في اليوم الدولي للقضاء عليه.. هل انتهى التمييز العنصري حقاً؟

في اليوم الدولي للقضاء عليه.. هل انتهى التمييز العنصري حقاً؟


21/03/2022

يحتفل العالم يوم 21 آذار (مارس) من كل عام باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، وهو اليوم الذي أقدمت فيه شرطة شاربفيل بجنوب أفريقيا على قتل 69 شخصاً كانوا مشاركين في تظاهرة سلمية ضد "قوانين المرور" المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري في عام 1960.

وفي العام 1966، اعتمدت الجمعية العامة هذا اليوم يوماً دولياً تحتفل فيه جميع الشعوب، داعية المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

وتؤكد الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنّ جميع البشر يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق ولديهم القدرة على المساهمة البنّاءة في تنمية مجتمعاتهم.

دعا غوتيريش إلى عقد اجتماعي قائم على الحقوق لمعالجة الفقر والإقصاء، والاستثمار في التعليم، وإعادة بناء الثقة والتماسك الاجتماعي

ومنذ ذلك الحين، أُبطل العمل بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وألغيت القوانين والممارسات العنصرية في بلدان عديدة، وتم بناء إطار دولي لمكافحة العنصرية يسترشد بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، لكن واقع الحال يقول إنّه لا يزال هناك في جميع المناطق أشخاص عديدون وجماعات ومجتمعات بأكملها تعاني من الظلم والوصم بالعار الذين تسببهما العنصرية.

"أصوات للعمل ضد العنصرية"

وأقرت الأمم المتحدة عنوان "أصوات للعمل ضد العنصرية" لإحياء المناسبة هذا العام، لتركز احتفالاته على إسماع صوت المضطهدين بقوة والإصغاء لهم عن كثب والتصرف بحزم تجاه معاناتهم.

وفي هذه المناسبة قال الأمين العام للأمم المتحدة إنّ العنصرية تستمر في تسميم المؤسسات والهياكل الاجتماعية والحياة اليومية في جميع المجتمعات، واصفاً العنصرية بأنها تعمل كعامل مساعد "يطبع الكراهية وينكر الكرامة ويحفز العنف".

لا يزال هناك في جميع المناطق أشخاص عديدون وجماعات ومجتمعات بأكملها تعاني من الظلم والوصم بالعار الذين تسببهما العنصرية

وأضاف أنطونيو غوتيريش، في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة، يوم الجمعة، خلال فعالية لإحياء اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري: "لا تزال (العنصرية) تمثل سبباً لاستمرار عدم المساواة ... وحرمان الناس من حقوقهم الإنسانية الأساسية".

ولفت غوتيريش الانتباه إلى الروابط بين العنصرية وعدم المساواة بين الجنسين، مشيراً إلى أشكال التمييز المتداخلة والمتقاطعة التي تعاني منها النساء الملونات والأقليات.

اقرأ أيضاً: 90 في المئة من المدرسين البريطانيين غير مدربين على منع العنصرية

ودعا غوتيريش إلى عقد اجتماعي قائم على الحقوق "لمعالجة الفقر والإقصاء، والاستثمار في التعليم، وإعادة بناء الثقة والتماسك الاجتماعي"، وإلى ما أسماه "العدالة التعويضية" لتحقيق المساواة العرقية والتكفير - بطريقة جوهرية - عن قرون من الاستعباد والاستعمار.

مظاهر الترحيب والكرم الغربي تجاه النازحين الأوكرانيين أثارت الكثير من المقارنات المشروعة مع الصدامات والرفض الذي قابل اللاجئين السوريين

وشجع الدول على تسريع العدالة العرقية والمساواة من خلال إعلان وبرنامج عمل ديربان؛ الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري؛ خطة التغيير التحويلي من أجل العدالة العرقية والمساواة؛ والمنتدى الدائم للأمم المتحدة للمنحدرين من أصل أفريقي.

واختتم الأمين العام حديثه قائلاً: "دعونا نتحد حول إنسانيتنا المشتركة ونتحدث كفرد واحد من أجل المساواة والاحترام والعدالة والكرامة للجميع"، وفق ما أورده الموقع الرسمي للأمم المتحدة".

الأزمة الأوكرانية وعنصرية الغرب

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، كثر الحديث وتوالت التقارير عن حوادث عنصرية تعرض لها بعض الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي، والأقليات العرقية والإثنية.

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، كثر الحديث وتوالت التقارير عن حوادث عنصرية تعرض لها بعض الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي

فوفق معلومات أوردتها تقارير صحفية، وأخرى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تعرض نازحون من أصول أفريقية ومن جنسيات عربية وأجنبية غير الأوكرانية إلى التمييز العنصري في عمليات البحث عن ملاجئ يحتمون فيها هروباً من القصف الروسي.

ووفق شهادات نقلتها وسائل إعلام عربية وغربية، هناك أشخاص من أصول نيجيرية ومن غانا أكدوا تعرضهم لمعاملة تمييزية من قبل حرس الحدود البولندية، التي أعطت أولوية توزيع اللاجئين القادمين من أوكرانيا للجنسيات الأوكرانية وبعد ضمان توزيعها على الملاجئ كانت تنظر إلى الجنسيات الأخرى النازحة إلى حدودها.

اقرأ أيضاً: سوء معاملة الأوكرانيين للعرب والأفارقة... عنصرية أم رُهاب؟.. منظمة حقوقية تجيب

ويرى الأكاديمي والدبلوماسي الأسبق محمد بدر الدين زايد، في مقالة له على موقع "الإندبندنت"،  أن أحد أبرز تجليات الأزمة الأوكرانية هو "الكشف المتواصل للمدى الذي ما زالت فيه البشرية تعاني أحد أمراضها المزمنة عبر التاريخ، وهو العنصرية، وهو معضلة تعانيها المجتمعات المختلفة بدرجات متفاوتة، وكان نصيب الغرب منها النصيب الأكبر تاريخياً".

أكدت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإقليمية والدولية في بيان مشترك، أنه حان الوقت للاعتراف بوجود الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والعمل لإنهائه

ويقول الكاتب في مقالته التي حملت عنوان "تجليات المشهد الدولي الحافل بالعنصرية والتعصب"، أنّ مظاهر الترحيب والكرم الغربي تجاه النازحين الأوكرانيين "أثارت الكثير من المقارنات المشروعة مع الصدامات والرفض الذي قابل اللاجئين السوريين، وأدى إلى توظيف تركيا ورقتهم في ابتزاز أوروبا التي لم تكن تتحمل رؤيتهم في أراضيها، كما تذكر كثيرون الانتقادات والهجوم الذي تعرضت له ميركل في بلادها وفي دول أوروبية أخرى لموقفها الإيجابي في قضية اللاجئين السوريين".

ونقل موقع "دويتشه فيله" شهادات 3 طلاب نيجيريين، من بين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين عبروا من أوكرانيا إلى بولندا، تأكيدهم أن رحلتهم عبر أوكرانيا كانت أكثر صعوبة بسبب لون بشرتهم.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: العنصرية تستمر في تسميم المؤسسات والهياكل الاجتماعية والحياة اليومية في جميع المجتمعات

ولم يكن الطلاب الـ 3 وحدهم من شكا من التمييز، إذ يقول عدد من الأفارقة الذين حاولوا الفرار من أوكرانيا بعد غزو روسيا، إنهم واجهوا مشاكل في التنقل بين الحافلات أو القطارات إلى حدود أوكرانيا لأنهم كانوا من السود.

هذا التمييز أيضاً طال طلبة عرباً كانوا يتواجدون في أوكرانيا بغرض الدراسة، قضوا ساعات طويلة على الحدود الأوكرانية البولندية، وذلك بسبب منح الأولوية في توزيع النازحين للأشخاص الأوكرانيين من ثم النازحين من أصول أوروبية، حيث يطغى الاهتمام من قبل حرس الحدود البولندية على أصحاب البشرة البيضاء على حساب البشرة السمراء.

اقرأ أيضاً: النزعات العنصرية فى "الميديا" الغربية

حتى طبيعة الملاجئ طالها جانب من العنصرية، بحسب نقل روايات من شهود عيان، الذين تحدثوا أنّ الأوكرانيين وذوي الأصول الأوروبية من النازحين من أوكرانيا يتم وضعهم في ملاجئ تتوفر فيها سبل الحياة الأساسية خصوصاً فيما يتعلق بالتدفئة ومساحات الغرف، فيما يتم وضع النازحين من أصول غير أوروبية في ملاجئ تفتقر لسبل الحياة الكريمة سواء في التدفئة أو في حالات الاكتظاظ في الغرف.

اقرأ أيضاً: ضرب وإهانة.. تقارير تكشف معاملة عنصرية بحق الأفارقة الفارّين من أوكرانيا

وكان فريق من خبراء الأمم المتحدة قد دعا في بيان، السلطات، وخاصة موظفي الحدود، إلى ضرورة الحفاظ على المساواة في المعاملة بالنسبة للجميع، بمن فيهم المنحدرون من أصل أفريقي الذين يسعون إلى مغادرة البلاد.

وتشمل المعاملات المبلغ عنها تفضيلات عرقية في إدارة الخدمات المنقذة للحياة، وقيود عرقية على حرية التنقل، وتمايز عنصري في الوصول إلى وضع الهجرة.

وقال الخبراء إنّ هذه المعاملة تنتهك الحظر المفروض على التمييز العنصري، والذي يمتد ليشمل أي معاملة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية أو مخصصة.

هل انتهى الفصل العنصري حقاً؟ 

وبمناسبة اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، أكدت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإقليمية والدولية في بيان مشترك، أنّه "حان الوقت للاعتراف بوجود الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والعمل لإنهائه"، محذرة من العواقب الوخيمة لمثل هذه الأنظمة.

وكانت منظمة العفو الدولية "أمنستي" قد وصفت في تقرير حديث لها قوانين إسرائيل وسياساتها وممارساتها ضد الفلسطينيين في إسرائيل، وفي الأراضي الفلسطينية، بأنها تصل إلى حد الفصل العنصري.

ويقول تقرير المنظمة الحقوقية إنّ دولة إسرائيل فرضت "نظاماً مؤسساتياً من القمع والهيمنة على السكان الفلسطينيين لصالح الإسرائيليين اليهود".

اقرأ أيضاً: الطلبة العرب ضحية الأزمة الأوكرانية: ظروف صعبة وممارسات عنصرية

وأكد تقرير المنظمات الفلسطينية "علينا بذل المزيد من الجهود لضمان أن إرث الفصل العنصري، وجميع أشكال التمييز والقمع العرقي الأخرى، تم اقتلاعها بشكل كامل، وبالطريقة نفسها التي سقط بها الفصل العنصري في جنوب أفريقيا".

وحث المنظمات الموقعة على البيان الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها، والمجتمع الدولي كاملاً على تنفيذ كافة القرارات الصادرة بالخصوص، كقرار مجلس الأمن رقم 465 لعام 1980، الذي دعا جميع الدول إلى "عدم تزويد إسرائيل بأي مساعدة لاستخدامها على وجه التحديد فيما يتعلق بالمستوطنات في الأرض المحتلة".

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يُعلق على تقرير أمنستي بشأن عنصرية إسرائيل

كما دعت إلى "اتخاذ إجراءات فعالة جديدة لإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، بما في ذلك إعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، وذلك لضمان تنفيذ الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها ومن أجل وضع حد للفصل العنصري في القرن الـ 21".

مظاهرات للتنديد بعنف الشرطة

وإحياء لهذه المناسبة أيضاً، تظاهر آلاف الأشخاص في باريس ومدن فرنسية أخرى، السبت، احتجاجاً على العنصرية وعنف الشرطة.

تظاهر آلاف الأشخاص في باريس ومدن فرنسية أخرى، السبت، احتجاجاً على العنصرية وعنف الشرطة

وفي العاصمة باريس، سار المتظاهرون في وسط المدينة خلف لافتة تدين "جرائم الدولة"، وحمل آخرون لافتات كتب عليها شعار "حياة السود مهمة"، فيما تحدث العديد من المشاركين في المسيرة وسرد قصص أفراد من عائلاتهم لقوا حتفهم على أيدي الشرطة.

وتشير أرقام وزارة الداخلية إلى أنّ عدد المشاركين بلغ 2100 متظاهر، لكن منظمي المسيرة قدّروا العدد بـ 8 إلى 10 آلاف متظاهر.

وقالت وزارة الداخلية إنّ 11 احتجاجاً آخر نظّم في أماكن أخرى في فرنسا مثل بوردو وتولوز جنوب غرب البلاد وليون في جنوب شرقها، مقدرة أنّ إجمالي عدد المشاركين في هذه الاحتجاجات ناهز 1400 متظاهر.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية