عدا الإخوان المسلمين... لا أحد في السودان يريد الحرب

عدا الإخوان المسلمين... لا أحد في السودان يريد الحرب

عدا الإخوان المسلمين... لا أحد في السودان يريد الحرب


29/08/2023

بعد أن تمكّن قائد الجيش السوداني من مغادرة نفق القيادة العامة، مقر إقامته الإجبارية لأكثر من (4) أشهر، لقي خروجه ترحيباً كبيراً؛ ليس فقط من القوى السياسية المدنية المناوئة له، بل حتى المُحاربة له، متمثلة في قوات الدعم السريع، التي سارعت بالتأكيد على ضرورة إيقاف الحرب وإيجاد حل سلمي والجلوس إلى طاولة المفاوضات، قبل أن تقدّم رؤية للحل السياسي الشامل وتأسيس دولة سودانية جديدة نشرتها على حساباتها الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك حساب قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) على موقع (X) تويتر سابقاً.

تحاول جماعة الإخوان الضغط على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من أجل تشكيل ما تسمّيها بحكومة طوارئ، تحاول عبرها السيطرة على القرار السياسي والسيادي والعسكري للدولة، والعمل لاحقاً على تنفيذ انقلاب ضد الجميع، وفقاً لمراقبين ومحللين سياسيين

بقي فقط في الطرف الآخر حزب المؤتمر الوطني المحلول، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، الذي أطلق أذرعه الإعلامية التي تُديرها ميليشيات الأمن الشعبي، من أجل إخافة قائد الجيش والضغط عليه لثنيه عن المضيّ قُدماً نحو المفاوضات والحل السلمي للأزمة، وتهديد داعمي السلام ورافعي شعار (لا للحرب) بالتصفية الجسدية.

الجماعة في ورطة

مع بروز اتجاه لزيارات خارجية سينظمها البرهان إلى بعض الدول الإقليمية، مثل؛ مصر، والسعودية، والإمارات، أسقِط في يد الجماعة، خصوصاً بُعيد التسريبات الإعلامية المتعلقة بالرؤية المصرية للحل؛ والمتمثلة في وقف فوري طويل الأمد لإطلاق النار، ورفض تشكيل أيّ حكومة قبل بدء المفاوضات، وتأييد انخراط جميع الأطراف السودانية، ما عدا حزب المؤتمر الوطني المخلوع، في مفاوضات لإيجاد حلول سياسية للأزمة، أبدت الجماعة رفضاً قاطعاً لهذا الاتجاه، ودعت إلى الاستمرار في الحرب، وعبّرت عن ذلك في الحساب الرسمي لحزبها (المؤتمر الوطني) على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وقالت: "والله لن نقبل بالتفاوض وفينا عرق ينبض، وما دام السلاح بأيدينا، فالتسوية والاتفاق مع الدعم السريع جريمة سيقف ضدها الشعب السوداني وسيحبطها الشعب السوداني، سيحمل كل الشعب السلاح رجالاً ونساء شيباً وشباباً وأطفالاً، لا تفاوض مع القتلة والمغتصبين المتمردين، ولن تضيع دماء شهدائنا هدراً، اللّهم، هل بلغت؟ فاشهد"؛ ثم دعت الجميع إلى التبرع بالمال دعماً للمجهود الحربي لميليشيا الإخوان الموسومة  بـ (البراء بن مالك).

 قائد الجيش عبد الفتاح البرهان

وتحاول جماعة الإخوان، ممثلة في فلول حزب المؤتمر الوطني ونظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وضباطها في الجيش والأمن والمخابرات، وميليشياتها المقاتلة، تحاول الضغط على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من أجل تشكيل ما تسمّيها بحكومة طوارئ، تحاول عبرها السيطرة على القرار السياسي والسيادي والعسكري للدولة، والعمل لاحقاً على تنفيذ انقلاب ضد الجميع، وفقاً لمراقبين ومحللين سياسيين.

ترحيب واسع

وبالمقابل، رحبت القوى السياسية والمدنية، وعلى رأسها أحزاب قوى الحرية والتغيير، بشقيها المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، بخروج قائد الجيش، وقدمت قوات الدعم السريع رؤية للحل الشامل ـ كما تصفها ـ واعتبرت الحرب الراهنة انعكاساً للأزمة المستفحلة للحكم في السودان؛ المتمثلة في الخلل البائن في مؤسسات الدولة التي يتوجب أن تكون قومية مهنية، خصوصاً القطاعين الأمني والعسكري.

رحبت القوى السياسية والمدنية، وعلى رأسها أحزاب قوى الحرية والتغيير بشقيها المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، بخروج قائد الجيش، وقدمت قوات الدعم السريع رؤية للحل الشامل ـ كما تصفها ـ واعتبرت الحرب الراهنة انعكاساً للأزمة المستفحلة للحكم في السودان

وتطرق البيان الذي احتوى رؤية الدعم السريع إلى أنّه يجب ألّا تنحصر فقط في كيفية بناء جيش قومي مهني واحد، بل عليها أن تشمل قضايا؛ كالفترة الانتقالية، والحكم المدني الانتقالي، والسلام العادل والشامل والمستدام، والنظام الفيدرالي بكافة مستوياته، والعدالة الانتقالية، وإجراءات وتدابير التحول الديمقراطي كالتعداد السكاني والانتخابات، فضلاً عن قومية ومهنية الخدمة المدنية، وتأسيس دولة المواطنة، والفصل بين الدولة والانتماءات الهوياتية الضيقة، على حدّ تعبير البيان.

وحددت رؤية قوات الدعم السريع الأطراف التي ينبغي إشراكها في المفاوضات، وعلى رأسها قوى الثورة ولجان المقاومة والنساء، على أن يكون هناك تمثيل عادل لأطراف السودان المهمشة التي عانت ويلات الحرب بجانب القوى السياسية والمجتمع المدني وخلافه، على أن يتم استبعاد المؤتمر الوطني (الإخوان)، ومن وصفتهم بعناصر النظام القديم، الذين يعيقون التحول الديمقراطي، والمجموعات والشخصيات التي ظلت تعمل سراً وعلناً ضد التغيير والديمقراطية خلال الأعوام التي أعقب سقوط نظام البشير.

دعم دولي

إلى ذلك، يجد اتجاه قائد الجيش إلى إنهاء الحرب من خلال المفاوضات دعماً منقطع النظير من دول الجوار ومن المحيطين الإقليمي والدولي، فضلاً عن كافة الأحزاب المدنية والقوى السياسية والمجتمعات المحلية داخل السودان، فالجميع ـ ما عدا فئة قليلة - يريد وضع حدٍّ للحرب القائمة، خشية من أن أيّ تدهور للأوضاع في السودان أكثر ممّا هي عليه الآن، يعني ذهاب المنطقة برمتها، بما فيها الدول المجاورة للسودان، إلى أوضاع أمنية وإنسانية واقتصادية واجتماعية كارثية، يصعب السيطرة عليها وإدارتها، ولربما ستؤدي إلى تفتيت السودان، خصوصاً في ظل وجود مجموعات ضغط تنتمي إلى جماعة الإخوان بلافتات جديدة؛ تسعى لتحقيق ذلك من خلال إنتاج خطاب شعبوي عنصري يدعو إلى تقسيم البلاد على أسس جهوية وعرقية، كجماعة النهر والبحر التي أسهمت بقدر كبير في إشعال الحرب، والدفع بالطرفين إلى المواجهة العسكرية عبر إثارة مخاوف وسرديات وهمية مبنية على فرضيات ذات سمت عرقي وقبلي.

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

ومثل هذه الجماعات التي أنتجتها جماعة (الإخوان المسلمين) لتدير من خلالها خطاب الحرب من أجل العودة إلى الحكم، أو تمزيق البلاد حال الفشل في ذلك، ما تزال تعمل في تأجيج الحرب وإذكاء أوار الأزمة وتهديد الأمن القومي وسلامة وأمن الشعب السوداني بحرية تامة، ومعرفة من قيادة الجيش، دون أن تتخذ ضدها أيّ إجراءات قانونية للحيلولة دون تمددها وانتشارها.

تفاؤل حذر

إلى ذلك؛ يتوقع مراقبون أن يثمر اللقاء المرتقب بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمدينة العلمين، عن رؤية تفاوضية ليست بعيدة عن رؤية قوات الدعم السريع، ولا عن تصورات قوى إعلان الحرية والتغيير ومقترحات الوسطاء الدوليين والإقليميين؛ الأمر الذي يوسّع دائرة التفاؤل بإمكانية إيجاد صيغة مُرضية للحلّ السياسي توقف الحرب، وتمضي بالأوضاع قُدماً نحو الاستقرار، وإنهاء الحرب وتصفية آثارها.

مواضيع ذات صلة:

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية