كيف ستنعكس نتائج المؤتمر الانتخابي للاتحاد التونسي للشغل على حركة النهضة الإخوانية؟

كيف ستنعكس نتائج المؤتمر الانتخابي للاتحاد التونسي للشغل على حركة النهضة الإخوانية؟


23/02/2022

جاء ختام المؤتمر الانتخابي للاتحاد التونسي للشغل، الخامس والعشرين، الذي انعقد بين السادس عشر، والثامن عشر من شهر شباط (فبراير) الجاري، بمدينة صفاقس، بتجديد الثقة في السيد نور الدين الطبوبي، أميناً عاماً للاتحاد، كما أعاد المؤتمر تجديد الثقة في سبعة أعضاء من المكتب التنفيذي السابق.

يترأس نور الدين الطبوبي المنظمة منذ العام 2017، وهو في الأصل نقابي من قطاع الصناعات الغذائية، مرّ بقيادة فرع المنظمة في العاصمة تونس، قبل أن ينضم إلى مكتبها التنفيذي الوطني، بعد ثورة 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد التونسي يدفع ضريبة حكم الإخوان

انعقد المؤتمر الخامس والعشرون للاتحاد التونسي للشغل، وسط سياق سياسي متوتر، عقب قرار الرئيس قيس سعيّد، بحل المجلس الأعلى للقضاء، في خطوة تعزز مسار 25 تمّوز (يوليو)، وفي ظل أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، وتضخم نقدي كبير.

أزمات الراهن التونسي

الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، قال في أعقاب انتخابه مجدداً لمدة خمس سنوات، إنّ البلاد تمر بمنعطفات صعبة، تتطلب إيجاد حلول تونسيّة، حسب قوله.

وتابع الطبوبي، في تصريحات لوسائل إعلام محليّة، مؤكداً أنّ الاتحاد يوازن بين البعدين الاجتماعي والوطني، مشيراً إلى ارتباط العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية ببعضها البعض، واعتبر العنصر السياسي هو المفتاح لأيّ استقرار، لوضع حلول استراتيجية؛ بهدف إنقاذ البلاد من الوضع الذي وصلت إليه.

 

اقرأ أيضاً: "النهضة" في مرمى نيران هيئة الدفاع عن بلعيد... العويني: الإخوان يتجسسون على التونسيين

أضاف الأمين العام للمنظمة، أنّ اللائحة الداخلية للمؤتمر الـ25 للاتحاد، نصت على توصية؛ مفادها تفويض المكتب التنفيذي نحو الدعوة لعقد مجلس وطني استثنائي، محوره الأساسي والوحيد؛ النظر في التوجهات العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وموقف الاتحاد منها، خصوصاً في ظل الأوضاع المتحركة في تونس. وأشار إلى أنّ طبيعة المرحلة تتطلب عودة كل الأطراف إلى رشدها، بعيداً عن المصلحة الحزبية الضيقة، التي لن تخدم تطلعات الشعب التونسي، في ظل أوضاعه المزرية.

 

آمال قرامي: الاتحاد التونسي للشغل، خصم حقيقي وقوي لحركة النهضة؛ وبالتالي سنرى في الأفق القريب حواراً يضم الاتحاد والرئيس قيس سعيد

 

وبخصوص علاقة الاتحاد بمسار 25 تمّوز (يوليو)، أوضح أمين عام المنظمة أنّ المواقف التي تصدر عن الاتحاد، تمثل مقررات مؤسّساتية، وليست مواقف صادرة عن الأمين العام، أو أيّ قيادي في المنظمة بصفة شخصية.

وصرّح الطبوبي بأنّ أيّ نجاح في تونس، يجب أن يلمسه المواطن من قريب أو من بعيد، وهو ما لم يجد له أيّ أثر، في ظل عمل الحكومات المتعاقبة، خلال العقد الماضي، وبيّن كذلك أنّ التراكمات أدت إلى وضع استثنائي في تونس، لافتاً إلى أنّ الاتحاد لا يغير مواقفه على هواه، وإنّما يصدح بها بناء على قناعات وثوابت ومقررات مؤسّساتية.

وأضاف أنّ هناك توجهات للاتحاد العام التونسي للشغل، حسب متطلبات المرحلة، وتعقيداتها وصعوباتها التي تمت مناقشتها ضمن أشغال المؤتمر. مضيفاً: "الاتحاد رتّب بيته الداخلي الآن، ولن يبقى مكتوف الأيدي أمام الوضع الذي تمر به تونس". مؤكداً أنّه لا يمكن ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تدهور المقدرة الشرائية، في واقع متأزم؛ إلا بوجود استقرار ونضج سياسييّن.

الرئيس والاتحاد..جدل الأولويات

من جانبه، أكد الرئيس قيس سعيّد، في رسالة تهنئة وجهها للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، بمناسبة تجديد الثقة فيه، على رأس المنظمة، أنّ "الاتحاد الذي كان دوماً قلعة للنضال والدفاع عن الوطن، سيظلّ شريكاً وطنيّا فاعلاً". وفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية.

إلى ذلك، يبدو أنّ الاستقرار، والوصول بمسار   25 تمّوز (يوليو)، نحو موضع الأمان في تونس؛ يرتهن بمدى الاقتراب الحقيقي والإيجابي بين الاتحاد والرئيس؛ مما يساهم في دعم توجهات الأخير؛ نحو إقصاء حركة النهضة، وكافة الأطراف المتعلّقة بها.

 

اقرأ أيضاً: تونس: بودربالة يدعو القضاء النزيه إلى التقاط مجهودات هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي

من جهتها، تشير الأكاديمية التونسيّة، آمال قرامي، في تصريحات خصّت بها "حفريات"، إلى أنّ المؤتمر الخامس والعشرين للاتحاد التونسي للشغل، جاء في ظرف عصيب داخل المنظمة؛ حيث طرأت احتجاجات داخلية، تطالب الأمين العام، نور الدين الطبوبي، بالعمل وفق الأسس الديمقراطية، المتعارف عليها في اللوائح الخاصّة بالاتحاد، بيد أنّ الأصوات المساندة، ترى أنّ الأخير يدرك جيداً تلك اللوائح، ولكن الزمن غير مناسب لتلك التغييرات.

وتؤكد قرامي، أنّ الاتحاد التونسي للشغل، خصم حقيقي وقوي لحركة النهضة؛ وبالتالي ترى أنّه في الأفق القريب، سنرى حواراً يضم الاتحاد والرئيس، خاصّة وأنّ المنظمة وافقت على طلبات نجلاء بودن، رئيسة الحكومة، بضرورة التقشف، وتجميد وضع الأجور عند أرقامها الراهنة، لمدة خمس سنوات قادمة، ما يتيح لها مواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

اتحاد الشغل وشروط صندوق النقد الدولي

الصحفية التونسيّة، يثرب مشيري، ترى أنّ التناقض الذي يبدو صارخاً على الورق، بين ما يريده الاتحاد المحكوم بقواعده العمالية، وما يريده صندوق النقد الدولي، الذي اشترط على حكومة بودن، ضرورة موافقة المنظمة على حزمة الإصلاحات، حتى يتمكن الصندوق من صرف القروض المطلوبة؛ لإنقاذ الاقتصاد، يختلف عن الكواليس السياسية والنقابية، التي تؤكد أنّ العلاقة الجيدة بين رئاسة الجمهورية وقيادة المنظمة، سوف تفضي في القريب العاجل إلى خطة عمل؛ تسمح بالحصول على دعم الصندوق الدولي، دون المساس بما يعتبره الاتحاد خطاً أحمر، وهو موضوع خصخصة المؤسّسات العموميّة.

 

يثرب مشيري: الإسلام السياسي بات يدرك أنّ أزمته سوف تتفاقم، وسيضحى كيان حركة النهضة مهدداً بالزوال، إذا ما وقع الاتفاق مع البنك الدولي

 

وتضيف يثرب مشيري، في تصريحاتها لــ "حفريات"، أنّ ثمة بوادر إيجابية؛ تؤكدها تصريحات فريد بلحاج،  نائب رئيس مجموعة البنك الدولي، لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي التقى الرئيس قيس سعيّد، منذ أيام، وصرّح عقب اللقاء، بأنّ تونس ليست في عزلة دوليّة، داحضاً سردية الإسلام السياسي، القائمة منذ 25 تموز (يوليو)2021، لوضع العراقيل الخارجية أمام الإجراءات الاستثنائيّة، التي اتخذها الرئيس، بما في ذلك محاولة إيقاف الدعم الدولي لتونس؛ من خلال تحريك ما يسمى "باللوبيننغ"، خاصّة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتؤكد مشيري، أنّ الإسلام السياسي بات يدرك أنّ أزمته سوف تتفاقم، وسيضحى كيان حركة النهضة مهدداً بالزوال، إذا ما وقع الاتفاق مع البنك الدولي؛ خاصّة وأنّ الرئيس قيس سعيّد، مصمم على الاستثمار في علاقته الجيدة مع المنظمة الشغيلة.

 

اقرأ أيضاً: تونس.. زلزال يضرب الإخوان بعد ثبوت تجسس الغنوشي على الأمن

 وتجدر الاشارة إلى أنّ خطاب الغنوشي، بدأ يعود إلى سردية المحنة والمظلوميّة؛ وهو ما يدل على حالة الارتباك، ومخاوف الانقسام الذي بات يهدد ذراع الإخوان المسلمين بتونس، والذي سوف يكون أمراً واقعاً؛ إذا تجاوز قيس سعيّد، الأزمة الاقتصادية؛ من خلال تعاونه مع المنظمة الشغيلة، وأمينها العام، نور الدين الطبوبي.

حركة النهضة والعودة المستحيلة

الكاتب الصحفي التونسي، نزار مقني، يشير إلى أنّ المؤتمر الخامس والعشرين للاتحاد التونسي للشغل، يأتي في وقت مفصلي من تاريخ تونس، عبر التحديات السياسيّة والاقتصادية التي تواجهها البلاد، وهي تحديات غير مسبوقة.

ويلفت مقني، في تصريحاته لـ "حفريات"، إلى أنّ مؤتمر الاتحاد؛ يأتي لترتيب البيت الداخلي، قبل مواجهة التحديات الراهنة، وتنقسم في تقديره إلى محورين أساسيين؛ أولهما، محور سياسي؛ وينحصر حول واقع الأزمة السياسيّة، وبناء علاقة حوار وثقة مع رئيس الجمهورية؛ ما يمكنه من تأسيس قواعد صلبة؛ لحوار سياسي إصلاحي بتونس، وذلك ما طالب به الاتحاد في ختام المؤتمر، ويمثل نقطة إيجابية في تعزيز مسار 25 تمّوز (يوليو)، وإذا ما تحقق؛ سيضحى قيمة مضافة إلى رصيد الرئيس، واستقرار البلاد.

ويستطرد مقني، بالإشارة إلى أنّ الحوار قد يحمل سيناريو التجاذب بين المنظمة الشغيلة ورئاسة الجمهورية، سيما حول طبيعة وماهية المشاركين فيه، خاصّة وأنّ الرئيس قيس سعيّد، يرفض مشاركة الأحزاب، ويمنح الأولوية لمنظمات المجتمع المدني، في إطار مشروعه السياسي، القائم على البناء القاعدي، وذلك ما يرفضه اتحاد الشغل.

 

نزار مقني: اتحاد الشغل منذ اللحظة الأولى دعّم مسار 25 تموز ويرى أنّه لا رجوع لما قبل ذلك

 

وبالنسبة للمحور الثاني؛ يؤكد مقني أنّه لا يقل أهمية، وهو المحور الاقتصادي الاجتماعي، وهنا تبدو ملامح العلاقة بين الحكومة والمنظمة الشغيلة، خاصّة وأنّ الحكومة الحالية مكلفة بإدارة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يشترط بدوره موافقة اتحاد الشغل على أيّ إصلاحات سيتم تمريرها، خاصّة وأنّ الصندوق سيفرض بالضرورة على تونس إملاءات اقتصادية صعبة، منها تخفيض كتلة الأجور في الوظيفة العموميّة والقطاع العام، وكذلك خصخصة بعض مؤسسات القطاع العام، وتخفيض الدعم على بعض المواد الأساسيّة، وهذه إملاءات تضع اتحاد الشغل في حرج بالغ؛ وبالتالي فإنّه من الصعوبة بمكان أن يقبلها.

الى ذلك يرى الكاتب السياسي التونسي نزار مقني، أنّ هذين المحورين، سيشكلان حجر الزاوية في إدارة المفاوضات، بين المنظمة الشغيلة والسلطة القائمة الحالية في تونس.

وفيما يتعلق بموقف حركة النهضة من تلك السيناريوهات، وإعادة انتخاب السيد نور الدين الطبوبي، أميناً عاماً للاتحاد، يذهب مقني إلى أنّ اتحاد الشغل منذ اللحظة الأولى دعّم مسار 25 تموز (يوليو)، ويرى أنّه لا رجوع لما قبل ذلك، بل ويحمّل النهضة والحكومات المتعاقبة مسؤولية ما آلت إليه البلاد.

 وعليه، فإنّه لا أفق محتملاً لحركة النهضة، ولا دور منظوراً لها عبر الآجال القادمة، فضلاً عن كون المنظمة الشغيلة يستقر يقينها على حتمية تفعيل مبدأ المحاسبة، سيما مع حل المجلس الأعلى للقضاء.

اقرأ أيضاً: تونس: هل فات القطار "لإصلاح المسار"؟

ويبدي نزار مقني ارتياحه الشخصي لما أفضى مؤتمر الاتحاد التونسي للشغل من نتائج، لافتاً إلى أنّه قد يفضي إلى قيمة مضافة للرئيس والبلاد، متى استطاع كلاهما الوصول إلى لغة للحوار والتفاهم، وفي الوقت نفسه، فإنّه يؤكد على عدم وجود أيّ فرص قد تخدم حركة النهضة، على خلفية ذلك في الوقت الحالي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية