عام المآسي العربية: حربان وثلاث كوارث طبيعية

عام المآسي العربية: حربان وثلاث كوارث طبيعية

عام المآسي العربية: حربان وثلاث كوارث طبيعية


30/12/2023

يستحق عام 2023 أن يوصف بعام المآسي العربية، بداية من الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، ثم الحرب التي اندلعت في السودان، والزلزال الذي ضرب إقليم الحوز في المغرب، وكارثة الفيضان الذي تبعه بعدة أيام مستهدفاً مدينة درنة الليبية، ليختتم العام بأكبر المآسي وهي الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

سجلت تلك الأحداث دون احتساب تركيا حصيلة ضحايا فاقت 36 ألف نسمة، وما تزال الأعداد في تزايد مع استمرار الحرب في السودان وغزة، والبحث عن مفقودين في درنة، فضلاً عن أكثر من 100 ألف من المصابين في تلك الأحداث، غير الأضرار المادية الجسيمة.

زلزال سوريا

في السادس من شباط (فبراير) الماضي، تعرضت مناطق جنوب غرب تركيا إلى عدة هزات أرضية، بلغت أشدها 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركز الزلزال السطحي غرب مدينة غازي عنتاب. امتد تأثير الزلزال والهزات الارتدادية إلى مناطق شمال غرب سوريا، متسببة في دمار كبير في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة والحكومة السورية.

خلّف الزلزال الذي ضرب سوريا أكثر من 6 آلاف قتيل

تضررت بالزلزال مناطق واسعة في محافظات حلب وحماة واللاذقية وطرطوس وإدلب، وأودى الزلزال بحياة أكثر من 5900 شخص وإصابة 20000 آخرين حسب وزارة الصحة السورية، فضلاً عن الخسائر المادية الكبيرة التي شملت المنازل والمؤسسات العامة والمتاحف ومعالم أثرية مثل قلعة مدينة حلب. وترك الزلزال 180 ألف بلا مأوى في مدينة حلب وحدها، فضلاً عن الآلاف في المناطق الأخرى، إلى جانب الآثار الكارثية الصحية والبيئية. كما أدت الحرب الأهلية التي تشهدها سوريا منذ 12 عاماً إلى تعقيد جهود الإنقاذ ومعالجة آثار الزلزال نظراً لضعف قدرات الدولة السورية وكذلك ضعف القدرات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي تشهد أوضاعاً أمنية سيئة.

زلزال الحوز

في دولة المغرب ضرب زلزال بقوة 6.8 درجة على مقياس ريختر منطقة إقليم الحوز بجهة مراكش آسفي بالمغرب، في الثامن من أيلول (سبتمبر) 2023. وخلَّف الزلزال أكثر من 2900 قتيل و5500 جريح مُعظمهم بأقاليم الحوز و‌تارودانت و‌شيشاوة، كما تضررت العديد من المباني والمعالم التاريخية بكُل من مراكش و‌تارودانت و‌أكادير و‌ورزازات.

تسبب زلزال المغرب في تشريد 300 ألف نسمة

تسبب الزلزال في دمار العديد من القرى وعشرات آلاف المنازل، وبلغ عدد الذين فقدوا المأوى نحو 300 ألف شخص. فضلاً عن ذلك تسبب الزلزال في دمار هائل في البنية التحتية في إقليم الحوز، الذي يضم جبال الأطلس، ما أدى إلى تفاقم المعاناة الناتجة عن الزلزال.

إعصار دانيال

بعد يومين على كارثة زلزال المغرب، ضرب إعصار دانيال السواحل الشرقية في دولة ليبيا، متسبباً في أمطار غزيرة، أدت إلى انهيار سدي مدينة درنة الساحلية. تسبب الفيضان في دمار نحو 20 ألف منزل في مدينة درنة، بما يمثل نحو ثلث المدينة التي جرفها إلى البحر.

 

تسبب العدوان الإسرائيلي في نزوح أكثر من 1.5 مليون نسمة من سكان قطاع غزة المقدرين بنحو 2.3 مليون نسمة إلى جنوب القطاع

 

تعتبر كارثة مدينة درنة هي أخطر كارثة طبيعية تتعرض لها ليبيا. وبلغت حصيلة الضحايا نحو 4 آلاف شخص في مدينة درنة وحدها حسب الحصيلة الرسمية، بينما ما يزال عدة آلاف من سكان المدينة في عداد المفقودين، ومن المرجح أنّ جثثهم ابتلعتها مياه البحر، فيما لا تزال عمليات البحث عن المفقودين مستمرة. أما في بقية المناطق في ليبيا، فبلغت الحصيلة نحو 200 فرد، كما فقد الجيش الوطني الليبي نحو 98 فرداً من قواته خلال أداء عملهم في مواجهة تبعات الإعصار.

اختفى 25% من مدينة درنة الليبية بسبب الفيضان

واختفى نحو 25% من أحياء المدينة، التي كانت تقع في مجرى السيل، بعد أن جرفت المياه المنازل والمباني والممتلكات، وسوتها بالأرض. أدى الفيضان إلى حالة نزوح كبيرة من المدينة، وبلغ عدد النازحين نحو 30 ألف مواطن، فيما بدأت عمليات محدودة لإعادة الإعمار، في ظل الانقسام السياسي الذي أثر سلباً على مواجهة الكارثة ومعالجة تبعاتها.

حرب السودان

تلك الكوارث الثلاث لا يد للإنسان في وقوعها، لكنّ الحرب من صنع الإنسان، ففي 15 نيسان (أبريل) اندلعت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد عام ونصف العام من الانسداد السياسي بعد الانقلاب الذي أطاح بالشراكة بين المديين والعسكريين.

 

الاقتتال في السودان تسبب في انكماش الاقتصاد بنحو 12%، فضلاً عن تدمير معظم الأنشطة الاقتصادية التي كانت تتخذ من العاصمة الخرطوم مركزاً لها

 

أدت الحرب إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في البلاد، فلأول مرة تقع الحرب في العاصمة الخرطوم، أكبر مدن السودان. تسببت الحرب في نزوح أكثر من 7 ملايين شخص إلى دول الجوار في مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا، وإلى ولايات أخرى داخل السودان. كما تسببت في مفاقمة المعاناة الإنسانية، وخلفت نحو 18 مليون شخص في حاجة إلى المساعدات الإنسانية والغذائية، فضلاً عن انهيار المنظومة الصحية في العاصمة الخرطوم، وانتشار عدة أمراضي معدية مثل الكوليرا والملاريا.

أما عن القتلى المدنيين فبلغت الحصيلة أكثر من 12 ألف مواطن، في الخرطوم ومناطق القتال في ولايات إقليم دارفور، إلى جانب عشرات الآلاف من المصابين الذين يعانون من أجل الحصول على مساعدات صحية. هذا إلى جانب الخسائر المادية غير المسبوقة، بعد انهيار معظم مؤسسات الدولة وانتقال معظمها إلى خارج العاصمة الخرطوم، التي باتت شبه فارغة من السكان. وتسبب القتال في انكماش الاقتصاد السوداني بنحو 12%، فضلاً عن تدمير معظم الأنشطة الاقتصادية التي كانت تتخذ من العاصمة الخرطوم مركزاً لها، وما تزال حصيلة الضحايا والخسائر في ارتفاع مع استمرار الحرب، التي لا يبدو لها نهاية في الأفق القريب.

الحرب في غزة

أما الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة فهي آخر المآسي التي شهدتها المنطقة العربية في العام الجاري، وتعتبر الأشد فتكاً. بدأت الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بعد عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركتا حماس والجهاد ضد مستوطنات غلاف غزة.

بلغ عدد الضحايا في غزة منذ 7 أكتوبر الماضي حتى أمس 21,507، بالإضافة إلى إصابة 55,915 آخرين

رداً على ذلك شنت إسرائيل أعنف حرب في تاريخها على قطاع غزة، من خلال القصف الجوي والمدفعي الشديد، ثم بدأت في التوغل برياً في قطاع غزة. تسبب العدوان الإسرائيلي في نزوح أكثر من 1.5 مليون نسمة من سكان قطاع غزة المقدرين بنحو 2.3 مليون نسمة، إلى جنوب القطاع. ودمر نحو 60% من المساكن، وأكثر من 75% من السكان تركوا منازلهم تحت الضغط العسكري، حتى مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول)، بينما تستمر الأعمال العسكرية التي توسعت إلى منطقة خان يونس في جنوب القطاع، ليُدفع السكان مرة أخرى إلى النزوح نحو الحدود المصرية.
أما حصيلة الضحايا، فبلغ عدد القتلى، منذ 7 نشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حتى أمس، 21,507، بالإضافة إلى إصابة 55,915 آخرين.

وخلفت الحرب أزمة إنسانية كارثية، تفاقمت مع دخول فصل الشتاء. ويعاني السكان في القطاع من نقص كبير في مياه الشرب والغذاء والخدمات الصحية، بينما تتفشى الأمراض المعدية بين النازحين المكدسين في مناطق محدودة. ومن غير المتوقع أنّ تنتهي الحرب في قطاع غزة قريباً، في ظل التعنت الإسرائيلي الذي يحظى بدعم أمريكي وغربي غير مسبوق، وفي ظل ازدواجية الغرب واختلال موازينه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية