في العام الثالث للحرب الروسية: هل يتخلى الغرب عن أوكرانيا؟

في العام الثالث للحرب الروسية: هل يتخلى الغرب عن أوكرانيا؟

في العام الثالث للحرب الروسية: هل يتخلى الغرب عن أوكرانيا؟


25/02/2024

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث. وتسببت الحرب التي اندلعت في 24 فبراير 2022، بأزمة إنسانية واسعة النطاق. حصيلة القتلى في ارتفاع متواصل بسبب القصف والمعارك الضارية من الجانبين، فيما فر ملايين الأشخاص من أوكرانيا نحو البلدان الأوروبية بشكل أساسي. وفي سبتمبر 2022، نظمت موسكو استفتاءات لضم أربع مناطق تشكل معا نحو 15 بالمئة من الأراضي الأوكرانية وهي: خيرسون وزابوريجيا (في الجنوب) ودونيتسك ولوغانسك (في الشرق)، وهددت بعد ضمها باستخدام السلاح النووي للدفاع عنها. خطوة دانتها كييف، مدعومة بالدول الغربية والأمم المتحدة، معتبرة استفتاءات الضم إجراء قسريا وغير قانوني.

وأصبح أكثر من 11 مليون أوكراني إما لاجئاً أو نازحاً داخلياً، كما فر أكثر من مليون مواطن روسي لتجنب التجنيد الإجباري، وتم تدمير معدات بمليارات الدولارات، بحسب الباحثة آنا بورشفسكايا في مقال نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

ولا تزال أصداء الحرب تتردد على مستوى العالم مع تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع التضخم، وتقلب أسعار الطاقة، ونقص الغذاء، وخاصة في أفريقيا والشرق الأوسط.

دكتاتورية عسكرية

ومع تحوّل روسيا بشكل متزايد إلى دكتاتورية عسكرية، أصبح الصراع مع الغرب سبباً لقيام الكرملين بما قام به، حيث ينظر إلى الحرب كمعركة وجودية بالنسبة لروسيا. فهو نظام لا يمكن أن يبرر وجوده إلا بالصراع، وبالتالي لا يمكنه تحمل كلفة السلام، كما تقول بورشفسكايا.

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث

ولا يزال بوتين ملتزماً باستراتيجية الانتظار التي تتمثل بأن يفقد الغرب عزمه ويتخلى عن أوكرانيا بينما يمحو في الوقت نفسه الهوية والتاريخ الأوكرانيين.

وقد أصبحت وحدة الغرب والتزامه موضع تشكيك متزايد، بحيث بات مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا على المحك. وقد يكون العام المقبل حاسماً للطرفين المتحاربين والنظام العالمي.

وبغض النظر عن قدرة أوكرانيا المستمرة على تدمير أسطول البحر الأسود الروسي وقَطْع خطوط السكك الحديدية في أقصى شرق الأراضي الروسية، فإن وجهة النظر القائلة إن البلاد قد وصلت إلى حالة جمود هي التي سيطرت على التصوّر.

وترتكز وجهة النظر هذه على تقييم خاطئ للهجوم الأوكراني المضاد باعتباره فاشلاً، وواقع أنّ التوقعات الغربية غير متزامنة إلى حد كبير مع ما هو مطلوب لتحقيق هذه النتائج.

وتعتمد القدرة على القيام بذلك إلى حد كبير على الالتزام بالموارد، والإرادة للقتال، وتأثير الأنشطة في جميع المجالات، وليس فقط الحرب البرية.

السيناريوهات المتوقعة

أولاً، بإمكان الطرفين البدء بالتعبئة العامة، وعادةً لا تحظى هذه التدابير بشعبية. وتنتظر روسيا من جهتها على الأرجح مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية في مارس 2024 لهذا السبب.

وفي غضون ذلك، يواجه الجيش الأوكراني أزمة تجنيد. وقد لا يكون أمامه أي خيار قريباً سوى اللجوء إلى التعبئة العامة، بغض النظر عن محاولاته الحثيثة لحماية الذكور الأصغر سناً في البلاد.

 

القوى الأوروبية، مثل المملكة المتحدة، التي زودت كييف في السابق بالإمدادات العسكرية الحيوية، تكافح من أجل الحفاظ على دعمها بسبب صعوبات إنتاج الأسلحة

 

ويواجه المجتمعان الروسي والأوكراني استجابات مجتمعية مختلفة للتعبئة العامة. فالمجتمع الأوكراني يتمتع بنقطة إيجابية هي الروح المعنوية العالية والإرادة القوية للقتال دفاعاً عن بلاده، في حين يظل المجتمع الروسي غير مبالٍ بشكل عام.

ومع ذلك، هناك عدد لا يحصى من القضايا الأخرى. فمعدلات الاستنزاف داخل كل جيش، وحجم كل جيش ودولة، والقدرة على تدريب المجندين وتجهيزهم، والتحديات الديموغرافية الشاملة، تختلف بين روسيا وأوكرانيا. وتؤثر جميع هذه العوامل على النتيجة المحتملة.

ثانياً، شهدت جبهات متعددة في مجالات متعددة تطورات وتقلبات مستمرة في أوكرانيا، وقد يستمر التصعيد في عام 2024. 

وليس لدى بوتين أي حافز لوقف الحرب بما أنّ الغرب لم يحدد استراتيجية متماسكة ولا نتيجة معيّنة لأوكرانيا تتضمن فرض تكاليف على روسيا تفوق فوائد القتال.

وخلال العامين الماضيين، ضاعف الرئيس الروسي جهوده القتالية. ولفهم الأمر بشكل أوضح، لا بد من النظر إلى علاقة روسيا الاستراتيجية المتنامية مع إيران والصين، وتحوّل كوريا الشمالية نحو روسيا، وبصمات روسيا في التصعيد المتزايد الذي يشهده النزاع في سوريا، والنزاع بين إسرائيل و"حماس"، والنزاع في فنزويلا حالياً، كما تقول الباحثة بورشفسكايا.

بوتين أخطأ بشدة

ومع حلول الذكرى السنوية الثانية للصراع، يبدو واضحاً أن بوتين أخطأ بشدة في حسابات ما قبل المعركة فيما يتعلق بقدرة روسيا على تحقيق نصر سريع وحاسم.

لقد أخطأ بوتين بشدة في حسابات ما قبل المعركة فيما يتعلق بقدرة روسيا على تحقيق نصر سريع وحاسم، كما يقول الصحفي البريطاني كون كوخلين، محرر الشؤون الدفاعية والسياسة الدولية في صحيفة "ذي تلغراف"؛ فقد اتضح أنّ المؤسسة العسكرية الروسية، بعيداً عن كونها مؤسسة النخبة التي تصورها بوتين، كانت عبارة عن مجموعة من الرعاع غير المنظمين وغير الكفؤين، الذين تعرض هجومهم على العاصمة كييف لهزيمة سريعة من قبل القوات الأوكرانية الأكثر مرونة والأفضل تجهيزاً.

وبعيداً عن إقناع الشعب الأوكراني بالاستسلام لموسكو، فإنّ السلوك الهمجي للقوات الروسية الغازية خلال المراحل الأولى من الصراع، مع اغتصاب النساء الأوكرانيات وقتلهن وإخضاع الجنود الأسرى للتعذيب والإعدام بإجراءات مقتضبة، كان له تأثير معاكس. فقد توحدت الأمة الأوكرانية بأكملها ضد الغزاة الروس، بحسب الصحفي البريطاني في مقاله المنشور في مجلة "المجلة".

كما استهان بوتين بشدة بتصميم القوى الغربية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على حشد الدعم لأوكرانيا. حيث أثبتت الأسلحة المتقدمة التي قدمتها كل من واشنطن ولندن، وخاصة الصواريخ المضادة للدبابات والمدفعية بعيدة المدى، أنها حاسمة في إحباط التقدم الروسي.

متى وكيف ستنتهي الحرب؟

ومن غير الواضح متى وكيف ستنتهي الحرب. ولكن من المؤكد أنه عندما يحدث ذلك، ستلعب النتيجة دوراً حاسماً في تحديد مسار العالم الذي نعيش فيه.

لا يزال بوتين ملتزماً باستراتيجية الانتظار

يمكن القول إنّ مجموعة من العوامل في الأشهر الأخيرة تشير إلى أنه، رغم كل النكسات التي عانت منها موسكو خلال العامين الماضيين، هناك إشارات مشجعة لبوتين بأن تيار الصراع على وشك التحول لصالحه.

وفي حين قدم الغرب الدعم العسكري والمالي الذي تشتد الحاجة إليه، فقد نشأت عدة انقسامات أيضا، لاسيما في واشنطن، حول المدة التي يجب أن تستمر فيها الولايات المتحدة في دعم المجهود الحربي في أوكرانيا، مما أدى إلى سعي الكونغرس إلى منع أحدث ميزانية مساعدات قدمتها إدارة بايدن والبالغة 60 مليار دولار.

وفي الوقت الحالي، فإنّ القوى الأوروبية، مثل المملكة المتحدة، التي زودت كييف في السابق بالإمدادات العسكرية الحيوية، تكافح من أجل الحفاظ على دعمها بسبب صعوبات إنتاج الأسلحة. وقد أدى ذلك إلى اعتراف الاتحاد الأوروبي مؤخرا بأنه لن يكون قادرا على تزويد أوكرانيا بالمليون قذيفة مدفعية التي وعد بتزويدها بها الشهر المقبل.

 

بوتين نقل الاقتصاد الروسي إلى حالة الحرب، حيث أصبحت موسكو تنفق الآن ما يقدر بنحو 7.5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع

 

من المؤكد أن الصعوبات التي يواجهها الغرب في الحفاظ على دعمه العسكري لأوكرانيا تخلف تأثيراً سلبياً على ساحة المعركة، حيث أشار القادة الأوكرانيون إلى نقص الذخيرة في قرارهم بالانسحاب من بلدة أفدييفكا ذات الأهمية الاستراتيجية في نهاية الأسبوع الماضي.

وفي المقابل، تمكن بوتين من بث حياة جديدة في الجهد العسكري الروسي، كما يقول الصحفي البريطاني، موضحاً: أقال بوتين الجنرالات ورؤساء المخابرات، وأحضر مجندين جدد ليعوضوا الخسائر الفادحة التي تكبدتها القوات الروسية في ساحة المعركة، كما نُقل الاقتصاد الروسي إلى حالة الحرب، حيث أصبحت موسكو تنفق الآن ما يقدر بنحو 7.5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.

ومع وجود ما يقدر بنحو 300 ألف جندي روسي متمركزين الآن في أوكرانيا، يبدو المزاج العام في الكرملين مزدهرا، حيث أشار ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، إلى أنه بعد النجاحات الأخيرة التي حققتها القوات الروسية في منطقة دونيتسك المتنازع عليها بشدة، ربما سوف يسيرون قريباً نحو كييف.

مواضيع ذات صلة:

ما الذي حل بطائرات أوكرانيا مؤخراً؟ وما علاقة إيران وإسرائيل؟

أردوغان يترك الفلسطينيين لمصيرهم ويركز على أوكرانيا

يوميات حرب الجليد: الطائرات الروسية تهدد شريان الحياة الاقتصادي في أوكرانيا




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية