فشل قرار تمديد حظر السلاح: إيران أكثر قدرة على التخريب

فشل قرار تمديد حظر السلاح: إيران أكثر قدرة على التخريب


18/08/2020

رفض مجلس الأمن، يوم الجمعة الماضي، مشروع قرار تقدّمت به الولايات المتحدة لتمديد حظر السلاح على إيران، والذي من المقرّر رفعه، في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وفق الاتفاق النووي مع إيران عام 2015.

وحظي المشروع بدعم عضو واحد فقط، إلى جانب واشنطن؛ وهي الدومينيكان، بينما امتنع 11 عضواً عن التصويت، من بينهم فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وعارضت كلّ من الصين وروسيا القرار.

اقرأ أيضاً: ضغوط متفاقمة.. حظر السلاح والتصعيد الأميركي- الإيراني

وكان إخفاق واشنطن في تمرير القرار متوقعاً، في ظلّ تمسّك دول 5+1، عدا واشنطن، بنجاح الاتفاق النووي مع إيران، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي، ترامب، في 2018، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية على إيران، ما جعل الأخيرة تعيد تنشيط برنامجها للتخصيب النووي، فضلاً عن استمرارها في تجاربها على الصواريخ الباليستية، ذات القدرة على حمل رؤوس نووية.

إخفاق متوقّع

ولم ينصّ الاتفاق النووي لعام 2015 على مسألة التدخلات الإيرانية في دول المنطقة، وتهديدها للأمن والسلم، نتيجة دعمها لجماعات، مُصنفة إرهابياً، وهو ما حدا بالرئيس ترامب إلى الانسحاب منه، وربط التوصل لاتفاق جديد بمسألة التدخلات الإيرانية في البلاد العربية، ومشروع الصواريخ الباليستية لإيران.

وعقب إعلان مجلس الأمن سقوط المشروع الأمريكي، صرّح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قائلاً: إنّ "فشل مجلس الأمن في التصرّف بشكل حاسم للدفاع عن السلام والأمن الدوليَّين لا يمكن تبريره".

وتعهّد بومبيو بمواصلة واشنطن دعمها لحلفائها في الشرق الأوسط، وقال: "سنواصل العمل لضمان عدم تمتّع النظام الثيوقراطي الإرهابي بالحرية في شراء وبيع أسلحة، تهدّد قلب أوروبا والشرق الأوسط، وما وراءهما".

رصدت دراسة استخدام إيران ورقة تهديد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بحركة الملاحة في المضائق البحرية، وفي إدارة علاقاتها مع واشنطن

وتعليقاً على ذلك؛ يقول الباحث في الشؤون الإيرانية، محمد شعت: إنّ "فشل مجلس الأمن في تمديد حظر الأسلحة على إيران أعطاها قبلة الحياة، خاصة أنّ واشنطن كانت تريد استخدام الحظر، إلى جانب العقوبات الاقتصادية، لإيقاف تمويل طهران للإرهاب، ودعم أذرعها التخريبية في البلدان العربية".

ويحلّل شعت موقف الدول الكبرى من مشروع القرار الأمريكي؛ بأنّ رفض القرار كان متوقعاً، حتى إن لم تمتنع الـ 11 دولة عن التصويت، فروسيا والصين كانتا ستستخدمان حقّ النقض ضدّ القرار، لوجود تحالف مرحلي بينهما مع إيران، ضدّ تهديد الولايات المتحدة الدائم باستخدام سلاح العقوبات، والذي طال الدول الثلاث.

وكانت الدول الأوروبية، الأعضاء في مجلس الأمن، قد أعلنت سابقاً تضامنها مع واشنطن في قرار حظر السلاح على إيران، على خلفية منع طهران دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مواقع مشبوهة بإجراء أنشطة نووية، وفق ما رصدته دراسة أحمد فاروق ومرفت زكريا، بعنوان "ضغوط متفاقمة.. حظر السلاح والتصعيد الأميركي- الإيراني".

اقرأ أيضاً: رسالة الاحتجاجات الإيرانية إلى الولي الفقيه: "انتهت اللعبة"

اختلف الموقف الأوروبي في جلسة مجلس الأمن، وامتنعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن التصويت، ويحلّل ذلك الباحث في الشؤون الإيرانية، أحمد فاروق، بقوله: "أبلغت إيران زعماء دول 4+1 (بعد خروج واشنطن)، خاصة الأوروبيين منهم، عبر مكاتبات رسمية، بأنّ أيّ تمديد لحظر التسليح، أو عودة قرارات مجلس الأمن ضدّ طهران، سيعقبه ردّ فعل حاد،ّ وعدم تنفيذ البروتوكول الإضافي، والخروج من "NPT" (معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية)".

ويردف أحمد فاروق، لـ "حفريات"؛ "الدول الأوروبية مهتمة بالحفاظ على الاتفاق النووي، مع إدراك مخاطر التدخلات الإيرانية في المنطقة، لكنّها تنتهج سبلاً مخالفة لواشنطن".

ويدعم ما سبق؛ التصريحات الصادرة عن نائبة المندوب الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، آن غوغين، بأنّ "رفع حظر السلاح عن إيران يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار الإقليميين"، مُضيفة: "فرنسا ترى نهجاً مختلفاً عن مشروع القرار الأمريكي في معالجة المشكلة".

الأمن العربي .. البُعد الغائب

وتبدو الدول الأوروبية حريصة على تسوية ملف البرنامج النووي الإيراني، بشكل يفوق الاهتمام بالتدخلات الإيرانية في الدول العربية، بينما تقوم روسيا بالتنسيق مع إيران في سوريا، وغيرها من الملفات، وتبدو الصين أقرب لوجهة النظر الإيرانية في سوريا، إلى جانب أنّ الصين وروسيا ضدّ السياسة الأمريكية بشكل كبير، وعلى خلاف ذلك؛ تولي واشنطن مسألة أمن الشرق الأوسط أهمية كبرى.

وعن المخاطر التي ستترتب على المنطقة، جراء رفع حظر السلاح عن إيران، يقول الباحث في الشؤون الإيرانية، محمد شعت: "تأثير فشل القرار سيجعل إيران أكثر قدرة على التخريب والإرهاب، خاصة أنّها خرقت بنود الاتفاق النووي، بعد انسحاب واشنطن، واستهدفت شركة "أرامكو" في المملكة، وما تزال مستمرة في تجارب الصواريخ الباليستية".

ويتساءل الباحث شعت قائلاً: "إذا كانت إيران مُنعت من تحديث أسلحتها لأعوام، ورغم ذلك كانت قادرة على التخريب؛ فما بالنا بقدرتها تلك بعد رفع الحظر، والسماح لها بتحديث أسلحتها، وتصديرها".

اقرأ أيضاً: مسارات التدخل التركي الإيراني.. هل انفرط عقد اللاعبين الدوليين في الشرق الأوسط؟

ورصدت الدراسة السابقة، التي أعدّها الباحثان، أحمد فاروق ومرفت زكريا، استخدام إيران ورقة تهديد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بحركة الملاحة في المضائق البحرية، في إدارة علاقاتها مع واشنطن؛ ففي 2018، عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي؛ هدّدت طهران بإغلاق مضيق هرمز، وهددت الملاحة في البحر الأحمر.

عن المخاطر التي ستترتب على المنطقة، جراء رفع حظر السلاح عن إيران، يقول الباحث في الشؤون الإيرانية، محمد شعت: تأثير فشل القرار سيجعل إيران أكثر قدرة على التخريب والإرهاب

علاوةً على ذلك؛ لم تكن طهران بعيدة عن تعرض أربع سفن تجارية مدنية لعمليات تخريبية بالقرب من الساحل الشرقي لإمارة الفجيرة، عام 2019، فضلاً عن تعرض ناقلتين سعوديتين لهجوم تخريبي بالقرب من المياه الاقتصادية لأبوظبي، وهي العمليات التي رغبت من خلالها طهران في إرسال رسالة مفاداها أنّها قادرة على المواجهة، وتمتلك المقومات اللازمة لذلك، وفق الدراسة السابقة.

وتأكيداً على ذلك؛ يرى الباحث شعت، أنّ دول المنطقة كلّها متضررة من إيران، وستكون أكثر تضرراً بعد رفع حظر السلاح عنها.

اقرأ أيضاً: حزب الله يستقوي على اللبنانيين بسلاحه ودعم إيران.. ما علاقة قطر؟

ويردف شعت قائلاً: "القرار مهدّد للمنطقة والعالم؛ فقد لاحظنا خلال الأشهر القليلة الماضية أنّ إيران هددت الملاحة في الخليج، وباب المندب، واحتجزت سفن دولية، وتهدد الاقتصاد العالمي بشكل كبير".

وتتبنى إيران إستراتيجية تخريبية في البلدان العربية، تقوم على توظيف الوكلاء، كي تتهرب من المسؤولية القانونية، مثلما توظف حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيون في اليمن، والميليشيات في سوريا، وغير ذلك.

إيران: أحلام تسلّح وواقع مأزوم

وعلى الرغم من رفع حظر السلاح عن إيران بعد شهرين، فلا يتوقع المراقبون استفادة طهران من ذلك بشكل كبير، بسبب الصعوبات الاقتصادية الكبيرة، الناتجة عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وأزمة كورونا.

وحول ذلك، يرى الباحث أحمد فاروق؛ أنّ صعوبات اقتصادية ناتجة عن العقوبات وجائحة كورونا تمثّل عقبة أمام طهران، ستدفعها للتركيز على عمليات انتقائية في شراء الأسلحة، لا تكون بكميات كبيرة، وستركز في الأغلب على تحديث القوة الجوية والبحرية، إلى جانب التركيز على نقل التكنولوجيا العسكرية.

ووفق دراسة فاروق ومرفت زكريا؛ تحتاج إيران إلى 100 مليار دولار لإعادة تنظيم القوات الجوية، ومبلغ مماثل لإعادة تنظيم الجيش وقوات البحرية. فضلاً عن ذلك؛ من غير المرجح أنّ تقدم الصين وروسيا خط ائتمان لتسهيل مشتريات كبيرة الحجم لإيران.

ورغم ذلك؛ سيزيد رفع الحظر من مخاطر إيران على الأمن العربي؛ نتيجة تطوير إيران المتوقع لقواتها الجوية والبحرية، وحصولها على تكنولوجيا عسكرية حديثة، تتيح لها إعادة الإنتاج العكسي للأسلحة الحديثة التي لا تقدر على شرائها.

اقرأ أيضاً: لماذا يتستر النظام الإيراني على فساد رئيس مجلس الشورى؟

ولن تقف واشنطن مكتوفة الأيدي حيال ذلك؛ ومن المرجح أنّ تفرض عقوبات اقتصادية كبرى على إيران. وكان وزير الخارجية، بومبيو، قد تحدث عن استخدام آلية "سناب باك"، التي نصّ الاتفاق النووي عليها، حال خرق إيران للاتفاق، وتتيح لعضو من الموقّعين على الاتفاق إعادة تفعيل العقوبات مرة أخرى، لكنّ انتقادات دولية طالت واشنطن عقب التلويح بذلك؛ كوّنها انسحبت من الاتفاق.

وحدا ذلك ببومبيو إلى تجنب الحديث عن الآلية مرة ثانية في حديثه عن العقوبات على إيران، مع تأكيده على عقوبات قاسية قادمة، بينما أعلن ترامب، مساء السبت الماضي، العودة إليها. ولا يستبعد الباحث، أحمد فاروق، في حديثه لـ "حفريات"؛ استخدام الولايات المتحدة للعمل العسكري ضدّ إيران.

وكان مجلس الأمن قد أصدر القرار رقم 1747، لعام 2007، الذي تضمن عقوبات على إيران، منها حظر السلاح، من أجل الضغط عليها لوقف برنامجها النووي. وعقب الاتفاق النووي، عام 2015، صدر قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي نصّ على رفع حظر السلاح في 2020، مع الإبقاء على الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على المواد والتكنولوجيا التي يمكن أن تستخدمها إيران في برنامج الصواريخ الباليستية الخاص بها، حتى عام 2023.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية