في ذكرى رحيل ياسر عرفات: في الليلة الظلماء يُفتقد "الختيار"

في ذكرى رحيل ياسر عرفات: في الليلة الظلماء يُفتقد "الختيار"


13/11/2021

بقليل من الضجيج الذي لا يليق بالحدث ويأكل من دلالاته، مرت الذكرى السابعة عشر لرحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي يُنظر إليه باعتباره صائغ الكينونة السياسية الفلسطينية، الربّان الماهر المغامر الجامح الذي قاد سفينة الثورة في أعتى العواصف، وأقام صرح الدولة التي قيل عنها إنها أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي.

"أبو عمار"، الذي لا ولد له يحمل الاسم ذاته، لكن حمله فلسطينيون كثيرون توقيراً لما صار يعتبر أيقونة خالدة، مات على نحو تراجيدي بعد أن أكدت تقارير دولية ومختبرات عالمية أنه مات مسموماً في المقاطعة برام الله التي حاصرته فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي التي أيقنت أنّ ساعة الخلاص منه قد أزفت، بعد أن أحست أكثر من أي وقت مضى بأنّ خنجره يوجع خاصرتها.

كانت كوفية أبو عمّار معادلاً موضوعياً لخريطة فلسطين

في ساعات الفجر الأولى من ذلك اليوم الحزين في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2004 وقبل أن تشرق الشمس، ظهر المرحوم الطيب عبد الرحيم على شاشة تلفزيون فلسطين حزيناً دامعاً ليعلن رحيل الزعيم في مستشفى بيرسي العسكري بباريس. كلماته المؤثرة حملت الحزن والألم مع شعاع الشمس لينفذ عبر الأبواب والنوافذ ليس فقط لبيت كل فلسطيني.

يُنظر إلى ياسر عرفات باعتباره صائغ الكينونة السياسية الفلسطينية، والربّان الماهر المغامر الجامح الذي قاد سفينة الثورة في أعتى العواصف، وكانت كوفيته معادلاً موضوعياً لخريطة فلسطين

في ذلك اليوم الماطر حزناً، يستذكر الكاتب في صحيفة "القدس" المقدسية، وليد العوض، كيف خرجت الناس هائمة في الشوارع تبللها الدموع التي انهمرت مدرارة على وجوهها "وهي تبكي حزناً على رحيل قائد المسيرة ومفجر الثورة الذي عرفته وأحبته قائداً شجاعاً وأباً حانياً وسياسياً محنكاً استطاع بما امتلك من كاريزما القيادة أن يتربع في قلب كل امرأة وطفل وينال حب واحترام كل رجل وشاب، كما استطاع أن يحظى بتقدير ومؤازرة الأحرار والمناضلين في العالم أجمع، فغدت فلسطين وقضيتها ولسنوات طوال تُعرف من خلال كوفيته السمراء التي أصبحت وما زالت رمزاً للثوار والأحرار في العالم أجمع".

أب الوطنية الفلسطينية

كانت كوفيته معادلاً موضوعياً لخريطة فلسطين، وكنيته اسماً من أسمائها.عرَفنا العالَمُ، كما يقول الشاعر الفلسطيني المتوكل طه، من خلال هيأته، واجترح معجزات جعلته يتقدّم أسماء كونيّة، مِن تشي جيفارا إلى مانديلا، ولتصبح "حطّته" السمراء، شغافاً لكلّ قلب ثائر وسِمة للفدائيين في خنادق الثورات. وكان، بجدارة وحقّ، أبَ الوطنية الفلسطينية، وحادي ثورتها المعاصرة التي قدح زنادها مع معشر المؤسسين الروّاد من الشهداء وأصحاب السير المضيئة.

وربما، لفرادته، لم يتوقّع أحدٌ رحيله! لأنه نجا من أكثر من موتٍ محقّق، وبدا طائر فينيق حقيقي، يُعطي للأسطورة نسَغها وجدواها وجَمْرها الريّان.

سها عرفات، أرملة الزعيم الفلسطيني: لقد مات مسموماً

في نهاية عام 2004، مرض ياسر عرفات بعد سنتين من حصار الجيش الإسرائيلي له داخل مقره في رام الله، ودخل في غيبوبة، فنقل إلى مستشفى بيرسي العسكري بباريس ليرحل هناك عن عمر جاوز 75 عاماً.

تقول تقارير إنه لا يُعرف سبب الوفاة على التحديد، فيما قال أطباء إنّ سبب الوفاة هو تليف الكبد، ولكن لم يتم تشريح الجثة.

اقرأ أيضاً: طاهر المصري في "الحقيقة بيضاء": عرفات كان يخشى أن أحلّ مكانه

على الضفة الأخرى من المشهد تروج روايات عن أنّ ياسر عرفات وأحد ألقابه "الختيار" مات مسموماً.

ففي السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) عام  2013كشفت سها عرفات، أرملة الزعيم الفلسطيني، بعدما تسلمت نتائج تحاليل للطب الشرعي في سويسرا لعينات من جثته أنّ عرفات مات مسموماً بالبولونيوم المشع عام 2004 .

وأضافت لرويترز في باريس "نحن نكشف جريمة حقيقية.. اغتيال سياسي".

قال البروفيسور ديفيد باركلي عالم الطب الشرعي البريطاني لرويترز: من المؤكد قطعاً أنّ سبب مرض عرفات كان التسمم بالبولونيوم. المستويات التي وجدت فيه كافية للتسبب في وفاته

وكان فريق خبراء من معهد فيزياء الإشعاع في مستشفى جامعة لوزان قد فتح قبر عرفات في رام الله بالضفة الغربية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 وأخذ عينات من رفاته بحثاً عن أدلة على تسمم مزعوم.

وقالت سها عرفات التي التقت مع أعضاء من فريق الطب الشرعي السويسري في جنيف قبل يوم من تصريحها لرويترز "هذا أكد كل الشكوك التي كانت تساورنا".

دليل علمي على أنه قُتل

وأضافت "تأكد علمياً أنّ وفاته لم تكن طبيعية، ولدينا دليل علمي على أنّ هذا الرجل قتل".

ولم تتهم دولة أو شخصاً، وقالت إنّ الزعيم التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية كان له أعداء كثيرون، لكنها أشارت إلى أنّ إسرائيل وصفته بأنه عقبة في طريق السلام.

وقال واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيان في ذلك الوقت "الشهيد ياسر عرفات ذهب ضحية اغتيال وإرهاب دولة منظم وهي إسرائيل التي كانت معنية بالتخلص منه. والآن توصلت النتائج إلى أنّ البولونيوم هو الذي قتل الرئيس ياسر عرفات. هذا عمل إرهاب دولة منظم، وبالتالي لا بد من متابعة هذه المسألة".

اقرأ أيضاً: أول مسلسل تلفزيوني عن ياسر عرفات

وأنكرت حكومة إسرائيل ضلوعها في وفاته، مشيرة إلى أنّ عمره كان 75 عاماً ولم يكن يتبع نمط حياة صحياً. ولم تعلق إسرائيل بشأن النتائج الجديدة.

وقال البروفيسور ديفيد باركلي عالم الطب الشرعي البريطاني لرويترز "في رأيي من المؤكد قطعاً أنّ سبب مرضه كان التسمم بالبولونيوم. المستويات التي وجدت فيه كافية للتسبب في وفاته، فما حصلنا عليه هو "الدليل الدامغ.. الشيء الذي سبّب مرضه ووُضع له مع تعمد إيذائه".

وذكرت تقارير إعلامية أنّ مستويات البولونيوم التي عثر عليها في أضلاع عرفات وحوضه وفي التربة التي امتصت رفاته كانت أعلى من المستويات الطبيعية بثماني عشرة مرة على الأقل.

السم الذي قتل منشقاً روسياً

وكانت المادة المشعة نفسها قد دُست في فنجان من الشاي فقتلت ضابط المخابرات الروسي المنشق الكسندر ليتفيننكو في فندق في لندن عام 2006. واتهم ليتفيننكو، وهو على فراش الموت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإصدار أمر بقتله.

اقرأ أيضاً: إعادة إحياء الجنيه الفلسطيني بصور لعرفات ودرويش وإدوارد سعيد

وقال باركلي إنّ نوع البولونيوم الذي اكتشف في جثمان عرفات لا بد وأنه صنع في مفاعل نووي. وأضاف أنه في حين أنّ من الممكن أن يكون المصدرَ دول كثيرة، فلا بد وأنّ أحد المقربين من عرفات قد دس جرعة صغيرة من العنصر المشع الفتاك ربما كمسحوق في شرابه أو طعامه أو قطرات عينه أو معجون الأسنان.

وظهرت على عرفات في تشرين الأول (أكتوبر) 2004 أعراض التهاب حاد في المعدة والأمعاء مع إسهال وقيء. وقال مسؤولون فلسطينيون في البداية إنه مصاب بأنفلونزا.

الرحلة الأخيرة لعرفات للعلاج في فرنسا

ونقل جواً إلى باريس في طائرة حكومية فرنسية، لكنه دخل في غيبوبة بعد قليل من وصوله إلى مستشفى بيرسي العسكري في ضاحية كلامار، حيث توفي يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر).

وكان السبب المعلن رسمياً للوفاة هو سكتة حادة، لكنّ أطباء فرنسيين قالوا في ذلك الوقت إنهم غير قادرين على تحديد أصل مرضه. ولم يجر تشريح للجثمان.

اقرأ أيضاً: ياسر عرفات في ذكرى رحيله: سياسي مراوغ أم قائد تاريخي؟

وشكك بعض الخبراء فيما إذا كان عرفات مات مسموماً بالبولونيوم، وأشاروا إلى تعاف قصير أثناء مرضه قالوا إنه لا يتسق مع التعرض لمادة مشعة. وأشاروا أيضاً إلى أنه لم يفقد شعره بالكامل. لكن باركلي قال إنّ أياً من هاتين الحقيقتين لا تتناقض مع النتائج.

وأضاف أنّ البولونيوم يفقد 50 في المئة من قدرته الإشعاعية كل أربعة اشهر، ولذلك فإنّ الآثار في جثمان عرفات كانت ستتلاشى لدرجة ألا يمكن تعقبها لو أنّ الاختبارات أجريت بعد عامين من الموعد الذي أجريت فيه.

وقال إنّ "كمية ضئيلة من البولونيوم في حجم قشرة من الرأس ستكون كافية لقتل 50 شخصاً إذا أذيبت في الماء وشربوها".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية