عادات لم تندثر في استقبال حجّاج الجزائر... "الوعدة" و"الزردة" ليستا كلّ شيء

عادات لم تندثر في استقبال حجّاج الجزائر... "الوعدة" و"الزردة" ليستا كلّ شيء

عادات لم تندثر في استقبال حجّاج الجزائر... "الوعدة" و"الزردة" ليستا كلّ شيء


11/07/2023

نهال دويب

"لا تختلف طقوس استقبال الحجيج القادمين من البقاع المقدسة، عن طقوس الأفراح والأتراح في الجزائر، إذ تتم معاملة الحاج والحاجة وكأنهما عريسان، فتقام وليمة الذهاب قبل مغادرتهما وعزومة أكبر فور عودتهما".

هكذا هي طقوس الاحتفال بالحجاج في الجزائر، حسبما ترويها هدى، التي تتهيأ لاستقبال والد زوجها ووالدته اللذين أدّيا مناسك الحج بعد مساع حثيثة ومحاولات متكررة ليكونا ضمن قوائم المحظيين في القرعة.

تقول هدى لـ"النهار العربي" إن "عادات توديع الحجاج واستقبالهم تحمل نكهة خاصة وتختلف من منطقة إلى أخرى. فقبل الذهاب إلى تلك الأراضي الطيبة المباركة، تعقد في بيت الأجداد جلسات لتخضيب الحناء، ومأدبة غداء أو عشاء يدعى لحضورها أفراد العائلة والأحباب والجيران، وعادة يكون طبق الكسكسي سيد المائدة بلا منازع".

"الوعدة" و"الزردة"

ويكون الذهاب لأداء مناسك الحج في "كورتاج" (موكب) لا يختلف عن موكب الزفاف، كما ذكرت هدى، مشيرة إلى أن هذه المراسم الاحتفالية تتكرر أيضاً عند عودة الحجاج إلى أرض الوطن، إذ يجب الاحتفاء بهم وفق تقاليد خاصة تبرز أهمية هذه الشعيرة الدينية، وتنظم هذه الاحتفالات وفق مقدور كل شخص، وخصوصاً في ظل الغلاء والارتفاع المطّرد في الأسعار.

لكن رغم ذلك، لا يتخلّف كثيرون عن تنظيم "الوعدة"، وهو التقليد الذي يختلف من منطقة إلى أخرى، فالبعض يحضرون قصعاً كبيرة من "الكسكسي" (القصعة وعاء مقعر، عادة تكون مصنوعة من الخشب والطين) وترسل إلى المساجد ليأكل منها المصلون، أو توزّع على الأسر الفقيرة، وتشتهر مناطق أخرى بإقامة "الزردة" التي يتم خلالها ذبح الخرفان والأبقار.

وتشهد عودة الحجاج كذلك عادة محبّبة لدى الأقارب والمهنّئين، وفق هدى، وهي "الهدايا التي يتلقّونها من الحجاج العائدين، كالعباءات وأطقم الصلاة بالنسبة للنساء، وحتى أكسسوارات الزينة للفتيات، وسجادات الصلاة والسبّحات والمصاحف للجميع"، وهي عادة مشتركة لدى المسلمين وليس فقط في الجزائر. فـ"قيمة الهدية بالنسبة لحائزيها لا تكمن إطلاقاً في قيمتها المادية، بل لأنها محمولة من أقدس وأطهر مكان على وجه الأرض"، تضيف هدى.

وتتابع السيدة الجزائرية شرح أجواء عودة الحجاج بالإشارة إلى أن ثمة مهنّئين "يستغنون عن الهدية مقابل الحصول على قارورة صغيرة من ماء زمزم لما له من خصائص وفوائد صحية، إضافة إلى رمزيته الدينية".

البارود والمدائح طقسان راسخان

في منطقة غرداية التي تقع شمالي صحراء البلاد على بعد 600 كلم جنوب الجزائر العاصمة، يحظى الحجيج باستقبال جماعي في المساجد والشوارع، بالطريقة نفسها التي غادروا بها لأداء الفريضة.

وأهم ما يميز هذا الاستقبال المدائح الدينية التي تصدح في سماء أعرق المساجد، ومن أشهر المدائح قصيدة البردة في مدح النبي محمد، التي ألفها البوصيري في القرن السابع، وهي من أكثر القصائد تلاوة وحفظاً في مناسبات كهذه.

وفي عمق الصحراء الجزائرية، وبالتحديد في المناطق القريبة من تمنراست (عاصمة الأهقار) الواقعة على ارتفاع 1400 متر تقريباً جنوب البلاد، لا يزال سكان المنطقة يحافظون على عادات وتقاليد متوارثة من جيل إلى جيل.

يقول العم أحمد، المقيم في منطقة التيدكلت (750 كلم شمال تمنراست) إنه "في اليوم الذي تطأ أقدام الحاج أرض القرية التي يقطن فيها، لا صوت يعلو فوق صوت البارود، تتبعه أصوات الزغاريد تكريماً له ولإظهار الفرحة بقدرته على إنجاز هذا الركن العظيم من أركان الإسلام الخمسة. فمن وفقه الله لأدائه عاد وكأنه ولد من جديد، وخصوصاً إذا لم يفسق".

ولا تزال النسوة في هذه المنطقة يحافظن على عادات طبخ متوارثة في مثل هذه المناسبات، فيحضرن "الخبز الرقيق" ويسمى أيضاً "التاجلا"، وهو يعجن بالدقيق ويطهى وسط الفحم.

الجميع سواسية

وفي إطار العادات دائماً، يغادر زائر بيت الله العتيق ومرافقوه المطار متوجهين إلى بيت العائلة، على وقع الزغاريد وطلقات من البارود، ويستقبل في حيّه أو القرية التي يقطن فيها بالمدائح الدينية وتلاوة القرآن، وتقام ولائم شبيهة بالأعراس يدعى إليها الفقراء والأغنياء، فالجميع سواسية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تحرص النسوة في هذه المنطقة على تحضير القصعة بلحم الضأن وقطع من الدجاج و"الرقاق" أو "الشخشوخة"، وهي عبارة عن رقائق من العجين يتم تحضيرها من القمح الليّن والماء والملح والزيت، ثم تعجن بطريقة جيدة وتشكل كريات صغيرة لتفتح براحة اليدين، ثم تطهى على نار هادئة فوق طاجين خاص، ويرفق هذا الطبق بمرق أحمر يطهى باللحم ويزين بالبيض وأنواع من الحلويات.

وفي مدينة أدرار (ثاني أكبر مدينة جزائرية بعد تمنراست من حيث المساحة) تقام طقوس التوديع والاستقبال في "القصور الطينية الصحراوية التي شيدت بالطين عوض الإسمنت"، وفق عبد الله، أحد أبناء المدينة، الذي يضيف لـ"النهار العربي" أنه "عادة ما يكون الحفل شاملاً لوجبة عشاء أو غداء، ثم يتبع بوضع الحناء للحاج ويتهافت الناس على فألها الحسن بوضع بعضها على الكفوف، وعادة يجرى هذا الطقس قرب ضريح الإمام الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي، مع ترديد قصيدة البردة، وتختتم الاحتفالات بالدعاء".

"الغامرة" صامدة

ورغم التحولات التي شهدها المجتمع الجزائري في مظاهر عدة، يقول أحمد زغب المقيم في مدينة الوادي، المعروفة كذلك بمدينة وادي سوف (مدينة ألف قبة وقبة، تقع على بعد 650 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائر) لـ"النهار العربي" إن "العادات تفرض على أهل الحاج تحضير الغامرة، وهو مكان أو بهو واسع، تزين بالزرابي والأفرشة التقليدية وجرائد النخيل الأخضر أو سعف النخلة الريشية الشكل والخشنة الملمس، ويعتقد أهل المنطقة أن هذه العادة مقتبسة من استقبال أهل المدينة المنورة".

ويصل الحاج إلى الغامرة مصحوباً بفرقة للأناشيد الدينية التي تؤدي قصائد البصيري، وأبرزها البردة والهمزية، ثم يقوم بتوزيع الفول السوداني والشاي والحليب على الضيوف.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية