كسب الإسلاميين وراء تحرش حكومة الدبيبة بتونس ومصر

كسب الإسلاميين وراء تحرش حكومة الدبيبة بتونس ومصر


05/07/2022

الحبيب الأسود

تواجه العلاقات بين طرابلس وكل من تونس والقاهرة حالة من الغموض ومخاوف من أن تتجه إلى المزيد من التأزم، في ظل انعكاسات الوضع السياسي الليبي الحالي وحالة الانقسام الحكومي ونهاية آجال خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي، على جسور التواصل مع دول الجوار، خصوصا مع ظهور ما بات يوصف في غرب ليبيا بزلاّت البيانات الرسمية الصادرة عن جهات مختلفة.

فمنذ الأحد الماضي، شن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي موالون لحكومة عبدالحميد الدبيبة هجوما على تونس، بعد اتهامها بمحاولة الاستحواذ على أمتار من تراب بلادهم، وذلك بعد أن أعلنت جهات أمنية في ليبيا رصدها عملية إزاحة للعلامات الدالة على ترسيم الحدود بين ليبيا وتونس بمسافة نحو 150 مترا شرقا ونحو 6 كلم جنوبا داخل الأراضي الليبية.

وبعد أن اتسعت دائرة ردود الفعل المسيئة لتونس، ولاسيما من قبل الصفحات الموالية لجماعات الإسلام السياسي وحلفائها، اضطرت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة إلى نفي الموضوع جملة وتفصيلا، والتأكيد على أن الحدود “محددة بإحداثيات واضحة ومعتمدة بناء على اتفاقية العام 1910 بين البلدين الشقيقين”، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، حيث تداولت وسائل الإعلام الرسمية التابعة لحكومة الدبيبة أن آمر المنطقة العسكرية بالساحل الغربي صلاح الدين النمروش (وزير الدفاع السابق في حكومة الوفاق والقريب من تركيا ومن تيار الإسلام السياسي)، قام في إطار متابعته للجنة ترسيم الحدود المشتركة مع تونس، بجولة تفقدية للمنطقة الحدودية الغربية مع تونس، وأكد أن الأمن والاستقرار لا يتأتيان إلا من خلال تأمين الحدود بعد إعادة ترسيمها، وفق ما ورد في البلاغ الرسمي، وهو ما يشير بوضوح إلى أن سلطات طرابلس تخطط للدفع بالعلاقات مع تونس إلى أزمة مصطنعة بدعوى العمل على إعادة ترسيم الحدود المشتركة.

وأرجع محللون ليبيون الحملة الممنهجة ضد تونس إلى موقف الإخوان في ليبيا وحلفائهم المعادي للحركة التصحيحية التي دشنها الرئيس قيس سعيّد منذ يوليو 2021، باعتبارها قد أطاحت بحكم حركة النهضة الإخوانية وأنهت عشرة أعوام من سيطرة الإسلام السياسي على المشهد السياسي العام في الدولة المجاورة، مشيرين إلى أن ما تم الحديث عنه من بسط تونس نفوذها على بعض الأمتار من التراب الليبي لا يتجاوز أن يكون زوبعة في فنجان، وهو ما جعل السلطات الرسمية التونسية تتجاهله، وترفض الرد عليه.

وذكّرت أطراف تونسية بأن العلاقات مع سلطات طرابلس تمر بأزمة صامتة، لا تقطع سكونها بين الحين والآخر إلا تصرفات أو تصريحات مسؤولين حكوميين أو من شخصيات محسوبة على القوى السياسية القريبة من حكومة الوحدة الوطنية، وهو ما جعل تونس تعتذر في أبريل الماضي عن استقبال رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة وفريقه الوزاري، وتبرر ذلك بأن الأمر لا يزال في حاجة إلى المزيد من التنسيق.

 وتسعى حكومة الدبيبة إلى التحرش ببعض دول الجوار بهدف الترويج لنفسها على أنها حريصة على حماية السيادة الوطنية، وتصدير أزماتها الداخلية، وإلهاء الرأي العام الداخلي بمواضيع هامشية على حساب القضايا المصيرية، والتي يأتي في مقدمتها نهب ثروات البلاد من قبل شبكات الفساد المتغلغلة داخل أجهزة الحكم.

وفيما تعمل حكومة الدبيبة بكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات على استرضاء السلطات الجزائرية، رغم وجود خلافات حدودية متوارثة، وخاصة منها تلك المتعلقة بمناطق غدامس وغات، إلا أنها لا تكف عن التحرش بجارتها تونس، وهو ما يرى فيه بعض المهتمين بالعلاقات الثنائية اختلاقا للأزمات من قبل صانعي القرار في طرابلس.

إلى ذلك، أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، “وضع ترتيبات لوجستية وأمنية مشتركة لحل كافة المختنقات والعوائق بمعبر مساعد الحدودي، بما يكفل يسر وسهولة حركة المسافرين من المعبر”، وذلك “في إطار التواصل مع السلطات المختصة بجمهورية مصر العربية”.

ويرى مراقبون أن هذا القرار يأتي لتجاوز الخلافات التي عرفتها العلاقات بين طرابلس والقاهرة خلال الأيام الماضية، حيث اتهمت وزارة الخارجية بحكومة الدبيبة السلطات المصرية بإساءة معاملة المواطنين الليبيين على معبر السلوم الحدودي بين البلدين، وأبلغت القائم بأعمال السفارة المصرية تامر مصطفى بأن “إساءة معاملة المواطنين الليبيين تشمل الانتظار داخل الصالة المخصصة للجوازات لساعات طويلة، تصل إلى خمسة عشر ساعة من دون مراعاة للحالات الإنسانية ومن دون وضوح الأسباب أو الموانع القانونية التي تؤدي إلى ذلك، فضلا عن المعاملة السيئة التي تصل إلى حد التعدي بالسب على المسافرين الليبيين، والإشكاليات الأخرى الموجودة داخل المعبر”، وهو ما نفته الخارجية المصرية التي أكدت في بيان أن “الحكومة المصرية توفر كافة سبل الرعاية وحسن المعاملة للأشقاء الليبيين”، داعية إلى “ضرورة تحري الدقة في ما يُنقل من بيانات بشأن أوضاع جاليتي البلدين، بما يتلاءم مع خصوصية العلاقات المصرية الليبية”.

وكان الدبيبة قد زار القاهرة في سبتمبر 2021، حيث تم استقباله من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن السلطات المصرية فوجئت بتسريب تسجيل صوتي للمسؤول الليبي يشكك فيه في نزاهة القضاء المصري.

وجاء في التسريب الصوتي الذي تم تسجيله عن طريق هاتف نقال، خلال كواليس لقاء رسمي بين رؤساء حكومتي مصر وليبيا، تشكيك الدبيبة في المحاكم المصرية، وطالب بتدخل حكومي بإحدى القضايا المعروضة أمام القضاء المصري.

وحاول الدبيبة من خلال ذلك التسريب المنافي لكل التقاليد الدبلوماسية ولشروط البروتوكول المعتمد في الزيارات الرسمية، إحراج السلطات المصرية وإقناع الليبيين بأنه يدافع عن حقوقهم من داخل مكتب رئيس مجلس الوزراء المصري، ولا سيما أن الحادثة جاءت في سياق الحراك الشعبوي الذي قام به فريقه بهدف تلميع صورته والترويج لشخصه كمرشح للانتخابات الرئاسية، التي كان من المقرر تنظيمها في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي.

ويأتي التحرش بتونس ومصر في سياق المشهد العام لغرب ليبيا وللعاصمة طرابلس الخاضعة لسيطرة الميليشيات، والتي لا تزال تعتبر نفسها جزءا من المحور القطري – التركي الإخواني رغم التحولات الأخيرة في مواقف الدوحة وأنقرة، والحاضنة الأخيرة لتيار الإسلام السياسي ولمشروعه الذي أفرزه الربيع العربي، ليتبلور كحالة ثورية راديكالية تجسده سلطة الميليشيات.

وخلال الأسابيع الماضية، أكد الدبيبة ولاءه للمفتي المثير للجدل والمعروف بفتاويه المتشددة الصادق الغرياني، وفتح الباب أمام إمكانية التحالف السياسي مع الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بالحاج بفسح المجال أمامه للعودة إلى طرابلس، بعد سنوات من مغادرتها، وسعى للتقرب من متشددين فروا من بنغازي والجنوب من ضربات الجيش الوطني في المنطقتين الشرقية والجنوبية.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية