ظهور جماعة "الإخوان" بجانب البرهان... أليس للجنرال من يُسانده غيرها؟

ظهور جماعة "الإخوان" بجانب البرهان... أليس للجنرال من يُسانده غيرها؟

ظهور جماعة "الإخوان" بجانب البرهان... أليس للجنرال من يُسانده غيرها؟


29/04/2023

يبدو أنّ المراقبين والمتابعين للحرب السودانية أصبحوا رويداً رويداً يقتربون ممّا كانوا يعتبرونها، قبل أيام قلائل، مزاعم ودعايات حربية تمارسها قوات الدعم السريع عندما صرّح قادتها، وعلى رأسهم الفريق حميدتي، بأنّ من يدير المعركة معه هو النظام السابق، وأنّ قائد الجيش هو أحد أركان الإسلام الراديكالي في البلاد، وأنّه استعان بالنظام السابق من أجل الإطاحة بالمسار المدني الديمقراطي، وأنّه لن يتمكن من ذلك إلّا بالقضاء على قوات الدعم السريع.
هل لهذه التصريحات ما يسندها على الأرض من أدلة وبراهين وحيثيات؟ ظل كثيرون يتساءلون حتى لحظة إخراج أنصار وقادة النظام السابق من المُعتقل (سجن كوبر)، وكما يعلم الجميع أنّ قوات الدعم السريع لن تفعل ذلك لأنّ بينها وبين حزب المؤتمر الوطني المُطاح به ما صنع الحدّاد، بجانب أنّ آخر رئيس للحزب أدلى ببيان ضافٍ عقب خروجه من المعتقل شدّد فيه على دعم حزبه للقوات المسلحة في معركتها مع المتمردين، وأضاف أحمد محمد هارون، في مقطع صوتي مسجل نيابة عن المُفرج عنهم، أنّ حزبه سيقف صفاً واحداً ويقاتل بجانب الجيش في معركة الكرامة. 

عبد الفتّاح البرهان
لاحقاً ومع نفي الجيش أيّ صلة له بتصريحات هارون، عاد عضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين كباشي في اليوم التالي مباشرة ليستخدم المصطلح نفسه الذي اخترعه هارون (معركة الكرامة) في إفادة لتلفزيون (سكاي نيوز عربية)، الأمر الذي  فسرّه مراقبون بأنّه إحدى تجلّيات التنسيق بين قيادة الجيش والنظام السابق. 
منذ وقت طويل
عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي السوداني بقوة لم تبدأ مع اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وإنّما بُعيد انقلاب البرهان على حكومة عبد الله حمدوك في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 مباشرة، فقد جمّد قائد الجيش والانقلاب ورئيس مجلس السيادة عبد الفتّاح البرهان عمل لجنة تفكيك نظام الـ (30) من حزيران (يونيو) وإزالة التمكين واستعادة الأموال المنهوبة، وأعاد كوادر الحركة الإسلامية وجناحها السياسي حزب المؤتمر الوطني إلى الخدمة المدنية ومفاصل الدولة والبعثات الدبلوماسية.
وسمح البرهان لجماعة الإخوان بالعودة إلى  الساحة السياسية بقوة عبر واجهات جديدة؛ أهمها ما يُعرف بالتيار الإسلامي العريض، ويضم التيار نحو (10) فصائل، تنتمي معظمها إلى تيار الإخوان، بينما يدين بعضها بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
بعد شهر من تشكيل التيار الإسلامي العريض، أطلق البرهان سراح رئيس حزب المؤتمر الوطني بالإنابة إبراهيم غندور وقادة الصف الأول من الحزب الحاكم السابق، ثم سمح للإخواني المتطرف قائد ميليشيات الدفاع الشعبي سيئة الصيت ووزير الخارجية السابق، الأمين العام المكلف للحركة الإسلامية السودانية (إخوان) علي أحمد كرتي، بالظهور العلني بعد أن ظل مختبئاً منذ سقوط النظام السابق.
"الكيزان" في الواجهة
وخلال الفترة من 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، حتى لحظة الصدام العنيف وإعلان الحرب بين قائدي الجيش والدعم السريع، مكّن قائد الجيش الذي كان يدير البلاد بمعرفته التيار الإسلامي وأعاده إلى الواجهة بقوة، فما أن عزمت القوى السياسية ممثلة في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وما يُعرف بالمكوِّن العسكري (قيادة الجيش والدعم السريع)، الذهاب إلى التوقيع على اتفاق سياسي ينهي الانقلاب ويعود بالبلاد إلى المسار الانتقالي المدني على أن يعود الجيش إلى ثكناته ولا يكون له أيّ دورٍ سياسي؛ حتى برزت مجدداً قيادات إخوانية متشددة أبرزها اللواء أنس عمر الذي أكد في خطبة شهيرة خلال إفطار نظمه حزبه المنحل في مدينة بحري أواخر شهر رمضان، عن أنّ المعتقلين من قادة حزبه سيخرجون قريباً مرفوعي الرؤوس، وحيّاهم بأسمائهم واحداً واحداً، وبالفعل تم إخراجهم جميعاً من سجن كوبر الأربعاء المنصرم.
من رحم الجيش 
شرعت جماعة الإخوان ممثلة في حزب المؤتمر البائد في استقطاب محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع، وكانت تظن أنّها تستطيع ذلك، لكونها من صنعته وصنعت قواته عام 2013، وشرعنتها بإلحاقها بجهاز الأمن والمخابرات عام 2014، ثم إلحاقها بالجيش من خلال قانون قوات الدعم السريع الذي تمّت إجازته بالإجماع في برلمان حكومة الرئيس المعزول عمر البشير عام 2017، لكنّها لمّا فشلت في الوصول إلى (حميدتي)، بدأت في دقّ الإسفين بينه وبين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقد قطع الرجلان بعض الطريق سوياً كرئيس ونائب، إلى أن حدث انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، فكان كالقشة التي قصمت ظهر البعير، فرغم أنّ حميدتي وافق عليه على مضض، لكنّه عاد ليعتذر عنه، ويدعم الاتفاق الإطاري المُفضي إلى اتفاق سياسي شامل، وطالب قادة الجيش بإعادة السلطة إلى المدنيين، كما وعدوا، فاضطُّر عبد الفتاح البرهان للتوقيع على الاتفاق (الإطاري)، لكنّه طالب قبل التوقيع على الاتفاق السياسي بدمج قوات الدعم السريع في الجيش، رغم أنّه ظل يردد دائماً أنّها جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة، وأنّها ولدت من رحمها.


وفي الوقت نفسه، شرع قادة الجيش بالتنسيق مع قادة الإخوان الميدانيين، علي كرتي وأسامة عبد الله وأنس عمر، وما يطلق عليهم بالمجاهدين والدفاع الشعبي وكتائب الظل، للإطاحة بقوات الدعم السريع، لكي يجهضوا الاتفاق الإطاري وينهوا العملية السياسية.
اختطاف القرار
وفي السياق، كان المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع قد قال في تصريحات صحفية متطابقة: إنّ رئيس مجلس السيادة خطط مع الإسلاميين لإعادتهم إلى السلطة وإنهاء الدعم السريع بعملية خاصة، وأضاف يوسف عزّت: إنّ الضباط الإسلاميين داخل الجيش اختطفوا قرار الحرب والسلم من عبد الفتاح البرهان، وإنّه ليس بمقدوره اتخاذ أيّ قرار يوقف حمام الدم ونزيفه. 
إلى ذلك، عادت كوادر الحركة الإسلامية الإعلامية والسياسية ونشطاء الحركة إلى الواجهة، وانتشروا على الفضائيات والإذاعات والسوشال ميديا يدعون الشعب إلى الوقوف بجانب الجيش والقضاء على ميليشيات الدعم السريع، بحسب عبارتهم، رغم أنّهم هم الذين أسّسوها ومنحوا قائدها وأفرادها رتباً عسكرية رفيعة دون الحاجة إلى الدراسة في كليّة عسكرية.
الآن، يبدو جلياً وواضحاً أنّ للإخوان اليد الطولى في هذه الحرب، وأنّهم لا يرغبون في إيقافها، حتى لو أدّى ذلك إلى تقسيم البلاد مرة أخرى، على الأقل يحكمون بعضاً من دويلاتها الممزقة، هكذا تعتقد نسبة مقدرة من السودانيين وغيرهم من المراقبين والراصدين لما يدور في ملتقى النيلين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية