كيف تسلل الإخوان المسلمون إلى فرنسا؟.. عالمة أنثروبولوجيا تجيب

كيف تسلل الإخوان المسلمون إلى فرنسا؟.. عالمة أنثروبولوجيا تجيب

كيف تسلل الإخوان المسلمون إلى فرنسا؟.. عالمة أنثروبولوجيا تجيب


12/10/2023

على مدى العقود السابقة استثمر تنظيم الإخوان المسلمين في أوروبا خطاب المظلومية ومناخ الحريات والأنشطة الجمعياتية لتكوين بنية تنظيمية قوية خدمة لأجنداته السياسية، ممّا سمح لها بالتوغل داخل المجتمعات الأوروبية والمجتمع الفرنسي بشكل خاص، ليس فقط على الصعيد الاجتماعي، بل حتى السياسي أيضاً.

الجماعة، وعملاً على التمكين والتسلل إلى المجتمع الفرنسي، تبنت مثلاً أعلى، ألا وهو   الثيوقراطية، بحسب تحقيق نشرته لورنس بيرجو- بلاكلر عالمة أنثروبولوجيا، مكلفة بالأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي (HDR)، في مجموعة أبحاث المجتمعات والأديان والعلمانية في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا (باريس)، وقد قامت بنشر كتاب: الإخوان وشبكاتهم، التحقيق، عن دار النشر أوديل جاكوب.

وبينما يترسخ هذا الموضوع لدى الرأي العام، يصبح من الضروري معرفة كيفية عمله وأهدافه.

يُسلط التحقيق الذي أنجزته فلورنس بيرجو-بلاكلر الضوء على أهمية هذه الظاهرة التي غالباً ما يُساء فهمها، وكذا على الروابط المترامية الأطراف التي تشكلت في أوروبا.

المركز العربي لدراسات التطرّف سلط الضوء على التحقيق، ونشر حواراً مع بيرجو-بلاكلر، أكدت فيه أنّ الإخوان، في نظرها، ليسوا تياراً عقائدياً ولا مدرسة فقهية، بل حركة سياسية دينية، منحت نفسها مهمة تنظيم بوصلة جميع المسلمين نحو الهدف نفسه: إقامة الدولة الإسلامية العالمية.

وفي تعريفها للجماعة، قالت: إنّها "نظام عمل"، يحاول توجيه المكونات اللّاهوتية والقانونية المختلفة للإسلام، من "الوسط"، من النسخ الأكثر ليبرالية إلى تلك الأكثر حرفية من خلال الصوفية، بغرض تحقيق النبوءة النهائية.

توغلت الجماعة داخل المجتمعات الأوروبية والمجتمع الفرنسي بشكل خاص

وحول نبوءة الخلافة، والسياق الذي ولدت فيه جماعة الإخوان المسلمين وأهدافها، قالت بيرجو-بلاكلر: "لن نتمكن من فهم ظواهر معقدة وواسعة النطاق مثل سوق الحلال المعولم، أو تحجب النساء في جميع القارات، إذا ما أغفلنا خطتها، ورؤيتها للعالم، وحقيقة أنّ جماعة الإخوان المسلمين مركزة على مهمتها".

وأضافت أنّ الأمر لا يتعلق بإقامة دولة إسلامية على صورة (الرقة)، بل بإقامة المجتمع الإسلامي الحديث والمعولم. وأنّ مشروع الإخوان رأى النور في أوروبا والولايات المتحدة منذ الستينيات من قبل الطلاب الإسلاميين المنفيين، الذين كانوا يتمتعون بالحرية الكاملة في ظل نظام ديمقراطي للتفكير في شكل معولم ومنافس من الإسلاموية يتكيف مع العالم غير الإسلامي.

ولفتت إلى أنّ الأبعاد الـ (3) للإخوان، التي تستخدم أساليبها هي: الخداع والانحراف والتلاعب والتخريب، بدلاً من الحرب المباشرة، وهي ما تسميه ثلاثية الرؤية، والهوية، والخطة.

فالإخوان يشتركون في رؤية عالمية، وهوية عابرة للحدود الوطنية تتجاوز الحدود الثقافية والعرقية والعنصرية، ولكنّ البُعد الأكثر أهمية الذي يجب تسليط الضوء عليه هو البُعد الخاص بالخطة، وهو البُعد الذي يراه المراقبون الأكثر غموضاً، على الرغم من أنّه ضروري لفهم كيفية اندماج المعايير الإسلامية مع العالم الحديث، ووفقاً للمبادئ الأساسية التي تتطور وتتكيف باستمرار مع تطوره.

الإخوان يستخدمون أساليب الخداع والانحراف والتلاعب والتخريب بدلاً من الحرب المباشرة

وتابعت: "الحقيقة أنّنا ارتكبنا خطأ في اختزال الحركة الإسلامية في إيديولوجيا سياسية زمنية، بينما هي سياسية دينية، وبالتالي تشمل ما هو دُنيوي وما هو غيبي، وتتنبأ بالقيامة وباليوم الآخر ونظام لعدّ أعمال البشر، مثل صكوك الغفران الكاثوليكية، ولكنّها فردية وجماعية".

عالمة الأنثروبولوجيا اعتبرت أيضاً أنّنا "لن نتمكن من فهم ظواهر معقدة وواسعة النطاق مثل سوق الحلال المعولم، أو تحجب النساء في جميع القارات، إذا ما أغفلنا خطتها، ورؤيتها للعالم، وحقيقة أنّ جماعة الإخوان المسلمين مركزة على مهمتها.

فعلى مدى فترة طويلة، يتحرك الإخوان المسلمون وفق خطط متتالية، ويخصصون لأفعالهم طاقة هائلة؛ لأنّه ليس عليهم التشكيك في أسس الوجود ولا مسألة الخلاص، فالأمر محسوم. كل شيء موجود في القرآن والسنّة، ولا شيء غير ذلك. لقد أنزل الله كتابه من قبل، وكل ما علينا فعله هو اكتشاف ما تم الكشف عنه باستخدام وسائل العلوم الإنسانية لاستعادة القوة، وبالتالي هزيمة الغرب.

يتحرك الإخوان المسلمون وفق خطط متتالية، ويخصصون لأفعالهم طاقة هائلة

وهذا ما يسميه الإخوان "أسلمة المعرفة" التي يمكن أن تتبع جميع المسارات العلمية ما دامت مقيدة بالحقيقة الإلهية السماوية. ويعتبر التفكير خارج هذا الإطار ممنوعاً وحراماً وبدعة. والتفكير في هذا الإطار هو مهمة، ومثل أيّ عمل مستحسن يوفر إمكانية العتق من لهيب الجحيم (الذي يبرز تهديده باستمرار)، وتذوق نعيم الجنة ومباهجها، وهي المعتقدات التي تتعايش بشكل جيد جداً مع مستوى علمي وتكنولوجي جيد، وهو الأمر الذي حيرني كثيراً في البداية.

وحول ما إذا كانت مطالب الإخوان المسلمين مكتوبة صراحة في القرآن، وما إذا كان للإخوان نمط خاص لفهم النصوص القرآنية، قالت بيرجو- بلاكلر: إنّ الإخوان المسلمين يعتمدون على السور القرآنية والسنّة النبوية التي تضم أفعال النبي محمد وأقواله (الأحاديث) الصحيحة أو القليلة الصحة.

وأشارت إلى أنّ هذه الأحاديث روتها سلسلة من الرواة تُسمّى الإسناد، تقاس بها قوة محتواها أو ضعفها. وكل تأويل للحديث هو نمط معين لفهم النص، وتابعت: "لنفترض أنّ الإخوان المسلمين سلفيون أصوليون لديهم مقاربة حرفية للنص، لكن ما يهمهم والذي يوجه تأويلهم هو الغاية المتمثلة في الخلافة، والوسائل التي يجب تنزيلها لبلوغها، ويجب بالتالي أن يبرز الإسلام في كل مكان، فهو يهتدي بذلك".

بيرجو- بلاكلر: الإخوان نظام تمييزي وعنصري وتبشيري، لكن عندما يتعلق الأمر بالبحث عن المال والشرعية، فهو يعرف كيف يخفي ذلك، إذ إنّ ذلك مباح

وفي إجابة عن سؤال حول نية الإخوان إنشاء حركة دينية عالمية كبيرة، هدفها إقامة الخلافة عن طريق الإسلام؛ وكيف يتصرفون؟ وما هي هياكلهم وطرائق عملهم؟

قالت: إنّ العقيدة الأساسية للإخوان هي الوسطية (الإسلام الوسطي)، وهو مصطلح تناوله يوسف القرضاوي وطوره واستلهمه من حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928. القرضاوي، الذي تم اعتباره، بشكل مموّه، شخصية فظة وغير متعلمة، هو المنظر الكبير لجماعة الإخوان المسلمين، التي يسميها "الحركة الإسلامية" في خطة مستشرفة للأعوام الـ (30) المقبلة نشرت عام 1990، وهي خطة قمت بتحليلها في كتابي وتحققت إلى حد كبير.

ومن الشخصيات المؤثرة الأخرى في الإخوان هو أبو الأعلى المودودي، وهو مفكر هندي الأصل، ومهندس نظام الإسلام وأبو "أسلمة المعرفة"، حيث يُعدّ مؤلف حوالي (100) عمل حول هذه المسألة، أنّ كل شيء في الإسلام، في تآزر، ولا يمكن من غير ذلك البحث عن شيء آخر خارجه.

بيرجو- بلاكلر اعتبرت أيضاً في الحوار أنّ مكافحة الإسلاموفوبيا البنيوية أداة دعائية هائلة؛ حيث نقدم أيّ إجراء يهدف إلى فرض عقوبات على الممارسات الإسلامية التي تعتبر غير متوافقة مع القيم (مثل الحجاب) على أنّه إجراء تمييزي ومعادٍ للإسلام، إلى أن يصير المجتمع شيئاً فشيئاً متوافقاً مع الشريعة.

وقالت: إنّ الإسلام الأوروبي هو الصيغة التي اعتمدها الإخوان. كان الإسلام الأوروبي، الذي صاغه في البداية الأكاديمي الألماني من أصل سوري بسام الطيبي، قد أدى إلى إسلام تم إصلاحه ليتكيف مع السياق الأوروبي من خلال تجديد تفسير النصوص الماضية. وقد دعا إلى إزالة الشريعة والجهاد من المناهج الإسلامية في أوروبا لعدم التزامهما بالمبادئ الأساسية للديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان. وعلى العكس من ذلك، فإنّ الإخوان لا يعتزمون إصلاح الإسلام، بل إصلاح النظرة الأوروبية للإسلام.

العقيدة الأساسية للإخوان هي الوسطية (الإسلام الوسطي)، وهو مصطلح تناوله يوسف القرضاوي وطوره واستلهمه من حسن البنا

ولبلوغ ذلك، عمل الإخوان على تعميم مفهوم الإسلاموفوبيا البنيوية الذي اقترحته مؤسسة رونيميد تراست في تقرير نشر عام 1997. هذه المنظمة البريطانية التي تستلهم توجهاتها من حركة الحقوق المدنية الأمريكية، تأسست عام 1968 لمحاربة التمييز العنصري وتعزيز التعددية الثقافية، وكانت قد نشرت أول تقرير لها عن الإسلاموفوبيا، واقترحت حلولاً لتعويد المجتمع الأوروبي على وجود الإسلام.

وتُعدّ مكافحة الإسلاموفوبيا البنيوية أداة دعائية هائلة؛ حيث نقدم أيّ إجراء يهدف إلى فرض عقوبات على الممارسات الإسلامية التي تعتبر غير متوافقة مع القيم (مثل الحجاب) على أنّه إجراء تمييزي ومعادٍ للإسلام.

ويتم تقديم الاستهلاك والسلوك الحلال على أنّهما التزامات لا مفرّ منها وغير قابلة للتفاوض، ثم يصبح المجتمع شيئاً فشيئاً متوافقاً مع الشريعة. وهذه في الأساس هي الطريقة التي ساعدت جماعة الإخوان المسلمين على الانتشار في القرن الـ (21).

بيرجو- بلاكلر: الإخوان المسلمون سلفيون أصوليون، لديهم مقاربة حرفية للنص، لكن ما يهمهم، والذي يوجه تأويلهم، هو الغاية المتمثلة في الخلافة

وعن كون القيم الأوروبية شكلت الركيزة المثالية لتأسيس جماعة الإخوان وتمويل الجماعة من قبل الاتحاد الأوروبي وحدود ذلك التمويل، قالت عالمة الأنثروبولوجيا: إنّ جماعة الإخوان المسلمين تطورت على مرحلتين؛ حيث تقدّم الجيل الأول من الإخوان لأول مرة أمام المؤسسات الأوروبية التي كانت تبحث عن محاورين لتسهيل الاندماج الأوروبي، كممثلين لمسلمي أوروبا بفضل شبكات المساجد والمراكز الإسلامية التي أنشؤوها في كل دولة أوروبية.

ثانياً؛ كان الجيل الذي أعيدت أسلمته هو الذي تولى القيادة من خلال تقديم نفسه بالألوان الزرقاء المرصعة بالنجوم لما يُسمّى بالسياسات الأوروبية الشاملة والمناهضة للعنصرية، وبالتالي حصل على التمويل من مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل ومن مجلس أوروبا.

وقد استخدم العديد من جمعيات الإخوان المسلمين مجموعة الأدوات التي أتاحها مجلس أوروبا والمصممة لمساعدة الشباب الأوروبيين على مكافحة "خطاب الكراهية"، من خلال تزويدهم باللوجستيات والوسائل اللازمة لممارسة الضغط من خلال الندوات الموضوعاتية أو من خلال تنظيم حملات تواصل.

وشدّدت خلال الحوار على أنّ الإخوان نظام تمييزي وعنصري وتبشيري، لكن عندما يتعلق الأمر بالبحث عن المال والشرعية، فهو يعرف كيف يخفي ذلك؛ إذ أنّ ذلك مباح.

ولفتت إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي نتاج للعولمة، حيث تعود جذورها "الإحيائية" إلى الفترة الاستعمارية، وخاصة إلى القرن الـ (19)، عندما كانت الخلافة التركية مهددة. وقد جاءت حركة الإخوان المسلمين كردّ فعل على الاستعمار الذي ولد من رحم العولمة.

وفي إجابة عن توافق مشروع الإخوان المسلمين مع الجمهورية وكيف ازدهروا داخل الديمقراطيات العلمانية، قالت بيرجو- بلاكلر: إنّها جمهورية إسلامية، وليست جمهورية علمانية! فجماعة الإخوان المسلمين حركة ثيوقراطية يتعين عليها في نهاية المطاف أن تتخلص من الديمقراطية، وهي تتعامل في الوقت الحالي مع الأمر تكتيكياً ما دامت أوروبا أرض الخلافة.

أمّا عن منظمة التعاون الإسلامي وتعارضها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد اعتبرت أنّ إعلان حقوق الإنسان في الإسلام، المعروف بإعلان القاهرة (1990) الصادر عن منظمة التعاون الإسلامي، يؤكد تفوق الرجل على المرأة، ويعلن أنّ المساواة بين المرأة والرجل لا تكون إلا في الكرامة وفي الواجب والمسؤولية، وهو الإعلان الذي يحدّ من حرية التعبير، وأنّ جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية، وتؤكد ديباجته العنصرية على الدور الحضاري للأمّة الموحدة ودورها كمرشد للإنسانية.

وعن التركيز على الأديان الكتابية التي أدت إلى نهضة الإسلام وحده، وليس المسيحية، تعتقد بيرجو- بلاكلر أنّ الإسلام، تحت تأثير الإخوان، يفتح الطريق أمام تعبيرات تكاملية ومسيحية ويهودية أخرى ستطالب قريباً بحقها في حكم المدينة.

وأنّ مسألة العالم المسيحي تختلف عن مسألة المسيحية، فالعالم المسيحي هو الحضارة التي تم دمجها على مرّ القرون مع التعبيرات الثقافية، مشيرةً إلى أنّ أوروبا تنحدر من المسيحية، وجذورها يهودية مسيحية، وسيكون من الكارثي أن نمحو هذا التاريخ، ليس لأنّه سيترك مجالاً للإسلام أو الشذوذ، ولكن لأنّه سيكون في صالح أديان الجاهلية المقدّسة، هذه الديانات الأخلاقية والأصولية والسطحية والعقائدية التكاملية التي تنمو في الصحارى الفكرية، صحارى الكتاب ولكن أيضاً الصحوة.

الحوار الذي انتهى بالتساؤل عن إمكان التصدي لنفوذ الإخوان في أوروبا، أكدت فيه عالمة الأنثروبولوجيا أنّ الخطوة الأولى من أجل ذلك هي فهم آليات تنظيمهم، تاريخهم، عملهم، وهو ما حاولت تسليط الضوء عليه في كتابها.

مواضيع ذات صلة:

كيف أثر الإسلام السياسي في الجزائر على معركة العباءة بفرنسا؟

إخوان فرنسا: عقود من الانتشار والتغلغل والازدواجية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية