كيف نقرأ التصعيد الذي تشهده مدن الضفة الغربية؟

كيف نقرأ التصعيد الذي تشهده مدن الضفة الغربية؟


17/02/2022

تشهد مناطق الضفة الغربية تصعيداً جديداً على مسارين؛ الأوّل: ما بين إسرائيل وسكّان حي الشيخ جراح بالقدس، على خلفية قيام مستوطنين بقيادة النائب الإسرائيلي المتطرف "بن غفير" بالإصرار على افتتاح مكتب له في حي الشيخ جراح، والذي كان سبباً في اندلاع مواجهات العام الماضي شاركت بها حركة حماس والجهاد الإسلامي بإطلاق صواريخ شملت مناطق مختلفة في إسرائيل، وكشفت عن قدرات عسكرية جديدة لفصائل المقاومة في قطاع غزة، والثاني: مواجهات في مناطق جنين وفي نابلس على خلفية قرارات بهدم منازل لمقاومين فلسطينيين في جنين، وتصفية أعضاء خلية مسلّحة تتبع لكتائب الأقصى التابعة لحركة فتح في الضفة الغربية.

يرتبط التصعيد الجديد في الشيخ جراح بأزمة داخلية متفاقمة، مرتبطة بتوجهات اليمين المتطرف في إسرائيل بإثارة أزمة جديدة بوجه الحكومة الإسرائيلية التي توصف بأنّها حكومة "رخوة" رغم يمينيتها

وعلى هامش هذا التصعيد، تُطرح تساؤلات حول أسبابه وسياقاته واحتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، ومدى قدرة الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية على تطويق هذا التصعيد، لا سيّما في ظلّ مواقف وأدوار جديدة لحركة فتح والسلطة الفلسطينية فيما يجري، بما فيها تهديدات بوقف التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة وإسرائيل.

مقارنة بأزمة الشيخ جراح في أيار (مايو) من العام الماضي، التي أسفرت عن مواجهات دخلت على إثرها حماس والجهاد الإسلامي في معركة مع إسرائيل، فإنّ ما يميّز التصعيد الجديد أنّه يتجاوز قضية الشيخ جراح إلى هدم منازل وتعقيدات جديدة على الفلسطينيين، وصدامات مع خلايا كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح في الضفة الغربية، ومع ذلك فإنّ التصعيد الجديد ما يزال يجري في إطار حسابات داخلية "إسرائيلية وفلسطينية".

أزمة إسرائيلية

يرتبط التصعيد الجديد في الشيخ جراح بأزمة داخلية متفاقمة، مرتبطة بتوجهات اليمين المتطرف في إسرائيل بإثارة أزمة جديدة بوجه الحكومة الإسرائيلية التي توصف بأنّها حكومة "رخوة" رغم يمينيتها، في ظلّ مخاوف "مزعومة" يروّجها اليمين المتطرف بإمكانية تقديم تنازلات تجاه الدولة الفلسطينية والاستيطان والقدس، وفي ظلّ أحكام قضائية إسرائيلية "رخوة" تجاه ملكية منازل الشيخ جراح، وهو ما يفسّر مواقف إسرائيلية رسمية وجّهت انتقادات حادة للنائب "بن غفير" وأهدافه من التصعيد في هذا التوقيت، بما فيها أوامر للشرطة بضبط المتدينين اليهود، وما يسببه كلّ ذلك من حرج للحكومة الإسرائيلية، فيما ذهبت الحكومة الإسرائيلية للتصعيد تجاه المقاومين الفلسطينيين في جنين ونابلس، وباستهداف كوادر عسكرية تابعة لحركة فتح وكتائب الأقصى.

أزمة حركة فتح

بالنسبة إلى حركة فتح، من الواضح أنّها تعيش أخطر مراحلها التاريخية في ظلّ انقسامات جديدة على وقع التنافس على خلافة الرئيس محمود عباس، وهو ما يثير مخاوف من سيناريوهات صدامات مسلّحة بين تياراتها، لكنّ الأخطر من ذلك هو أنّ هذا التنافس أصبح خاضعاً لتجاذبات أطراف إقليمية، فبالإضافة إلى التأثير الإسرائيلي "الأقوى"، وخاصة مع الفريق الموصوف بأنّه "فريق أوسلو"، هناك تأثير أقطاب موالية لأطراف إقليمية عربية وإسلامية، وقد دخلت حركة حماس على أزمة حركة فتح منذ أعوام عبر اتصالات "سرّية" مع أقطاب في حركة فتح، من بينها مروان البرغوثي وغيره، وتشير تسريبات إلى أنّها تؤيد ترشيح البرغوثي ليكون بديلاً لعباس، غير أنّ الأهم هو أنّ التصعيد في الضفة الغربية وإظهار قدرات بعض الأقطاب على تحقيق تخفيض بمستويات التصعيد أصبح يخضع لتلك التجاذبات، وتتردد سيناريوهات أكثر خطورة حول طبيعة التنافس بينها، قد تصل إلى مستوى صدامات مسلّحة.

أزمة حركة حماس

أمّا حركة حماس، فرغم التقديرات التي تشير إلى أنّها ليست بوارد التخطيط للتصعيد انطلاقاً من قطاع غزة أو في الضفة الغربية، إلّا أنّها تواصل استراتيجيتها المتضمنة التصعيد في الضفة الغربية بعناوين إسلامية حول المسجد الأقصى والقدس، توفرها اعتداءات المتطرفين الإسرائيليين، بالتزامن مع ضعف السلطة الفلسطينية التي أصبح أقصى نضالاتها التلويح بالتهديد بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.

مواجهات في مناطق جنين وفي نابلس على خلفية قرارات بهدم منازل لمقاومين فلسطينيين في جنين

استثمار حركة حماس للتصعيد الجديد في الضفة الغربية، الذي جاء عبر رسالة تحذيرية وجّهتها قيادة حماس لإسرائيل عبر القاهرة، مرتبط بأزمات تواجهها الحركة في القطاع؛ من بينها: ازدياد تداعيات الحصار على غزة في الفقر والبطالة، وازدياد الأصوات التي أصبحت تمتلك جرأة في توجيه انتقادات للمقاومة، وارتباكات في بعض أوساط حركة حماس تجاه تبرير علاقاتها مع إيران والحرس الثوري، وتعثر مفاوضات تبادل الأسرى مع إسرائيل التي تجري برعاية القاهرة، بالتزامن مع تعثر مشروع إعادة إعمار غزة في ظلّ خلافات وإصرار إسرائيلي على ضمانات بألّا تستثمر حماس أموال إعادة الإعمار لصالحها في شراء وتطوير أسلحة وصواريخ.

مستقبل واتجاهات التصعيد الحالي

بالرغم من أنّ أطرافاً كثيرة تُحذّر من إمكانية تطور التصعيد في الضفة الغربية وصولاً إلى انطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة، إلّا أنّ هذا السيناريو يبدو أقلّ السيناريوهات احتمالاً؛ لأسباب مرتبطة بالانقسام الفلسطيني، وانشغال فتح بما بعد غياب الرئيس محمود عباس، بالإضافة إلى الارتباط الوثيق بين السلطة بأجهزتها المختلفة مع إسرائيل، ولكنّ احتمالات تصعيد "مؤقت" هنا وهناك لأسباب مختلفة، من بينها خدمة متطلبات الأمن الإسرائيلي أو لردود من حركة حماس، ستبقى قائمة.

تعيش حركة فتح أخطر مراحلها التاريخية في ظلّ انقسامات جديدة على وقع التنافس على خلافة الرئيس محمود عباس، وهو ما يثير مخاوف من سيناريوهات صدامات مسلّحة بين تياراتها

إنّ ارتباط التصعيد بأزمات حادّة تواجهها الأطراف المعنية به في الضفة الغربية وقطاع غزة، "إسرائيل، فتح والسلطة، إضافة إلى حركة حماس"، وبمرجعيات انشغال دولي تركّز على الأزمة بين روسيا وأمريكا على هامش التصعيد ضدّ أوكرانيا، بالإضافة إلى متابعة المفاوضات النووية بين أمريكا وإيران، يجعل خيارات التصعيد هي الأقلّ احتمالاً، وهو ما يفسّر اتجاهات الحكومة الإسرائيلية لتطويق أزمة الشيخ جراح، عبر إجراءات ضدّ النائب "بن غفير"، وهو ما سيقع في باب إدارة الأزمة، وليس حلّها بشكل جذري.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية