كيف تستعد القيادة الإيرانية لإحباط إحياء ذكرى مقتل مهسا أميني؟

كيف تستعد القيادة الإيرانية لإحباط إحياء ذكرى مقتل مهسا أميني؟

كيف تستعد القيادة الإيرانية لإحباط إحياء ذكرى مقتل مهسا أميني؟


09/09/2023

يصادف السادس عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري الذكرى السنوية الأولى لمقتل الفتاة الإيرانية "الكردية" مهسا أميني، بعد اعتقالها من قبل "شرطة الأخلاق الإيرانية" لمخالفتها أحكام ارتداء الحجاب الإسلامي، ومقتلها في المعتقل بظروف غامضة، وتردد أنّ مقتلها تم على أيدي الشرطة الإيرانية، وسرعان ما تحول مقتل أميني إلى قضية رأي عام، وأطلق انتفاضة جديدة استمرت أكثر من (4) أشهر، وشملت غالبية المحافظات الإيرانية، بما فيها طهران ومحافظات توصف بأنّها معاقل للنظام الإيراني، وشكلت هذه الانتفاضة تهديداً "جادّاً" للنظام الإيراني، ذلك أنّها تجاوزت مرجعية انطلاقها بمقتل فتاة، وتحولت إلى انتفاضة ضد النظام وسياساته الاقتصادية والإقليمية، لا سيّما أنّها شملت قطاعات مختلفة "الطلبة وأساتذة الجامعات، والعمال في قطاعات مختلفة منها القطارات والمنشآت النفطية، والأساتذة وطلبة المدارس،... إلخ"، وهو ما دفع النظام للتعامل مع الانتفاضة بأساليب وصفت بـ "العنيفة جداً" أسفرت عن مقتل ما يقارب (500) مواطن إيراني من المتظاهرين في المحافظات الإيرانية، بالإضافة إلى اعتقال الآلاف وإصدار أحكام بسجن الكثير منهم لمدد طويلة.

يصادف السادس عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري الذكرى السنوية الأولى لمقتل الفتاة الإيرانية "الكردية" مهسا أميني

وتشهد إيران استعدادات متبادلة من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية لإحباط أيّ حراك قادم، بالتزامن مع حراك نشطاء في غالبية المحافظات الإيرانية ومن خارج إيران للاحتفال بذكرى مرور عام على مقتل أميني، واستئناف الانتفاضات من جديد، وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تكثيفاً في نشر استعدادات شاملة للاحتفال بالمناسبة، وبما يجعل المناسبة تتجاوز القضايا الحقوقية والحريات، لتطرح مطالب مرتبطة بالوضع المعيشي، وغلاء الأسعار، مع كشف ملفات فساد مرتبطة بالقيادة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني، ومن جانبها كثفت القيادة الإيرانية استعداداتها لـ "فرملة" أيّ انتفاضات متوقعة، وشرعت منذ عدة أشهر بتنفيذ خطط أمنية وإعلامية مدروسة، تتضمن استعدادات واسعة وبمستويات وأساليب متنوعة، يتم تنفيذها بدقة عالية على المستويين الإجرائي والإعلامي، وعلى النحو التالي:

أوّلاً: شن حملات اعتقال وتوقيف واسعة شملت أفراداً من عائلة مهسا أميني ونشطاء في حركات حقوقية من قادة الانتفاضة المتوقعة وأساتذة جامعات وفنانين، فقد اعتقلت السلطات وفقاً لمنظمات حقوقية "صفاء عائلي، وهو شقيق والدة مهسا"، ولعب دوراً في تفنيد مزاعم شرطة الأخلاق الإيرانية خلال الانتفاضة حول سبب وفاتها وسيرتها المرضية، كما تم اعتقال المغني "مهدي يراحي" وهو من مناطق الأحواز، وصاحب أغنية مؤيدة لـ "الحجاب الاختياري"، التي اكتسبت شهرة واسعة بعد انتفاضة العام الماضي، كما تم توقيف أكثر من (11) امرأة من الحقوقيات، اللواتي نشطن في الانتفاضة، وفي الجامعات تم رصد قائمة بأكثر من (22) أستاذاً جامعياً تعرضوا للطرد أو الإيقاف عن العمل، حسب تلك المنظمات، بالإضافة إلى استدعاء أعداد كبيرة من عائلات الضحايا، خلال الانتفاضة، واحتجاز أعداد منهم، وتشير تسريبات من داخل إيران إلى أنّ غالبية المدن الإيرانية، بما فيها طهران ومناطق شمال غرب إيران "مسقط رأس مهسا أميني" تشهد تواجداً وانتشاراً أمنياً مكثفاً، تحسّباً لانطلاق انتفاضة جديدة، ولإرسال رسائل للشارع الإيراني باستعداد السلطات للتعامل بقوة مع أيّ تحركات.

شكلت انتفاضة مهسا أميني تهديداً "جادّاً" للنظام الإيراني، ذلك أنّها تجاوزت مرجعية انطلاقها بمقتل فتاة، وتحولت إلى انتفاضة ضد النظام وسياساته الاقتصادية والإقليمية

ثانياً: التوسع في الإعلان عن نجاحات حققتها الأجهزة الأمنية الإيرانية في اكتشاف خلايا وشبكات تجسس تعمل لصالح أمريكا وإسرائيل وقوى غربية، تستهدف مجمعات الصناعات الحربية الصاروخية والنووية الإيرانية، وغالبيتها عمليات يرجح أنّه تمّ تضخيمها وبناؤها وفقاً لسرديات إيرانية مدروسة، هدفها حرف أنظار الرأي العام الإيراني عن أوجاعه الحقيقية، وتضمين مثل هذه الروايات من تأكيدات رسمية على أنّ إيران مستهدفة، وأنّه يجب الاهتمام بالأمن الداخلي من زاوية مواجهة الأعداء في الداخل الإيراني، وعدم تمكين الأجنبي العدو من تحقيق هدفه باختراق الأمّة الإيرانية، ويشار هنا إلى أنّ مثل هذه الرواية تنسجم مع الرواية الإيرانية حول اتهام المشاركين في الانتفاضات بأنّهم ينفذون تعليمات من الخارج، ويتلقون دعماً "مالياً وفنياً" من أجهزة استخبارية معادية.

تشهد إيران استعدادات متبادلة من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية لإحباط أيّ حراك قادم

ثالثاً: إعادة إنتاج سرديات الصراع وفقاً لإيديولوجيا القيادة الإيرانية، وذلك عبر المبالغة في الاحتفالات الخاصة بالمناسبات الدينية الشيعية "أربعينية الحسين"، وسياسياً بمرجعية ديمومة الصراع مع أمريكا والغرب من جهة، ومع الإرهاب التكفيري "الوهابي" الذي يقوده تنظيم (داعش) من جهة أخرى، ويشار هنا إلى العملية التي راح ضحيتها (4) مواطنين إيرانيين في مزار ديني شيعي بمدينة شيراز أوائل شهر آب (أغسطس) الماضي، وقد أعلنت السلطات الإيرانية في رواية مرتبكة مسؤولية تنظيم (داعش) عن العملية، في الوقت الذي لم يتبنَّ فيه (داعش) هذه العملية خلافاً لعملياته السابقة، وهو ما يطرح تساؤلات فيما إذا كانت السلطات الإيرانية ستعلن عن عمليات جديدة لتنظيم (داعش) خلال الأيام القليلة القادمة، وبالتزامن يكثف الخطاب الإعلامي الإيراني الرسمي إصداراته ورواياته التي تؤكد على نجاحات إيران في مواجهة أمريكا بمياه الخليج، وفي العراق وشرق سورية، مع إعلانات متكررة عن إنتاج وتطوير صناعات حربية جديدة من بينها صواريخ فرط صوتية، وتسويق صفقتها مع أمريكا حول تبادل المعتقلين باعتبارها انتصاراً إيرانياً، دون تقديم أيّ تنازلات لأمريكا.

القيادة الإيرانية لا تملك إلّا حلولاً أمنية لمواجهة الانتفاضات، فهي تفتقد القدرة حتى على الاعتراف بكيفية التصرف بالمليارات المفرج عنها في إطار صفقة السجناء مع واشنطن، وعليه فلا يستبعد أن تكون ردود فعل السلطات الإيرانية هذه المرة أشدّ عنفاً من المرات السابقة

وفي الخلاصة؛ فإنّه رغم أنّ الظروف والأسباب المؤسسة لإمكانية انطلاق انتفاضة جديدة، لأسباب متعددة، في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية والفساد، وباستثمار ذكرى مقتل مهسا أميني، إلّا أنّ المؤكد أنّ القيادة الإيرانية لا تملك إلّا حلولاً أمنية لمواجهة الانتفاضات، فهي تفتقد القدرة حتى على الاعتراف بكيفية التصرف بالمليارات المفرج عنها في إطار صفقة السجناء مع واشنطن، وعليه فلا يستبعد أن تكون ردود فعل السلطات الإيرانية هذه المرة أشدّ عنفاً من المرات السابقة، وسوف تستثمر طهران خطابات التهدئة المتبادلة مع خصومها، بعد صفقة تبادل السجناء، والإشارات المتكررة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد على غرار صفقة تبادل السجناء، ومن المؤكد أنّ المواقف الغربية تجاه أيّ انتفاضة جديدة في إيران، ستكشف حدود الصفقة بين واشنطن وطهران، وهو ما لا يتحدث عنه الطرفان، في ظل مقاربات إيرانية تشترط دوماً إبقاء جوانب "سرّية" في اتفاقياتها.

مواضيع ذات صلة:

مشروع قانون أمريكي يحمل اسم مهسا أميني... هذا ما جاء فيه

بعد 6 أشهر... شهادات جديدة حول مقتل مهسا أميني التي أشعلت تظاهرات إيران

ماذا أخفقت "لحظة مهسا أميني" في إسقاط النظام الإيراني؟

الصفحة الرئيسية