كيف نظَّر سيد قطب للفاشية في كتابه "معالم في الطريق"؟

كيف نظَّر سيد قطب للفاشية في كتابه "معالم في الطريق"؟

كيف نظَّر سيد قطب للفاشية في كتابه "معالم في الطريق"؟


25/09/2023

تُعطي لفظة الجاهلية التي استخدمها سيد قطب بكثرة في مؤلفاته إيحاءات دينية، على غرار المعاني التي تحملها اللفظة حين تُطلق على الفترة التاريخية في شبه الجزيرة العربية، قبل البعثة المحمدية. وحين يصف قطب واقع مجتمعات المنطقة بالجاهلية، يتبادر إلى الذهن أنّ المسلمين في بلدان العالم كافة ارتدوا إلى عبادة الآلهة التي عرفتها شبه الجزيرة العربية، وأشركوا بالله.

ومن غير المرجح أنّ سيد قطب قصد هذا بكتاباته بشكل عقدي، على غرار تناول التيارات السلفية لمسائل يرونها تدخلاً في أبواب الاعتقاد الديني، مثل زيارات القبور والتبرك بالأولياء والنذور وغير ذلك، من الممارسات المرتبطة بالصوفية الشعبية.

الجاهلية عند قطب

ومن خلال كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب يمكن فهم المقصود بالجاهلية. في مقدمة كتابه جاء "إنّ العالم يعيش اليوم كله في جاهلية، من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. جاهلية لا تخفف منها شيئاً هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادي الفائق."

أما ماهية هذه الجاهلية، فيقول إنها "تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية؛ وهي الحاكمية. إنها تسند الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض أرباباً، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حقّ وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن به الله، فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله اعتداء على عباده".

ولا يربط قطب الجاهلية بممارسات أفراد، ليكون كدعوة دينية، على غرار دعوة محمد بن عبد الوهاب في نجد، وغير ذلك، بل يقصد قضية الحكم، أي السلطة، وهو الأساس الذي تُفهم منه كتاباته، التي تتسم بالتعميم والشمولية، التي تتسق مع كونه منظراً شمولياً، ذا رؤية سياسية، وليس صاحب موقف ديني كالتيارات السلفية التقليدية.

المعالم كتاب حركي شرعن للعنف

وفي تكملة الفقرة السابقة المنقولة عن قطب، يظهر هذا التعميم الذي يشمل البشرية بأكملها، يقول "وما مهانة الإنسان عامة في الأنظمة الجماعية، وما ظلم الأفراد والشعوب بسيطرة رأس المال، والاستعمار في النظم الرأسمالية، إلا أثراً من آثار الاعتداء على سلطان الله، وإنكار الكرامة التي قررها الله للإنسان".

ويرى قطب بأنّ العالم يحتاج إلى المنهج الإسلامي، الذي فيه وحده يتحرر الإنسان من العبودية في النظم الرأسمالية والاشتراكية الشرقية (المعسكر الشرقي آنذاك).

البعث الإسلامي

وبعد أنّ حدد قطب أزمة العالم الحديث، ووضع العلاج في ضرورة سيادة المنهج الإسلامي، وتعبيد العباد لرب العباد، بعد تخليصهم من العبودية للبشر من أمثالهم، انتقل إلى تحديد الأشخاص المناط بهم هذه المهمة العالمية. ولأنّه المفكر الذي وضع يده على الداء والدواء، فهو الأجدر بتحديد الخطوات المطلوب اتباعها لتحقيق هذه المهمة الكبرى، وتلك الخطوات، تتنزل على قطب بإلهام رباني: "هداني الله إلى معالم هذا الطريق".

فالطريق الذي قصده قطب، هو طريق تحقيق تلك الغاية السابقة، والمعالم هي الخطوات والمنهج الذي وضعه لتتبعه الطليعة المؤمنة، ومن هنا جاء العنوان "معالم في الطريق"، فهو كتاب حركي، يؤكد أنّ قطب وظف الديني لهدف سياسي.

إذا كان طرح الجاهلية عند سيد قطب، هو سلطوية ماضوية مقابل سلطوية حداثية، فلماذا وسع فكرة الجاهلية لتشمل الواقع كله؟

يرى الناشط السياسي، آرام كيوان محاميد، أنّ الحدية التي طبعت سيد قطب نتاج واقع سياسي اتسم بفشل الليبراليين والديمقراطيين، وصعود الحداثة السلطوية مع جمال عبد الناصر. وتابع لـ"حفريات"، بأنّ الإخوان لكونهم معارضي التصور السلطوي لعبد الناصر، وجب عليهم صياغة تصور سلطوي مناهض، وأدى سيد قطب هذا الدور كمثقف، بمفاهيمه النابعة من انحيازه وبراعته اللغوية واطلاعه الواسع. يقول كيوان بأنّ الجاهلية عند قطب هي "التصور المناهض لعبد الناصر ونظامه بشكل قطعي، بما في ذلك رفض المعارضة من داخل النظام".

لكن إذا كان طرح الجاهلية عند قطب، هو سلطوية ماضوية مقابل سلطوية حداثية، فلماذا وسع فكرة الجاهلية لتشمل الواقع كله، عندما قال "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية؛ تصورات الناس وعقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم وفنونهم وآدابهم، وشرائعهم وقوانينهم، وحتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكيراً إسلامياً، هو كذلك من صنع هذه الجاهلية"؟

آرام محاميد: الإخوان بدأت دعوتها بين الفئات الاجتماعية الرافضة للحداثة

يجيب الناشط محاميد، بأنّ رفض سيد قطب وجماعة الإخوان ومن خرج من رحم أفكارهم لقيم الحداثة بكل منجزاتها، يأتي من النظر في واقع هذه الجماعة. وأضاف بأنّ جماعة الإخوان المسلمين بدأت دعوتها بين الفئات الاجتماعية الرافضة للحداثة، والتي عدتها تلوثاً وسماً في أعقاب انهيار الدولة العثمانية؛ جزء من هذا التلوث سياسي يخص السلطة، وآخر يخص قيم الحداثة والتمدن والتحرر، فصيغ تصور شمولي يشمل المجتمع والسلطة والثقافة.

الإخوان كجماعة فاشية

تبعاً لذلك، فإن مهمة جماعة الإخوان المسلمين أو العصبة المؤمنة بتعبير سيد قطب، تنقسم إلى مرحلتين، يشبهان الأهداف التي وضعها حسن البنا في مؤلفاته. الأولى تطبيق المنهج الإسلامي الذي وصفه قطب في مؤلفاته في واقع الشعوب الإسلامية، عبر عملية بعث، ليتبع ذلك المرحلة الثانية وهي "تسلم قيادة البشرية"، وهو ما قصده حسن البنا بمصطلح "أستاذية العالم".

الناشط السياسي آرام محاميد لـ"حفريات": الجاهلية عند قطب هي التصور المناهض لعبد الناصر ونظامه بشكل قطعي، بما في ذلك رفض المعارضة من داخل النظام

ولبناء هذه الطليعة، عليها العودة بحسب قطب إلى مصدر واحد فقط، وهو "القرآن الكريم"، ولأنّ القرآن كما في القول المنسوب إلى علي بن أبي طالب "القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال"، سيقوم قطب بهذه المهمة، اعتماداً على مؤلفه "في ظلال القرآن"، والذي قام بتعديل أربعة فصول مستخرجة منه، ووضعها في مؤلفه "معالم في الطريق".

كتب قطب: "لا بد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها، لابد أن نرجع ابتداءً إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال، النبع المضمون أنّه لم يختلط ولم تشبه شائبة".

وبدلاً من انطلاق قطب من واقعه، سواء بالوصف والتحليل ثم طرح الحلول، كما هو مناط بأي مفكر يتبع منهج سليم، يلجأ إلى إعادة إنتاج تاريخ البعثة المحمدية، وفق منظوره. ولهذا أوجد التمهيد الفكري للجماعات التي خرجت لاحقاً عن الإخوان المسلمين، وتبنت العنف كوسيلة للوصول إلى السلطة، بهدف تحقيق نموذج الدولة المُتخيل عند المنظرين الكبار مثل حسن البنا.

يصف الناشط آرام كيوان محاميد، جماعة الإخوان المسلمين بأنّهم "تيار حداثي يرفع شعارات ضد الحداثة تماماً، مثل الفاشية. وأشار إلى أنّ المفكر سلافوي جيجك يسمي هذه الحالة بـ"مفارقة الماتركس". أما كيف تنتهي الجاهلية عند سيد قطب، فيرى بأنّها تنتهي "بوصول العصبة المؤمنة إلى الحكم".

الإخوان تيار فاشي بوجه حداثي

ولهذا يلفت محاميد إلى أنّ الصواب مناقشة هذه التيارات من منطلق كونها فاشية؛ لأنّه في هذه الحالة لا يهم إذا كانت عالمة أو جاهلة أو صحيحة أو خاطئة، فهذا ليسَ اللب، كما أنّ موسوليني وهتلر لم يكونا جهلة، وكان حولهما مفكرون كبار مثل بندتو كروتشه منظر الفاشية. ونوه محاميد إلى أنّ "الفاشية تستند إلى مجموعة تصورات في الغالب تتفق جميعها على أفكار التفاوت الطبيعي أو العرقي، وفي حالة الجماعات الإسلامية التفاوت يحمل طابعاً دينياً".

مواضيع ذات صلة:

كيف تأثر خامنئي بأفكار سيد قطب؟

مؤتمر المكتب العام للإخوان: ترسيخ النظام الخاص القطبي

نظرات في حقيقة الاستعلاء الإيماني عند سيد قطب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية