عودة العلاقات السودانية الإيرانية... الإخوان يقرؤون من كتاب البخلاء مرة أُخرى

عودة العلاقات السودانية الإيرانية... الإخوان يقرؤون من كتاب البخلاء مرة أُخرى

عودة العلاقات السودانية الإيرانية... الإخوان يقرؤون من كتاب البخلاء مرة أُخرى


12/10/2023

لكي تتعرف على من أشعل حرب الخرطوم، ومن يديرها الآن، عليك أن تُرجع البصر كرّتين إلى عقود حكم الإخوان المسلمين للسودان، (3) عقود حسوماً، ولا تنظر فقط كيف عادوا إلى الواجهة منذ انقلاب البرهان في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وحتى اللحظة، بل تمعن كيف يتحرك قائد الجيش نفسه سياسياً في الداخل والخارج، وكيف يدير الحرب، وبمن؟

حينها، لن تجهد نفسك كثيراً في اكتشاف أنّ حكومة الإخوان التي أطاحت بها هبّة شعبية في 2019، هي من تدير الحرب، وتسيطر على الجيش تماماً، وتنتشر ميليشياتها المتطرفة في ما تبقى للجيش من مقرات.

يتحرك البرهان سياسياً، وفق مشيئة وإرادة الحركة الإسلامية السودانية التي يتزعمها أمير الحرب المتطرف الإخواني (علي كرتي)، مؤسس (الدفاع الشعبي)؛ أول ميليشيا إخوانية موازية للجيش، مطلع تسعينات القرن المنصرم، الذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات مؤخراً؛ لعرقلته الجهود الرامية لإحلال السلام وإنهاء الحرب الراهنة، فضلاً عن تقويضه  الحكومة الانتقالية التي قادها المدنيون برئاسة عبد الله حمدوك.

الشاهد الأبرز على أنّ قيادة الجيش مختطفة من قبل حماعة الإخوان المسلمين، وأنّ عبد الفتاح البرهان يتحرك تبعاً لإرادتها ووفقاً لمشيئتها، هو اللهث وراء ملالي (قُم) مرة أخرى، واستعادة العلاقات مع إيران، بعد أن قطعت نحو (7) أعوام؛ بطريقة درامية أضحكت العالم حينها.

انتهازية إخوانية

حينها عام 2016، وعندما شعرت حكومة الإخوان المسلمين برئاسة البشير بالأرض تميد تحت قدميها، بعد أن فقدت موردها الأساس (النفط) بانفصال جنوب البلاد وإعلانه عن دولة مستقلة، لم تتوانَ حكومة الإخوان في التخلي عن إيران وبيعها في سوق الانتهازية السياسية التي يبرع فيها (إخوان السودان)، وذلك من أجل الحصول على مساعدات من دول الخليج الغنية والمبسوطة اليد للسودانيين.

يتحرك البرهان سياسياً، وفق مشيئة وإرادة الحركة الإسلامية السودانية التي يتزعمها أمير الحرب المتطرف الإخواني (علي كرتي)، مؤسس (الدفاع الشعبي)

وعندما فشلت في إيجاد مبررات قوية ومنطقية لقطع علاقتها بطهران، واستحت أن تقول للرأي العام إنّ ذلك حدث من أجل الحصول على المساعدات وإنقاذ نظامها من انهيار وشيك،  أشاعت جماعة الإخوان السودانية وقتها قصصاً (مُبهجة)، مثل أنّ (الفُرس بخلاء)، وأنّ عرّابها الترابي عندما أراد أن يقول للإيرانيين ذلك، أهدى مرشدهم الأعلى كتاب (البخلاء للجاحظ)، لكنّ الأخير لم يفهم الرسالة، بما يعني أنّهم بخلاء وأغبياء أيضاً.  

قصص مصنوعة

تستخدم جماعة الإخوان السودانية دائماً مثل هذه القصص المصنوعة لإشاعة نوع من التوازن النفسي بين كوادرها، ولخلق رأي عام مؤيد أو محايد ـ على الأقل ـ إزاء تصرفاتها غير المتوقعة، والمبنية على الكذب في السياسية الداخلية والخارجية.

كيف بدأ الأمر

الآن، وبعد أن أشعلوا الحرب، وعجزوا عن تحقيق الحدّ الأدنى من الانتصار فيها، وتعرضوا لهزائم مستمرة من قوات الدعم السريع، وأغلقت أمامهم فرص التسليح من الخارج، قرروا العودة مجدداً إلى (البخلاء) ربما ليعيدوا كتاب (الجاحظ) إلى الخرطوم مرة أخرى، وإن كانت العاصمة تسربت من بين أصابعهم، فهناك (مكتبة) إخوانية في بورتسودان، يمكنهم وضع الكتاب المُستعاد من (قُم) على أحد أرففها، ليقرأ منه عبد الفتاح البرهان كيف يدير سياسته الخارجية بحساب دقيق.

تستخدم جماعة الإخوان السودانية دائماً قصصاً مصنوعة لإشاعة نوع من التوازن النفسي بين كوادرها، ولخلق رأي عام مؤيد أو محايد، على الأقل، إزاء تصرفاتها غير المتوقعة، والمبنية على الكذب في السياسية الداخلية والخارجية

 بدأ الأمر في تموز (يوليو) الماضي، حين التقى وزير الخارجية السوداني المكلف، علي الصادق، بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش قمّة دول عدم الانحياز في العاصمة الآذرية، باكو، قبل أن تعلن الخارجية السودانية، التي تبسط جماعة الإخوان سيطرتها الكاملة عليها، الإثنين 9 تشرين الأول (أكتوبر)، في بيان عن اسئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ولم يصدر عن طهران بيان مماثل، واكتفت بالصمت إزاء إعلان الخارجية السودانية.

العودة إلى (قم)

يقول مراقبون ومحللون سياسيون: إنّ الجماعة فشلت في إدارة الحرب، وقد تعرّض بسبب ذلك الجيش السوداني لسلسلة من الهزائم من قوات الدعم السريع، وكلما استطال أمد الحرب، سيفقد الجيش تعاطف الشعب معه، حيث يمر ملايين السودانيين بأسوأ الأوضاع المعيشية والأمنية والصحية، فقدوا منازلهم وممتلكاتهم، وتشردوا في الداخل والخارج في أسوأ حرب أهلية حدثت في البلاد منذ استقلالها.

 الجماعة فشلت في إدارة الحرب

وعوضاً عن الذهاب إلى مفاوضات والجلوس إلى طاولة حوار، تعمل جماعة الإخوان بدأب على استمرار الحرب، لأنّها تعتقد أنّ إنهاءها عبر المفاوضات هزيمة ساحقة ونهائية لها، لذلك تدفع الجيش دفعاً إلى القتال، وتصادر قراره السياسي، وتعده برفده بالمقاتلين ممّن تسميهم بالمجاهدين التابعين لميليشياتها التي (أكل عليها الدهر وشرب)، وكذلك بالسلاح، لكنّها فشلت في الجانبين، ولم يعُد أمامها بُدٌ غير العودة إلى (بخلاء قُم)، كما أطلقت عليهم، عندما قررت خصامهم قبل (7) أعوام.

لا صديق يُجير

وفي السياق نفسه، يعتقد مراقبون وخبراء عسكريون أنّ العلاقة مع طهران لن تغير كثيراً في الأوضاع العملياتية على الأرض، لأنّ الطرف الآخر سيجد داعمين أيضاً، وأنّ الحرب الراهنة لا تُحسم في الأصل بالسلاح، بل بإقناع ضباط وجنود الجيش والشعب نفسه بجدواها، وما الهدف منها، ولماذا اندلعت، ومن أشعلها، ولماذا يرفض البرهان الذهاب إلى مفاوضات لحلّها من خلال الحوار، ومن يقف وراء ذلك؟

هناك (مكتبة) إخوانية في بورتسودان، يمكنهم وضع الكتاب المُستعاد من (قُم) على أحد أرففها، ليقرأ منه عبد الفتاح البرهان كيف يدير سياسته الخارجية بحساب دقيق

هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات منطقية، ويجب على قادة الجيش أن يتصدوا لها، وأن يحدثوا جنودهم ومواطنيهم بصراحة، أو أن يعملوا بجدّية على التفاوض ووضع حدٍّ لها، وإلّا... فإنّ الأسلحة التي يسعون للحصول عليها من (طهران) لن تشفع، ولن تغير شيئاً، طالما أنّ (كتاب البخلاء) السفر الأبرز بين أرفف مكتبة جماعة الإخوان السودانية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية