كيف سيؤثر مرض ترامب على حملته وحظوظه الانتخابية؟

كيف سيؤثر مرض ترامب على حملته وحظوظه الانتخابية؟


03/10/2020

طارق الشامي

لأن الرئيس الأميركي يمتلك صلاحيات واسعة، فإن تعرض صحته للخطر يهدد استقرار الولايات المتحدة، ولهذا السبب يرى الخبراء الإستراتيجيون في واشنطن، وحتى كبار مساعدي الرئيس أن إصابته بفيروس كورونا وانتقاله إلى المستشفى للعلاج أياماً عدة، من شأنه أن يقلب السباق الرئاسي رأساً على عقب ويثير أسئلة كثيرة حول مدى التأثير المباشر على حملة ترمب قبل 31 يوماً من موعد الانتخابات، وكيف سيؤثر استمراره مريضاً أو شفاؤه سريعاً على حظوظه الانتخابية؟ وهل من الممكن أن تؤدي إصابته بفيروس كان يستهزئ به، إلى تغيير موقف ترمب تجاه هذا الوباء بل وتبدل أسلوب خطابه بشكل عام الذي تسبب في خسارة عدد من مؤيديه؟

يعود السبب الرئيس الذي أدى إلى تراجع الرئيس دونالد ترمب في استطلاعات الرأي أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، إلى طريقة تعامله مع فيروس كورونا الذي أزعج الحياة اليومية للناخبين والمواطنين الأميركيين على مدى ستة أشهر، وضاعف من الصعوبات التي يواجهها تجاهل ترمب، واستخفافه بأهمية الاحتياطات الأساسية، للحماية من خطر الفيروس مثل ارتداء قناع الوجه (الكمامة)، الذي كان مستشاروه الصحيون يحثون الأميركيين على ضرورة ارتدائه في الأماكن العامة طوال الوقت، بينما كان ترمب يحث مراراً الولايات والمدارس والشركات وحتى الفرق الرياضية على العودة إلى حركتها وأنشطتها الطبيعية التي كانت عليها قبل الوباء.

تأثيرات كارثية

ولهذا السبب يقول الخبراء الإستراتيجيون في كل من الحزبين وحتى كبار مساعدي الرئيس، إن ترمب سيواجه حكماً قاسياً من الناخبين خصوصاً بين كبار السن المعرضين أكثر لخطر الإصابة، وهي شريحة انتخابية تميل لتأييد الجمهوريين بسبب عدم اهتمامه بالفيروس الذي أدخل البلاد في واحدة من أكثر السنوات صعوبة في التاريخ الأميركي.

وفي وقت يخشى خبراء إستراتيجيون جمهوريون من أن يؤدي استخفاف ترمب بالاحتياطات المتعلقة بالفيروس إلى تأثير سلبي مباشر على آمال إعادة انتخابه، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مستشارين للرئيس ترمب قولهم، إن إصابة الرئيس بالفيروس كارثية، لأنها ستذكر الناخبين بمدى استخفافه بالفيروس، ليس فقط في ما يخص إهماله لإجراءات السلامة، ولكن أيضاً في تقييماته الوردية المفرطة حول جائحة أودت بحياة أكثر من 207 آلاف شخص في الولايات المتحدة حتى الآن.

مناظرتان في مهب الريح

يكاد يكون من المؤكد أن المناظرتين المتبقيتين بين ترمب وبايدن سوف تتأثران، إذ من المقرر عقد المناظرة الثانية في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي أي بعد أقل من أسبوعين، ومن المرجح أن تبقي التوجيهات الطبية للرئيس ترمب أن يبقى في حجر صحي حتى ذلك الحين، ومن السابق لأوانه معرفة مصير المناظرة الثالثة المقرر عقدها يوم 22 من الشهر نفسه.

اضطراب في حملة ترمب

وتواجه حملة ترمب اضطراباً بسبب مفاجأة إصابة الرئيس بالمرض، إذ قررت الحملة تأجيل الفعاليات والمؤتمرات الانتخابية التي كان مقرراً أن يعقدها في ولايات عدة، حيث لن يتمكن ترمب من مغادرة واشنطن خلال المرحلة النهائية الحاسمة من الحملة.

ولكن إذا تمكن ترمب من التعافي السريع، فإن بعض المتطلعين إلى آفاق أفضل في ما تبقى من وقت قصير على موعد الانتخابات، عبر عن أمله في أن تدفع حالة ترمب إلى نوع من الهدوء والسلام وامتناعه عن خطابه الملتهب الذي أدى إلى نفور العديد من الناخبين، وجعل الانتخابات مجرد استفتاء على سلوكه وتصرفاته أكثر من كونها مقارنة بين رؤيتين سياسيتين مختلفتين.

كيف تؤثر شدة المرض؟

ومن المرجح بدرجة ما أن تعتمد حظوظ ترمب السياسية على شدة مرضه، فقد أصيب زعماء آخرون حول العالم بالفيروس، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني، والرئيس البرازيلي ثم عادوا إلى قيادة بلدانهم، لكن الفارق هنا لا يتعلق فقط بكون الرئيس ترمب الذي يبلغ من العمر 74 عاماً هو أكبر سناً من نظرائه الذين أصيبوا بمرض كوفيد-19، ولا لكونه يقود أهم وأقوى دولة في العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولكن أيضاً لأن القادة الآخرين لم يكونوا وسط معركة انتخابية صعبة عندما تبين أن نتيجة اختبارهم كانت إيجابية بينما خصمهم السياسي يواصل حملته ويتنقل في الولايات التي سوف تحسم الانتخابات المقبلة.

وبينما ظهر سيد البيت الأبيض سائراً على قدميه في طريقه إلى طائرة الهيلوكوبتر الرئاسية التي أقلته إلى مركز "والتر ريد" الطبي بجوار واشنطن، وتأكيد البيت الأبيض أن الرئيس يعاني فقط من أعراض خفيفة نتيجة الفيروس، لكنه سيمكث في المستشفى أياماً عدة، إلا أن تقارير أخرى مُسربة نشرتها وسائل إعلام أميركية تحدثت عن ارتفاع في درجة حرارته وشعوره بالتعب والإرهاق وصعوبة خفيفة في التنفس ما قد يكون السبب في انتقاله إلى المركز الطبي، كما ذكرت شركة أدوية أميركية مقرها نيويورك أن الرئيس سوف يتلقى علاجاً تجريبياً جديداً توفره الشركة.

ماذا لو تعافى ترمب؟

وحتى لو تعافى ترمب تماماً وبشكل سريع خلال أيام عدة، فإنه سوف يستغرق أسبوعين آخرين بعد شفائه في حجر صحي ولن يتمكن من مخالطة الناس أو ممارسة مهامه إلا عبر الهاتف أو الدوائر الإلكترونية المغلقة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وطوال هذه الفترة التي قد تستغرق ثلاثة أسابيع على أحسن الأحوال، يكون ملايين الأميركيين قد أدلوا بأصواتهم بالفعل، سواء كان ذلك عبر الاقتراع بالبريد أو من خلال التوجه شخصياً إلى صناديق الاقتراع في بعض الولايات للإدلاء بأصواتهم في ما يُعرف بالتصويت المبكر

وفي أفضل السيناريوهات المتفائلة، لن يتبقى سوى أسبوع واحد فقط كي يستعيد ترمب نشاط حملاته الانتخابية قبل موعد الاقتراع المقرر في الثالث من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أما إذا ساءت الحالة الصحية للرئيس، فهذا يعني أنه لن يتمكن من ممارسة أي نشاط انتخابي حتى موعد الاقتراع.

وعلى الرغم مما شهده عام 2020 من دراما عنيفة بدءاً من محاكمة عزل الرئيس ترمب والتي باءت بالفشل في مجلس الشيوخ، مروراً بانتشار فيروس كورونا والاضطرابات العنصرية، وانتهاء بالأزمة الاقتصادية، فإن السباق الانتخابي اتسم بالثبات إذ تقدم بايدن في استطلاعات الرأي منذ ترشحه في أبريل (نيسان) الماضي، غير أن إصابة ترمب بفيروس قد يكون مميتاً قد يؤثر بدرجة أكبر في نسبة تأييد المرشحين حسب ما يقوله خبراء الانتخابات.

لكن تجارب أخرى سابقة تشير إلى أن ترمب بدا محصناً من تأثيرات ما قبل الانتخابات مثلما حدث في الانتخابات الماضية ضد هيلاري كلينتون عام 2016 حيث نشرت تسريبات وفضائح اعتقد كثيرون أنها كفيلة بخسارة ترمب للانتخابات، إلا أن صناديق الاقتراع أثبتت العكس.

هل يستفيد بايدن؟

ولأن الانتخابات هي مبارزة بين متحاربين، فإن الأنظار تتعلق بكيفية تعاطي بايدن مع مرض ترمب، فعلى الرغم من تمنيات بايدن الطيبة بشفاء ترمب وأنه سيواصل الدعاء له وتأكيدات كبار مستشاريه أن نائب الرئيس السابق سوف يمتنع عن انتقاد ليوم أو يومين، إلا أنه من غير الواضح حتى الآن كيف سيتعامل بايدن مع أنباء إصابة الرئيس بالفيروس، والتي قد تتوقف على حالة ترمب الصحية، وخصوصاً أن بايدن جعل تعامل الرئيس مع الأزمة الصحية الناتجة عن وباء كوفيد -19 هي المحور الرئيس لانتقاداته لإدارة ترمب.

وقد حض رجال الكونغرس الديمقراطيون بايدن على الاستمرار في مسار حملته الانتخابية وتكييف ملاحظاته لتعكس مدى خطورة اللحظة الحالية التي تواجه الأمة الأميركية، إذ صرح تيم رايان عضو مجلس النواب عن ولاية أوهايو بأن إصابة ترمب بالفيروس تعد دليلاً على حاجة الأميركيين إلى اليقظة والحاجة الملحة لاختيار قيادة ناضجة للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن بايدن لا يحتاج حتى إلى تحديد اسم ترمب، ولكن عليه القول، إن الأمر خطير للغاية، حتى الرئيس أصابه الفيروس.

علاوة على ذلك، فإن أكثر ما سيفيد بايدن هو أن إحدى حجج ترمب المركزية ضده حول سنه الطاعن (سيبلغ 78 عاماً) في نوفمبر المقبل وأنه ضعيف جسدياً وغير مؤهل لقيادة البلاد، قوضتها الآن تساؤلات كثيرة حول صحة الرئيس نفسه.

ويعد مرض ترمب على هذه المسافة القصيرة من الانتخابات اختباراً غير مسبوق لم يحدث لأي رئيس أميركي من قبل في العصر الحديث، إذ تعرض الرئيس رونالد ريغان عام 1981 لإطلاق النار بعد نحو شهرين من أداء اليمين لأول مرة، كما تعرض الرئيس دوايت أيزنهاور لأزمة قلبية أثناء وجوده في منصبه، ولكن ذلك كان قبل نحو عام قبل مواجهة الناخبين للمرة الثانية.

عن "اندبندنت عربية"

الصفحة الرئيسية