كيف تنظر الحكومات الأوروبية الداعمة للإخوان إلى صراعات التنظيم الأخيرة؟

كيف تنظر الحكومات الأوروبية الداعمة للإخوان إلى صراعات التنظيم الأخيرة؟

كيف تنظر الحكومات الأوروبية الداعمة للإخوان إلى صراعات التنظيم الأخيرة؟


11/06/2023

يبدو أنّ تداعيات الصراع التنظيمي المحتدم منذ أعوام داخل جماعة الإخوان المسلمين سيكون لها أصداء بعيدة ومؤثرة على مستقبل الجماعة خلال الفترة المقبلة، ليس فقط على مستوى حالة الانهيار الداخلي والتأزم البنيوي، أو قدرة الجماعة على استمرار تواجدها داخل الدول العربية، لكنّها ستصل أيضاً إلى التأثير على قرارات الحكومات الأوروبية التي دعمت التنظيم لعقود، ومن المتوقع في ضوء الأزمة الداخلية المحتدمة وما نتج عنها من انكشاف حقائق حول طبيعة الفساد المالي والإداري داخل التنظيم، أن تتخذ تلك الحكومات إجراءات مراجعة وتقويم لنشاط الإخوان، قد ينتج عنها قطع الصلة أو وقف الدعم والتمويل المقدّم للجماعة.

إلى ذلك، تناولت دراسة حديثة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات التأثيرات المحتملة لأزمة الصراع التنظيمي على أداء الحكومات الأوروبية، وكذلك الأحزاب والقوى السياسية التي تمثل مصادر دعم للتنظيم داخل أوروبا، وأيضاً المخاوف الأوروبية المتزايدة من تنامي نشاط الجماعة مؤخراً، الأمر الذي صار محل تحذير مستمر من جانب أجهزة الأمن والاستخبارات الأوروبية.

نظرة إلى طبيعة الانشقاقات

بداية تلقي الدراسة الضوء على أسباب الخلافات التنظيمية داخل الإخوان، بين جبهتي لندن وإسطنبول، بالصراع على السلطة والتمويل، رغم اتفاقهما في 2020 بعد تولي إبراهيم منير قيادة الإخوان بعدم تحريك تحقيقات حفاظاً على كيان الجماعة. وتعود بداية الصراع إلى تموز (يوليو) 2021 عقب تشكيل إبراهيم منير لجنة لبحث أوضاع الجماعة الداخلية، لترفض جبهة محمود حسين هذه اللجنة واتهاماتها لها بمخالفات مالية واختلاس أموال الجماعة، ونقل معلومات خاطئة من محمود عزت لأعضاء التنظيم.

القائم بأعمال المرشد العام، الراحل إبراهيم منير

وبحسب الدراسة، تأزم الموقف بسحب جبهة إسطنبول المنصب من إبراهيم منير استناداً على لوائح الجماعة التي تمنع تولي منصب المرشد أو القائم بأعماله شخصاً يحمل جنسية أخرى غير المصرية، وجاء ردّ جبهة لندن بإجراء انتخابات سريعة لإخراج محمود حسين من مجلس الشورى ومكتب الإرشاد، وتطور الأمر في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 بإيقاف إبراهيم منير (6) من قيادات الإخوان وإحالتهم للتحقيق؛ هم: (محمود حسين، وهمام يوسف، ومدحت الحداد، ورجب البنا، ومحمد عبد الوهاب، وممدوح مبروك) لمخالفاتهم اللائحة الداخلية للجماعة.

ومثل اجتماع مكتب الإرشاد العالمي في 7 حزيران (يونيو) 2022 نقطة تحول كبيرة في الصراع لعدم اعترافه بكافة قرارات جبهة إسطنبول، وإقراره بأحقية إبراهيم منير بالمنصب وإلزام كافة القيادات بمبايعته، ممّا أدى إلى هجوم جبهة إسطنبول على مكتب الإرشاد العالمي، كما تسببت تصريحات إبراهيم منير حول أنّ الجماعة لن تخوض صراعاً على السلطة في مصر في تعميق الانقسام مع جبهة إسطنبول، التي أعلنت في الأول من آب (أغسطس) 2022 أنّ هذه التصريحات لا تمثل الجماعة.

حرب وثائق

اندلعت "حرب وثائق" بين جبهتي الكماليين ولندن في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وأصدرت الأخيرة وثيقة لتؤكد على الانسحاب من أيّ صراع على السلطة، بينما أكدت وثيقة الكماليين على عدم التزامها بقرارات جبهتي لندن وإسطنبول، وأنّ العنف خيار لديها، وفق الدراسة.

تداعيات الانشقاقات داخل الإخوان لم يتوقف صداها عند الجماعة فقط، إذ وضعت حكومات أوروبا في مأزق للتعامل مع هذا المشهد، لا سيّما أنّ نفوذ الإخوان تمدد بشكل كبير بعد 2011 في أوروبا بالسيطرة على المساجد والجمعيات الخيرية

وبوفاة إبراهيم منير في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 تأجج الخلاف من جديد على منصب القائم بأعمال المرشد، وأعلنت جبهة إسطنبول تعيين محمود حسين قائماً بأعمال المرشد العام، مستندة على المادة الـ (5) من اللائحة التي تنص "في حال حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة مهام المرشد، إلى نائبه الأول، ثم الأقدم فالأقدم من النواب، ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد".

كيف تنظر الحكومات الأوروبية إلى صراعات الإخوان؟

تقول الدراسة: إنّ "تداعيات الانشقاقات داخل الإخوان لم يتوقف صداها عند الجماعة فقط، إذ وضعت حكومات أوروبا في مأزق للتعامل مع هذا المشهد، لا سيّما أنّ نفوذ الإخوان تمدد بشكل كبير بعد 2011 في أوروبا بالسيطرة على المساجد والجمعيات الخيرية، ممّا مكنهم من إقامة علاقات قوية مع السياسيين وبعض الأحزاب لاقتناع الدوائر السياسية الأوروبية وقتها بأنّ الجماعة ستتولى السلطة في منطقة الشرق الأوسط تباعاً".

زعيم جبهة اسطنبول محمود حسين

وسرعان ما اختلف الوضع بسقوط حكم الإخوان في مصر في 3 تموز (يوليو) 2013، وما ترتب عليه من تهاوي الجماعة في عدة دول، لذا وقعت أوروبا في حيرة لانتقاد الرأي العام لدعمها للإخوان والتباطؤ في مراقبة أنشطتهم.

وبتصاعد انشقاقات الجماعة زادت المخاوف الأوروبية من انتقال قيادات الإخوان إليها، وأن تصبح مسرحاً لاستقطاب عناصر جديدة وجمع الأموال، ممّا دفع بعض دول أوروبا لاتخاذ إجراءات ضد بعض المؤسسات والشخصيات الإخوانية للتصدي لأيّ محاولات صعود للجماعة إلى السلطة في أوروبا.

هل انتهى زمن الإخوان؟

تحت هذا التساؤل أوردت الدراسة أنّ جماعة الإخوان تشهد حالة من التصدع غير مسبوقة لافتقادها أدوات الترويج لأفكارها، عقب الرفض الشعبي لها بالشرق الأوسط، وظهور الخلاف الداخلي للعلن وتزامن الإجراءات المشددة ضدها في عدة دول.

وتشير في هذا الصدد إلى قرار مصر بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية في كانون الأول (ديسمبر) 2013، وحلّ حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة في 9 آب (أغسطس) 2014 مع مصادرة أمواله، ومدّدت إدراج الجماعة على قوائم الكيانات الإرهابية لمدة (5) أعوام أخرى بدءاً من 19 نيسان (أبريل) 2023، وفي 7 آذار (مارس) 2014 وضعت السعودية جماعة الإخوان على قوائم الجماعات الإرهابية.

تغلغل الإخوان داخل أوروبا، وبناء علاقات مع صناع القرار، لن يتأثر بسهولة جراء الانشقاقات الأخيرة داخل الجماعة، ولكن تزامنت هذه الانقسامات مع إجراءات غير مسبوقة من أوروبا أدت لانكماش أنشطتها نوعاً ما مقارنة بالأعوام الماضية

وأدرجت الإمارات الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، وأعلنت تونس في 26 تموز (يوليو) 2021 إقالة الحكومة وتجميد البرلمان الذي سيطر عليه حزب النهضة الذراع السياسية للجماعة.

وانضمت تركيا إلى قائمة هذه الدول بوقف بث بعض القنوات الفضائية التابعة للجماعة، وتوقيف (34) إخوانياً دعوا لإشاعة الفوضى في مصر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022.

واعتادت الجماعة نفي أيّ اتهامات لها بالإرهاب، وقالت في بيان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020: "الجماعة بعيدة تماماً عن العنف والإرهاب”، ردّاً على وصف هيئة كبار العلماء بالسعودية للجماعة بمنظمة إرهابية.

ومؤخراً، قال المتحدث الإعلامي باسم جبهة إسطنبول طلعت فهمي: إنّ "المحاولات المستمرة لوصم الجماعة بالإرهاب هو بهدف استرضاء الأنظمة العربية، والتخوف من شعبية الإخوان، ومحاولة ترسيخ صورة ذهنية غير صحيحة عن الجماعة".

تأثير الانشقاقات على التنظيم في أوروبا

يرتبط الإخوان في أوروبا بشبكة الإخوان بالخارج، ومثلت مجموعة ضغط على الحكومات الأوروبية للتأثير على القرارات المتعلقة بالمؤسسات الإسلامية الراعية للجاليات المسلمة، ومن ثم أسست كيانات إخوانية خفية في المؤسسات التعليمية والدينية منذ ستينيات القرن الماضي.

هذا التغلغل داخل أوروبا، وبناء علاقات مع صناع القرار، لن يتأثر بسهولة جراء الانشقاقات الأخيرة داخل الجماعة، ولكن تزامنت هذه الانقسامات مع إجراءات غير مسبوقة من أوروبا أدى لانكماش أنشطتها نوعاً ما مقارنة بالأعوام الماضية، لتأثر مصادر التمويل وانشغال التنظيم الدولي بالخلاف بين جبهتي لندن وإسطنبول، وفق الدراسة.

وتصبح هذه الفترة مرحلة اختبار لإخوان أوروبا، بعد أن كشفت الاستخبارات الألمانية عن نشاط الجماعة، ممّا أدى إلى طرد المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا بعض المنظمات الإخوانية من صفوفه، وجرّدت القيادي ووزير مالية الإخوان بألمانيا (إبراهيم الزيات) من مناصبه بالمجلس.

وبالمثل، حلت فرنسا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وحاصرت تمويل الإخوان، وصادرت (25) مليون يورو من أموالهم، وسحبت بلجيكا الاعتراف الرسمي من الهيئة الإسلامية كمحاور للحكومة، ورحلت حسن إكويسين وهو رجل دين مغربي ينتمي للإخوان.

جماعة الإخوان تمرّ بمرحلة عصيبة دولياً، لصعوبة التوافق بين جبهتي لندن وإسطنبول، وتضييق الخناق عليها من قبل أوروبا، لذا انكشفت أساليب الجماعة في التخفي والتغلغل داخل المجتمعات وتصدير صورة الضحية عنها

وختاماً؛ ترى الدراسة أنّ جماعة الإخوان تمرّ بمرحلة عصيبة دولياً لصعوبة التوافق بين جبهتي لندن وإسطنبول، وتضييق الخناق عليها من قبل أوروبا، لذا انكشفت أساليب الجماعة في التخفي والتغلغل داخل المجتمعات وتصدير صورة الضحية عنها، لتلجأ إلى تغيير مسميات الكيانات والتعاون مع شخصيات جديدة غير معروف انتماؤها، لتفادي تتبع أجهزة الأمن والاستخبارات لتحركاتها.

كما تتوقع اتجاه إخوان أوروبا المرحلة المقبلة إلى خطاب الاستعطاف، لاستمالة الرأي العام لصالحهم وكسب أرضية، في ظل تخوفهم من استمرار حالة التصدع داخل التنظيم وانعكاساته على مصادر التمويل وتحركاتهم.

مواضيع ذات صلة:

الإخوان المسلمون: عكس التيار في تونس وانتهازية في المغرب واستقالة مدوية في موريتانيا

الإخوان المسلمون: حصار في تركيا ومسيرة للعنف في ماليزيا ومناوشات في المغرب

الإخوان المسلمون: تفجير المشهد في المغرب واحتجاجات في اليمن وسرقة الأراضي في غزة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية