عاصفة إبراهيم منير ليست الأولى... كيف أثر الفساد التنظيمي على الإخوان؟

عاصفة إبراهيم منير ليست الأولى... كيف أثر الفساد التنظيمي على الإخوان؟


22/09/2020

جاءت التغيرات الهيكلية الأخيرة والجذرية في جماعة الإخوان المسلمين، بإعلان القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير إلغاء الأمانة العامة لمكتب الإرشاد (الهيئة الأعلى في الجماعة)، واستبدالها بـ"لجنة لإدارة الجماعة"، لتكتب فصلاً جديداً في الخلافات التنظيمية داخل الجماعة، والتي تهدّد وجودها، أكثر من مواجهتها مع الدولة.

جماعة الإخوان المسلمين تأثرت بنحو 70% من الفساد التنظيمي، ما انعكس في انشقاقات أو تجميد عضوية أو أزمات داخلية وشعور بالتهميش

ولا يُعدّ الصدام بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام السياسي في مصر الأول؛ إذ اعتادت الجماعة الدخول في صدامات مع الأنظمة، غير أنّ أيّاً من تلك الصدامات لم يضرب عضد الجماعة كما يحدث حالياً، بفعل غليان وانشقاقات وتخوين وخيانة داخل أروقة الجماعة نفسها.

وباتت الجماعة بين معركتين: الأولى مع الدولة المصرية، والثانية داخلياً.

وفي دراسة لمركز الإنذار المبكر تحت عنوان: "غليان داخلي... تأثير ظاهرة الفساد التنظيمي على شباب جماعة الإخوان المسلمين"، أوضح الباحث أحمد سلطان "أنّ جماعة الإخوان المسلمين تأثرت بنحو 70% من الفساد التنظيمي، ما انعكس في انشقاقات أو تجميد عضوية أو أزمات داخلية وشعور بالتهميش، والتوقف عن الانتظام في دفع الاشتراكات الرسمية (7 إلى 8% من قيمة دخل العضو)، وذلك اعتماداً على عينة من 20 شخصاً".

اقرأ أيضاً: ماذا قالت جماعة الإخوان في ليبيا عن اتفاق إعادة فتح حقول النفط؟

ويقول الباحث: إنّ الجماعة تقوم على "عدد من الأفكار المؤسِسة التي تعلي من مفهوم الانقياد والسمع والطاعة لقيادتها التي تصفها الأدبيات التنظيمية بـ"الربانية" و"الراشدة"، ورغم أنّها نجحت في الحفاظ على حالة الاصطفاف خلف القيادة في ظل الأزمات الكبرى التي مرّت بها أعوام: 1948، و1954، و1965 على الترتيب، إلا أنّها فشلت في الحفاظ على هذا التماسك التنظيمي خلال السنوات السبع الماضية.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون.. تضارب في التصريحات وتصفية للحسابات

وتُرجع الدراسة بروز التباين والانقسامات داخل الإخوان إلى العام 2015، وكانت الجماعة وقتها قد ركنت إلى العنف، حين "اعتمدت اللجنة الإدارية العليا خطة عمل مسلح في آب (أغسطس) 2014 عُرفت بخطة الإنهاك والإرباك والحسم، وتجسّدت تلك الخطة على الأرض في كانون الثاني (يناير) 2015، عندما نفذت حركتا العقاب الثوري والمقاومة الشعبية (التابعة للّجان الإخوانية النوعية) عشرات الهجمات الإرهابية في غضون أيام قليلة، مستغلةً حالة الزخم والسيولة الأمنية التي خلقتها مسيرات أنصار الإخوان في الذكرى الرابعة لثورة "25 يناير"، غير أنّ الأجهزة الأمنية المصرية استعادت اليد العليا وتمكنت من استيعاب موجة العنف الجديدة، وإجهاض المخططات العدائية التي كان مقرراً أن تنتهي باستعادة الجماعة لحكم مصر بالقوة المسلحة".

وأضاف: في هذه الأثناء، عمدت قيادة الإخوان لعقد جلسات تقييم لأدائها في الفترة من شباط (فبراير) 2014 إلى 2015، وظهر الخلاف والتباين بين القيادات لأول مرّة، فمحمد سعد عليوة (عضو مكتب الإرشاد، مقبوض عليه حالياً)، أكد أنه لم يكن موافقاً على خطة العمل المسلح، رغم أنه شارك في مناقشاتها وإقرارها؛ لأنها أدت لتعامل أجهزة الأمن المصرية بصورة أشرس مع عناصر الإخوان، كما رفض جمعة أمين عبد العزيز، نائب المرشد حينئذ، طريقة وآلية عمل اللجنة الإدارية تحت قيادة محمد كمال.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل السويد على تجفيف منابع تمويل جماعة الإخوان؟

وفي خضم حالة الانقسام الداخلي، أصدر محمود عزت، القائم بعمل المرشد وقتها، قراراً بإقالة اللجنة الإدارية العليا، وتشكيل لجنة جديدة برئاسة عضو مكتب الإرشاد المقرب منه محمد عبد الرحمن المرسي، وأيّد محمود حسين، أمين عام الإخوان سابقاً والمقيم بتركيا، هذا القرار، بينما أعلن محمد كمال وأنصاره أنهم الممثلون الفعليون لعموم الصف الإخواني، وكانت محصلة هذا الخلاف أن انقسمت المكاتب الإدارية للإخوان إلى قسمين: أحدهما مؤيد لجبهة محمد كمال (5 قطاعات جغرافية)، والآخر مؤيد لجبهة محمود عزت (قطاعان جغرافيان فقط).

اقرأ أيضاً: تركيا تعرض بضاعتها على مصر.. ليس لجماعة الإخوان من يشتريها

وعمّقت الطريقة التي تعاملت بها الجماعة مع الخلاف من حالته، حيث عمدت جبهة محمود عزت، المتحكمة فعلياً في جماعة الإخوان، لاتباع عدة تكتيكات تنظيمية لحسم الخلاف لصالحها، مستغلةً سيطرتها على مقاليد الأمور ومسارات تمويل الإخوان، وعددتها الدراسة في 5 أساليب هي: خداع عموم الصف الإخواني، والتلاعب بأعضاء مجلس الشورى العام لتمرير قرارات محمود عزت، وقطع الدعم المالي عن المعارضين، والضغط على الشباب المطلوبين أمنياً، والاغتيال المعنوي للمخالفين عبر الترويج للشائعات ضدهم واتهامهم بشقّ الصفّ والتطاول على القائم بعمل المرشد، والقيادات المسؤولة، والانحراف الأخلاقي، الذي يشمل قائمة اتهامات من ضمنها: تدخين السجائر وتعاطي المخدرات، والزنى، وأخيراً احتواء المؤيدين، من خلال الإغداق عليهم بالإعانات.

في غضون ذلك، جاء ردّ الفعل عبر 5 طرق رصدتها الدراسة في "الانشقاقات، حيث أعلن عدد من شباب الإخوان مفارقتهم للجماعة، لا سيّما "إخوان السجون" الذين أطلقوا مبادرات بشكل منفصل وقالوا إنها تمثل نحو 90% من المعتقلين، للتصالح مع الدولة المصرية ودفع تعويضات وتبرعات لدعم الاقتصاد الوطني مقابل الإفراج عنهم".

اقرأ أيضاً: كليغدار يهاجم أردوغان وأقطاي يرد.. ما علاقة مصر والإخوان؟

ونقلت الدراسة عن أحد المنشقين قوله: إنّ الجماعة صارت كالصنم الذي تسعى القيادات للحفاظ على قدسيته لتستمرّ القرابين من أجله، ولكي يضمنوا مكانتهم ومصالحهم في ظلّ وجوده، لافتاً إلى أنه اختلف مع مسؤول الشعبة التابع لها حول أداء القيادات وتوريطهم للإخوان في صراع صفري مع الدولة المصرية، وكان ذلك سبباً في مقاطعة أعضاء أسرته الإخوانية السابقة له، واستبعاده من الوظيفة التي كان مرشحاً لها داخل إحدى الشركات المملوكة للإخوان، لصالح أعضاء غير تنظيميين من الأساس.

قيادات الجماعة عمدت إلى الاغتيال المعنوي للمخالفين، عبر الترويج للشائعات ضدهم، من ضمنها الانحراف الأخلاقي كتدخين السجائر وتعاطي المخدرات  

كما تسبّب الفساد التنظيمي في الدفع نحو "المراجعات الفكرية"، فقد "مثلت السنوات السبع الماضية وما تخللها من فشل استراتيجي لجماعة الإخوان، فرصة مواتية لطرح فكرة المراجعات الفكرية ضمن إطار النقد الذاتي للحركة، ولعل الصدى الأبرز لتلك المراجعات كان في السجون، رغم أنه بقي محدوداً في أُطر ومجموعات ضيقة، بسبب ردّ الفعل القاسي الذي تبديه القيادات المسؤولة عن السجون تجاه من يطرح تلك الأفكار والتي تشمل المقاطعة والعزل والاتهام بالانحراف المنهجي والتضييق على المسجونين وعدم مشاركتهم في الطعام والشراب، وفي التوقيت نفسه بقيت حركة المراجعات خارج السجون ضعيفة نسبياً، رغم أنّ بعض الشباب والأخوات اقترحوا اعتزال العمل السياسي بشكل كامل باعتباره أضاع الجماعة، والتركيز على الجانب الدعوي (...)، غير أنّ تلك المبادرات للمراجعات الفكرية "لم تلقَ تجاوباً رسمياً من الدولة المصرية، ولعل ذلك يرجع إلى عدم ثقتها في المراجعات الإخوانية والقائمين عليها، وإدراكها أنها قد لا تكون مراجعات حقيقية، بل مجرّد مناورة وقتية للخروج من السجون أو تحقيق مكاسب أخرى".

ودفعت تلك الممارسات من قبل الإدارة بعض الشباب، بحسب الدراسة، إلى الانتحار، واستندت الدراسة في ذلك إلى تدوينة الشاب المصري عمر مجدي حول انتحار 3 من شباب الجماعة بسبب سوء أوضاعهم المادية والنفسية، وأشارت الدراسة إلى ظاهرة الفساد المالي والإداري داخل الحركة التي كانت تنفق في التوقيت نفسه 50 ألف دولار لإقامة مخيم لمدة 3 أيام تحت إشراف القيادات.

اقرأ أيضاً: تراكم التحديات الداخلية والخارجية يربك القيادة الجديدة للإخوان

وأخيراً أدّت تلك الممارسات إلى "فقدان الحماس بالعمل التنظيمي (...)، وتلمح عضوة بإحدى شعب الأخوات بقطاع غرب الدلتا إلى تراجع ظاهرة الالتزام التنظيمي بنسبة تصل إلى 66% ضمن نطاقها الجغرافي"، موضحةً أنّ هناك شعبة أو اثنتين فقط بقيتا ملتزمتين، وهما الشعبتان الأكثر ارتباطاً بالقيادة، في حين تراجع الالتزام بشكل واضح في 4 شعب أخرى، ووصل الأمر إلى عدم حضور لقاءات الأسر التي يفترض بها أن تكون أسبوعية لفترات طويلة تمتد لعدة أشهر، وعدم الاهتمام بمراجعة المنهج التربوي المقرّر عند تلقي تكليفات بذلك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية