التي زادت من انتشار اليمين المتطرف، وعدم تبنّي الحكومات الغربية وسيلة ناجعة لدمج الأقليات المسلمة في المجتمعات الأوروبية.

الثاني: تنامي استخدام جماعات التطرف والإرهاب لشبكة الإنترنت، ووفقاً للدراسة فإنّ تنظيم القاعدة أول تنظيم إرهابي في الشرق الأوسط يستخدم الإنترنت، حين أطلق مجلة (إنسباير) باللغة الإنجليزية، وشكلت كتابات عضو تنظيم القاعدة أيمن العولقي عام 2004 بداية من مقاله: (44 طريقة لدعم الجهاد) مصدر إلهام لكثير من الذئاب المنفردة، فالفتاة البريطانية التي طعنت النائب ستيفن تايمز، قالت عقب القبض عليها: إنّها استمعت إلى أكثر من (100) خطبة للعولقي، ويلعب تنظيم (داعش) -كما أكدت الدراسة- دوراً مهمّاً في تشجيع من يقومون بأعمال إرهابية منفردة، ويعمل التنظيم على الاحتفاء بهم، حتى إنّ مجلة (دابق) خصصت صفحتين لتمجيد رجل وزوجته شنّا هجوماً على مدينة سان برناردينو الأمريكية عام 2016.

الثالث: عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم، وهؤلاء نواة لنمو ظاهرة الذئاب المنفردة في بلدانهم، خصوصاً أنّهم حصلوا على خبرات عسكرية وقتالية، وعندهم رغبة في الانتقام، ومن إجمالي (41490) مقاتلاً أجنبياً انضم إلى تنظيم (داعش)، عاد منهم إلى أوطانهم نحو 60%، ومن أبرز الأمثلة مهدي نموش الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم زوار متحف بروكسل اليهودي في بلجيكا عام 2014م.

القوة الناعمة ودورها في المواجهة:

تناولت الدراسة قراءة في استراتيجيات بعض الدول لمواجهة الظاهرة، من خلال قوانين مكافحة الإرهاب، والمطاردات الأمنية، ثم جاء قسم مهم عن القوة الناعمة ودورها في مواجهة الذئاب المقترحة، وقد خلصت الدراسة إلى (4) مقترحات:

-إنشاء بنك معلومات عن الذئاب المنفردة.

-إعداد برنامج إلكتروني للسيطرة على المواد المقترح استخدامها في صنع المتفجرات.

-تتبع التهديدات الإلكترونية.

-شن حرب افتراضية سيبرانية ضد التنظيمات الإرهابية.

وبعض هذه المقترحات مع أهميتها نرى أنّها تبعد إلى حدٍّ ما عن دور القوة الناعمة، بيد أنّ النقطة الرابعة الخاصة بـ (شن حرب افتراضية سيبرانية ضد التنظيمات الإرهابية)، اقترح فيها المؤلف مجموعة من الأبعاد المهمّة الجديرة بالتسجيل، بله التفعيل:

البُعد الأوّل: دحض وتفنيد حجج الإرهابيين والمتطرفين على المواقع الإلكترونية والرد عليها بالحجج اللازمة في شتى المجالات الدينية والاقتصادية والعسكرية، بوساطة خبراء مختصين، والاستعانة بمن تابوا أو المحكوم عليهم ممّن لديهم احتكاك مباشر، ممّا يمنح كلامهم مصداقية وثقة، وضمن هذا البُعد ينبغي الاهتمام بالمظالم الشخصية والسياسية لأفراد المجتمع، خصوصاً أنّ بيانات شاملة لأكثر من (200) عملية إرهابية تبين أنّ سببها مزيج من المظالم الشخصية والسياسية.

البُعد الثاني: تنفيذ استراتيجية إعلامية في تفنيد الدعاية الإعلامية والإلكترونية التي تطرحها جماعات التطرف ودحضها ومواجهتها بشكل جذاب ومقنع ومهني.

البُعد الثالث: تحصين الشباب ضد الفكر المنحرف، من خلال تحديث المنظومة التعليمية والتربوية والثقافية والتركيز على الهوية الوطنية وحقوق الإنسان وخطر الإرهاب، وتنمية قدرة المؤسسات الشبابية والتربوية للكشف المبكر عن بوادر نزوع الشباب نحو التطرف.

البُعد الرابع: تطوير التعليم الديني و(تجديد الخطاب الديني)، وإحداث تغيير شامل يشمل التأويل الصحيح للآيات والأحاديث، والردّ على دعاوى المتطرفين، وبلورة رؤية إسلامية موحدة من خلال المرجعيات الإسلامية التي تعكس صورة الإسلام السمح.

وأخيراً تدعو الدراسة إلى التفرقة بين دراسة ظاهرة الذئاب المنفردة في إطار ظاهرة الإرهاب، وبين دراستها باستراتيجيات مختلفة عن التي يُواجه بها الإرهاب المنظم.

والحاصل أنّ الدراسة جاءت بأسلوب مميز، جمع فيه الكاتب بين البساطة واللغة الأكاديمية؛ ممّا يجعل الكتاب مناسباً لأكبر نوعية من القراء، ورصد المؤلف السمات وأسباب الانتشار والمقترحات دون إطناب ممل ولا اختصار مخل، ومع قيامه بالتفرقة في أمور كثيرة في دراسته، إلّا أنّه فاته التفرقة بين الذئاب المنفردة، و(الإرهاب الفردي)، فكلاهما يأخذ شكلاً واحداً، لكنّ الذئاب المنفردة عملية يقوم بها فرد -وربما مجموعة صغيرة ـ لا ينتمون لأيّ تنظيم بأيّ صورة من صور التبعية والتعليمات، وأمّا (الإرهاب الفردي)، فصاحبه يكون على اتصال حركي أو تنظيمي بجماعته، ولجوء التنظيمات الإرهابية للإرهاب الفردي له أسبابه التي قد تختلف عن أسباب اللجوء للذئاب المنفردة.

مواضيع ذات صة:

رؤية تحليلية: تنظيم داعش وقضية "الذئاب المنفردة"

الذئاب المنفردة: هل هو إرهاب عشوائي بالفعل؟

خبراء يحذرون من هجمات لـ"الذئاب المنفردة" في أوروبا بأعياد الميلاد




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية