عبد الحكيم عابدين... "راسبوتين" الإخوان صناعة البنا (1ـ 2)

عبد الحكيم عابدين... راسبوتين الإخوان صناعة البنا (1ـ2)

عبد الحكيم عابدين... "راسبوتين" الإخوان صناعة البنا (1ـ 2)


28/01/2024

تعيش جماعة الإخوان المسلمين على جبل من الأسرار، منها ما يتعلق بالنظام الخاص الجناح العسكري المسلح للتنظيم، الذي نفذ العديد من الاغتيالات عبر تاريخه، بداية باغتيال القاضي الخازندار عام 1948، وصولاً إلى اغتيال النائب العام في مصر هشام بركات عام 2015.

ومنها ما يتعلق بأموال التنظيم واستثماراته التي تجاوزت مليارات الدولارات في العديد من دول العالم، دون وضوح شبكة تلك الأموال أو كيف تتم إدارتها والتحكم فيها. لكن يظل أشهر تلك الأسرار ما يتعلق بأكبر انشقاق حدث في تاريخ الإخوان عام 1947 على خلفية فضيحة جنسية بطلها نائب حسن البنا في التنظيم وزوج أخته عبد الحكيم عابدين، وأحد أبرز مؤسسي لجنة الطلاب في جماعة الإخوان عام 1933.

البداية

وُلد عبد الحكيم عابدين عام 1914م في قرية (فيدمين) مركز طامية بمحافظة الفيوم، قبل أن تنتقل الأسرة لاحقاً إلى قرية مطرطاس بالمحافظة نفسها ليستقر بها المقام هناك حتى اليوم. كان من أوائل المنتظمين في صفوف الحركة الإسلامية، ويعتبر هو والشيخ الباقوري من شعراء الإخوان المسلمين الأوائل.

التصق اسم عبد الحكيم عابدين بواحدة من أشهر الانشقاقات التي ضربت جماعة الإخوان

وكما بدأ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان طريقه في العمل الإسلامي عضواً في الطريقة الحصافية الصوفية، وهي واحدة من الطرق التي سلكت مسلك القطب الصوفي (أبو الحسن الشاذلي)، بدأ نائبه عبد الحكيم عابدين طريقه أيضاً صوفياً، ولكن ينتسب إلى الشيخ سلامة الراضي الذي سلك أيضاً مسلك (أبو الحسن الشاذلي).

"الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ" لمحمود عبدالحليم

يقول عنها محمود عبد الحليم في كتابه: "هي طريقة صوفية تربّي أتباعها بأسلوب فريد، فهم يجتمعون ليلاً في مكان خالٍ بعيد عن الحركة والضوضاء، ويتخذ كل منهم مكاناً منفرداً بعيداً عن زملائه، وتُطفأ الأنوار ويغمض كل منهم عينيه ويتابع بمخيلته حياته منذ ولد حتى يموت، ثم يدفن ثم يحاسب في قبره ويسأل عن ذنوبه ويوقع عليه عقاب هذه الذنوب، ثم يرى مكانه في النار، ثم يتعرض لفتن القبر، ثم يبعث، ثم يرى الموقف العظيم، وفي أثناء هذه الاستغراق تنبعث الاستغاثات حتى يصل الاستغراق إلى حدّ غياب المريد عن وعيه".

التصق اسم عبد الحكيم عابدين بواحدة من أشهر الانشقاقات التي ضربت جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها في العام 1947، بعد ثبوت تهمة التحرش بنساء الإخوان ضد عابدين، وإقرار لجنة مشكلة من كبار الإخوان بالواقعة، غير أنّ حسن البنا كان له رأي آخر، مقرراً الدفاع عن نائبه وزوج أخته، ضارباً عرض الحائط بما يدعيه من مثالية الجماعة والدعوة!

عابدين ونشأة قسم الطلبة

التحق عابدين بالجماعة في الثلاثينات من القرن الماضي، وكان ضمن أول مجموعة شكلت تواجداً فعلياً لجماعة الإخوان المسلمين داخل الجامعات الأهلية المصرية، وهي المجموعة التي كانت بذرة لجنة الطلاب بالجماعة، والتي اعتبرها البعض تأسيساً ثانياً للتنظيم بعد انتقال البنا من الإسماعيلية مقر إطلاق الجماعة ونزوحه إلى القاهرة عام 1932، ليكتشف أنّ من بايعوه على تأسيس الإخوان لن يكونوا دعماً قوياً له في القاهرة، المدينة التي تشتغل بالعمل الحزبي والسياسي، ويتحكم فيها بشكل كبير من يملك السيطرة على حركة الطلاب في الجامعات المصرية!

أدرك حسن البنا أنّ السبيل للسيطرة هو اختراق العمل الطلابي، وهي المسألة التي قدمها له على طبق من فضة عبد الحكيم عابدين ورفاقه

تلك الفكرة ليست محض خيال، لكن رصدها أحد أبرز شباب الحركة الطلابية في السبعينات أحمد عبد الله رزة في رسالته للدكتوراه، والتي أشار فيها إلى ما عرف في الثلاثينات بظاهرة إسلام الأفندية.

بعد أن ترك طلبة كليّات الآداب والحقوق دراسة العلوم الإنسانية والقانونية، واتجهوا للاهتمام بالدعوة الإسلامية، وهي المسألة التي كانت حكراً على طلبة الأزهر الشريف!

جميع المؤشرات تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ حسن البنا أدرك أنّ السبيل للسيطرة هو اختراق العمل الطلابي، وهي المسألة التي قدمها له على طبق من فضة عبد الحكيم عابدين ورفاقه، وهي الأسماء نفسها التي أصبحت لاحقاً في مقدمة الصفوف بعد انشقاق الرفاق القدامى؛ بسبب سلطوية البنا ودفاعه عن فضائح صهره الجنسية، لينشق عن الجماعة الشيخ أحمد، ولحقه في الانشقاق الشيخ حسين عبد الرازق، والدكتور إبراهيم حسن وكيل الجماعة، ليحلّ محلهم طلبة كليّات الآداب والطب والحقوق والتجارة، أبرزهم محمد عبد الحميد أحمد، والدكتور إبراهيم أبو النجا الجزار أول عميد لكلية طب المنصورة، ولحقهم في الانضمام إلى الجماعة عن طريق جامعة القاهرة محمود عبد الحليم، وتوفيق الشاوي أول سفراء الجماعة إلى أوروبا والبذرة التي انطلقت منها فكرة التنظيم الدولي، وسعيد رمضان والد طارق رمضان حفيد البنا، ومصطفى مشهور أحد أخطر عناصر التنظيم عبر تاريخه، وغيرهم الكثير!

بطولات عبد الحكيم عابدين الوهمية

عن تلك المرحلة من اختراق جماعة الإخوان للجامعة المصرية أشار محمود عبد الحليم في كتابه (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) إلى أنّ عبد الحكيم عابدين اشترك مع (3) من زملائه، أبرزهم محمد أحمد عبد الحميد، أقدم طلاب الإخوان في جامعة القاهرة، وعملوا على التظاهر ضد تدريس كتاب لجورج برنارد شو بعنوان جان دارك، وقد أعزوا ذلك إلى أنّها قصة تسيء للنبي محمد...، وذكر عبد الحليم في كتابه أنّ طه حسين عميد الأدب العربي اعتكف في بيته ولم يقبل أن يعود إلى الجامعة إلّا وعبد الحكيم عابدين في يده، وأنّه اجتمع بعابدين وأحمد لطفي السيد مدير الجامعةـ وأنّهما طلبا منه أن يحدثهما عن فكر جماعة الإخوان...، هذه الواقعة أكدها محمد عبد الحميد أحمد في كتابه ذكرياتي، وأكدها الداعية الكويتي عبد الله العقيل في كتابه من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة.

حسن البنا وبعض أعضاء مجلس شورى الإسماعيلية

بالرجوع إلى الوثائق المتعلقة بتلك الفترة من مذكرات أحمد لطفي السيد مدير الجامعة نجد أنّ واقعة الاعتراض على قصة جورج برنارد شو حدثت عام 1928، ولم يكن عابدين قد التحق بالجامعة من الأساس، وكان في الـ (13) من عمره في ذلك الوقت، علماً أنّه من مواليد عام 1914 بقرية فيديمين بمحافظة الفيوم. 

أيضا ذكر عباس محمود العقاد في كتابه عن برنارد شو أنّ الواقعة حدثت عام 1928، وكان العقاد أحد المشاركين في مناقشة الأزمة في البرلمان المصري مدافعاً عن طه حسين، وأنّ برنارد شو ردّ عليهم بأنّ الوصف الذي اعترض عليه الطلبة جاء على لسان أحد أبطال القصة، وأنّها ليست رؤية المؤلف ذاته الذي دافع عن النبي في القصة نفسها على لسان بطل آخر.

اللافت للانتباه أنّ عبد الحكيم عابدين ومحمد عبد الحميد أحمد التحقا بكلية الآداب جامعة القاهرة بدايات الثلاثينيات من القرن الماضي، وتخرّجا فيها عام 1937، ومن الجدير بالذكر أنّ طه حسين تم نقله تعسفياً من عمادة كلية الآداب في آذار (مارس) 1932، ولم يعد إليها إلا عام 1935.

ما سبق يشير إلى أنّ الجماعة تحاول أن تخلق تاريخاً نضالياً مزيفاً لنائب المرشد، وزوج أخته، بعد أن قرر حسن البنا أن يضحّي بالرفاق الأوائل، ويكتفي بطلبة جامعة القاهرة الذين منحوه حلم المنافسة والتواجد على سطح المشهد السياسي المصري، وبعد أن كان مجرد داعية ديني أوّل من بايعه حافظ عبد الحميد (نجار)، وأحمد الحصري (حلاق)، وفؤاد إبراهيم (مكوجي)، وعبد الرحمن حسب الله (سائق وميكانيكي)، وإسماعيل عز (جنايني)، وزكي المغربي (عجلاتي)!

بحسب كتاب أحمد عبد الله رزة أدرك حسن البنا أهمية تغيير هيكل الإخوان من مجرد مشايخ وطلبة أزهريين ومهنيين بسطاء إلى طلبة كليات جامعة القاهرة، على إثر انتفاضة 1935 التي بدأت شرارتها الأولى مع تغيير الدستور عام 1930.

في تلك المرحلة ما بين أعوام 33 و35 أدرك البنا أنّ جماعة الإخوان غير متواجدة في ذلك الحراك، وأنّ السيطرة لطلبة الجامعة المنتمين إلى حزب الوفد، بيد أنّ دخول عبد الحكيم عابدين ورفاقه إلى التنظيم وتقديم البيعة إلى المرشد عام 1933 قلب الموازين لاحقاً لصالح الإخوان، المسألة التي جعلت التنظيم فاعلاً رئيسياً في أكبر ثورة شهدها الشارع المصري بعد ثورة 1919، تلك التي فجّرها طلبة الجامعة عام 1946، وتسبب طلبة الإخوان في إفشال الحراك، بعد اعتراضهم على أن تذهب مسؤولية الحراك إلى الطالبة اليسارية ثريا أدهم.

مواضيع ذات صلة:

السند المتين في استثمار الدين.. قراءة في لائحة عبد الحكيم عابدين

2024: تحديات اقتصادية وسياسية صعبة في انتظار المصريين

"لاءات مصر" في حرب غزة... خطوط وثوابت استراتيجية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

الصفحة الرئيسية