كيف تتخذ الأطراف المتصارعة حقوق الإنسان حذاء للركض السياسي؟

كيف تتخذ الأطراف المتصارعة حقوق الإنسان حذاء للركض السياسي؟

كيف تتخذ الأطراف المتصارعة حقوق الإنسان حذاء للركض السياسي؟


15/07/2023

منذ أن اشتعلت الحرب في أوكرانيا، في 24  شباط (فبراير) 2022، فقدت جميع الأطراف السياسية رصيدها الأخلاقي في التقيد بالنزاهة والمعايير الضابطة لحرية تسييل المعلومات.

وفي ضوء ذلك جرى تسييس كل شيء، سواء كان سلعة غذائية أو استثماراً تجارياً، أو حذاءً يضرب به اللاعبون الكرات ويستقبلونها. وصارت حقوق الإنسان هي الشماعة التي تعلّق عليها جميع الأطراف هواجسها ودعايتها التي دشّن مشروعها الأكبر وزير الدعاية في ألمانيا النازية جوزيف غوبلز.

آخر منتجات هذه البروباغندا، أو هكذا يخيل للناظر (للوهلة الأولى) أنّ هيئة مراقبة الأخلاقيات في كندا بدأت تحقيقات بشأن مزاعم بأن شركة نايكي وشركة لتعدين الذهب، استفادتا من العمل القسري للأقلية المسلمة الصينية "الإيغور" لإنجاز أشغالهما في الصين.

وتأتي التحقيقات، كما أفاد تقرير لـ"بي بي سي" استجابة لشكاوى قدمها تحالف من جماعات حقوق الإنسان.

نايكي تتبرأ من التهمة

وتقول شركة نايكي إنها لم تعد تربطها علاقات مع الشركات المتهمة باستغلال الإيغور في العمل القسري.  ونايكي (Nike) هي شركة أمريكية كبيرة لإنتاج الملابس والأحذية والأدوات الرياضية. استلهمت اسمها من آلهة النصر الإغريقية نايكي.

أما شركة داينستي جولد، المتخصصة في تعدين الذهب، فتقول إنّ هذه المزاعم ظهرت بعد مغادرتها منطقة شينجيانع الصينية، ذات الأغلبية المسلمة.

وتوظف البي بي سي، في سبيل إدانة الصين، المتحالفة ضمناً مع روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، تقريراً للأمم المتحدة، صدر عام 2022، خلص إلى أنّ الصين ارتكبت "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" ضد الإيغور، وهم أقلية عرقية مسلمة تعيش في إقليم شينجيانغ في أقصى شمال غربي الصين. وقال إنّ هذه الاتهامات "قد تشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية"، في حين تنفي بكين تلك الاتهامات.

نايكي: لا علاقة لنا باضطهاد الإيغور

تكرار هذا التوظيف من وسائل إعلام غربية جعل الأمر مكشوفاً، أو هكذا يتجلى من النظرة الأولى، إذ يقرأ الأمر برمته بأنه استهداف للصين التي تعد الخصم السياسي والاقتصادي الأكبر للولايات المتحدة، حيث تود الأخيرة أن تظهر في كل مناسبة أنّ الصين قامعة للحريات ومضهدة للأقليات، وفاتكة بالماء والهواء والشجر!

ويعد التحقيق الكندي هو الأول من نوعه الذي تُعلن عنه هيئة الشكاوى ضد المؤسسات المسؤولة، منذ إطلاق آلية الشكاوى عام 2021.

وتزعم الهيئة أنّ شركة نايكي في كندا تربطها علاقات مع العديد من الشركات الصينية الموردة. ويقول مركز أبحاث أسترالي إنّ الشركات الصينية تستخدم أو تستفيد من العمالة القسرية للإيغور.

علاقات صينية كندية متوترة

وتشهد العلاقات الصينية الكندية توتراً متزايداً، حيث دانت بكين، في الخامس من أيار (مايو) الماضي، ما وصفته بـ"افتراء وتشهير لا أساس لهما" من قبل كندا، التي استدعت السفير الصيني في أوتاوا وتنظر في طرد دبلوماسيين صينيين متّهمين بالسعي لترهيب نائب كندي ينتقد بكين.

ونشرت صحيفة "غلوب أند ميل" الكندية، آنذاك، تقريراً قالت فيه إنّ الحكومة تغاضت عن "التدخّلات" المفترضة من جانب السلطات الصينية في الشؤون الكندية، وفق وكالة فرانس برس.

صارت حقوق الإنسان هي الشماعة التي تعلّق عليها جميع الأطراف هواجسها ودعايتها التي دشّن مشروعها الأكبر وزير الدعاية في ألمانيا النازية جوزيف غوبلز

وذكرت الصحيفة أنّ وكالة الاستخبارات الصينية خططت لفرض عقوبات على النائب مايكل تشونغ وأقارب له يقيمون في هونغ كونغ، بسبب تصويته في شباط (فبراير) 2021 لصالح مشروع قانون يصنّف معاملة الصين لأقلية الإيغور على أنّها ترقى لـ"إبادة جماعية".

في عام 2020، نشر معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي تقريرا يُقدر أنه تم نقل أكثر من 80 ألفاً من الإيغور للعمل في المصانع في جميع أنحاء الصين.

ويقول التقرير إنّ شركة نايكي لم تتخذ "أي خطوات ملموسة تضمن - وبما لا يدع مجالاً للشك - أن سلاسل التوريد الخاصة بها غير ضالعة في العمل القسري".

وتقول شركة نايكي إنّها لم تعد تربطها بهذه الشركات أي صلات، وإنها قدمت كل المعلومات بشأن التزامها بجمع وتحليل المعلومات قبل اتخاذ أي قرار.

وفقا لتقرير المعهد الأسترالي، رفضت نايكي عقد أي اجتماعات مع هيئة الشكاوى، لكنها أرسلت رسالة تقول فيها "نحن قلقون بشأن تقارير العمل القسري في إقليم شينجيانغ المتمتع بالحكم الذاتي".

اتهامات لشركة نايكي بـ"النفاق"

وتضيف نايكي: "لا تصدر شركتنا أي منتجات قادمة من إقليم شينجيانغ، وقد أكدنا لموردينا المتعاقدين معهم، على عدم استخدام المنسوجات أو خيوط الغزل من تلك المنطقة".

أما التقرير الخاص بشركة داينستي جولد، فيشير إلى أنّ الشركة استفادت من استغلال الإيغور في العمل القسري، في منجم في الصين تمتلك فيه الشركة حصة الأغلبية.

وتقول الشركة إنها لا تملك سيطرة تشغيلية على المنجم، وإنّ هذه المزاعم ظهرت بعد مغادرتها المنطقة.

وقال آيفي تشونغ، الرئيس التنفيذي لشركة داينستي، لشبكة "سي بي سي" إنّ التقرير الأولي "لا أساس له من الصحة على الإطلاق".

انتهاكات محتملة

ولدى هيئة مراقبة الأخلاقيات تفويض بمساءلة شركات الملابس والتعدين والنفط والغاز الكندية العاملة خارج البلاد، عن انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة والتي قد تحدث جراء أشغالها في الخارج، بما في ذلك سلاسل التوريد الخاصة بها.

وقالت رئيسة هيئة الشكاوى الكندية شيري مايرهوفر، في نسخة من تقييمها الأولي التي نُشرت الثلاثاء الماضي:"على ما يبدو، فإنّ المزاعم التي أدلى بها المشتكون تثير قضايا خطيرة فيما يتعلق بالانتهاكات المحتملة للحق المعترف به دولياً في التحرر من العمل القسري".

الاهتمام الكندي بقضية الإيغور متصل بحقوق الإنسان، بلا ريب، لكنّ المحفز السياسي يكتنف التفاصيل التي تعكس الأزمة بين الصين وكندا، وافق البرلمان الكندي بالإجماع، الأربعاء، على اقتراح لاستقبال 10 آلاف من اللاجئين الإيغوريين الفارين من الصين والذين يواجهون ضغوطاً من بكين للعودة.

يتجلى توظيف مأساة الإيغور باعتباره استهدافاً للصين الخصم الأكبر للولايات المتحدة، حيث تود الأخيرة أن تظهر في كل مناسبة أنّ الصين قامعة للحريات

وتتهم جماعات حقوقية دولية بكين، بأنها كانت تحتجز في معسكرات ما لا يقل عن مليون شخص، معظمهم من الإيغور، وبإجراء عمليات تعقيم وإجهاض "قسرا"، أو بفرض "عمل قسري"، وانتهاكات حقوقية أخرى.

وتنفي الصين هذه الاتهامات، وتؤكد أنّ "المعسكرات"، التي أُغلقت الآن، هي في الواقع "مراكز للتدريب المهني" تهدف إلى إبعاد السكان عن التطرف الديني ومكافحة الإرهاب.

وفر عشرات الآلاف من سكان الإقليم، وفقاً لعضو البرلمان الكندي، سمير زبيري، الذي رعى الاقتراح، كاشفاً اعتقال ما لا يقل عن 1600 شخص في دول أخرى بأمر من الصين أو تم ترحيلهم قسراً.

وأشار زبيري إلى أنّ رئيس الوزراء، جاستن ترودو، ومجلس وزرائه صوتوا لصالح الاقتراح، في إشارة إلى "نية الحكومة لتحقيق ذلك" على الرغم من أنها غير ملزمة، حسبما نقلته، قبل بضعة أشهر، صحيفة "الغارديان" البريطانية، وأعادت نشره قناة "الحرة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية