لبنان: الحل في واشنطن وطهران وليس في باريس

لبنان: الحل في واشنطن وطهران وليس في باريس


05/09/2020

فقد لبنان نموذجيّته بوصفه عنواناً للتوافقات والصراعات الدولية والإقليمية، بفعل العديد من العوامل أبرزها: الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، واستنساخ نموذج لبنان السياسي وإسقاطه على العراق بصيغة "الرئاسات الثلاث"، وتطوّرات "الربيع العربي" ومآلاته بظهور ساحات جديدة يتمّ من خلالها ممارسة تلك الصراعات على الأرض، في سوريا وليبيا واليمن والصومال، وظهور قوى دولية وإقليمية جديدة نجحت ولأسباب عديدة في أن يكون لها موضع قدم في المنطقة بعد تهافت صيغة القطبية الثنائية الدولية بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، فكان هذا الامتداد الإيراني في المنطقة بموازاة امتداد تركي صاعد، يقابله تمدّد وأدوار لعواصم القرار العربي في: الرياض والقاهرة وأبو ظبي.

ربّما تحقق المبادرة الفرنسية نجاحات في جهود الإغاثة والإعمار، لكنها لن تحقق أيّ نتائج تُذكر في الإصلاح السياسي والاقتصادي على المدى البعيد

ومع ذلك، بقي لبنان عنواناً تاريخياً لتلك التوافقات والصراعات رغم تبدل أدوار بعض اللاعبين بتراجع بعض القوى وتقدّم أخرى، فبعد انفجار مرفأ بيروت أصبح واضحاً أنّ القيادة الفرنسية تتولى إدارة الملف اللبناني دولياً، بتوافقات وتقاطعات مع الإدارة الأمريكية ودور استخباراتي ألماني بوصف فرنسا عنواناً للاتحاد الأوروبي، فيما برز دور جديد للقيادة التركية في إطار صراع تركي ـ فرنسي يشكّل لبنان إحدى ساحاته إلى جانب ليبيا وشرق المتوسط والعراق، وبالمقابل هناك خفوت في حضور وأدوار اللاعبين التاريخيين في لبنان وهما إيران والسعودية، فيما اللاعب الحقيقي يتخذ صفة الغائب الحاضر في المشهد اللبناني وهو "إسرائيل".

اقرأ أيضاً: لبنان مابين الخازوق التركي والحرير الفرنسي

وبعيداً عن مفاهيم مقاربة أنّ فرنسا تريد العودة إلى لبنان استناداً لإرث تاريخي استعماري، فإنّ هذه المقاربة غير بعيدة عن التوجّهات التركية "العثمانية الجديدة"، ولا عن الاستراتيجية الإيرانية "الإمبراطورية الفارسية"، وربما تفسّر هذه المقاربة الدعوة العلنية التي صدرت من أطراف لبنانية لإعادة الانتداب الفرنسي للبنان.

اقرأ أيضاً: هل خذل ماكرون الشعب اللبناني.. وما علاقة تركيا بمهادنة حزب الله؟

خريطة طريق جديدة تقودها فرنسا للوصول إلى حلٍّ في لبنان بمسارين متلازمين متعاقبين: الأوّل التعامل مع كارثة "تفجير" ميناء بيروت بما في ذلك من مساعدات عاجلة، خاصّة في قطاعي المواد الطبية والإغاثية عبر مؤتمرات دولية، والثاني مسار الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، الذي بدأ بإنجاز محدود سيكلل بتشكيل الحكومة الجديدة بشخصيات تكنوقراط من خبراء، توحي مؤقتاً بأنه تمّ تجاوز الطائفية والانتقال إلى نظام سياسي جديد يستجيب لتطلعات غالبية اللبنانيين، لكنّ المؤكد هو أنّ الرئيس الجديد وفريقه لن يخرج عن كونه من نتاجات البنية السياسية العميقة في النظام السياسي اللبناني وجوهرها المحاصصة الطائفية. فلن تضمّ أيّ وزير غير محسوب على هذا الحزب أو تلك الطائفة التي يتشكّل منها لبنان، وهو ما يعني أنّ التقديرات التي تقول بإمكانية أن تحقق الحكومة الجديدة نجاحات في إطار التعامل مع المساعدات الدولية الإغاثية وبالحدّ الأقصى طرح أفكار حول الإصلاح الاقتصادي، ليس بالضرورة أن تجد طريقها إلى النجاح، كلها تقديرات موضوعية.

اقرأ أيضاً: تساهل ماكرون مع حزب الله وسلاحه يستفز اللبنانيين

الرئيس الفرنسي ماكرون كان حازماً، وقد منح الطبقة السياسية مهلة لإنجاز الإصلاحات المطلوبة، ويبدو أنه واثق من تحقيق إنجاز، ولو كان شكلياً، بتشكيل حكومة جديدة، خاصّة بعد اعترافه بدور حزب الله في لبنان، الذي لم يتطرّق إلى سلاحه ومستقبله في لبنان الجديد، في سياقات مقاربة "حرق المراحل" التي تبدو احتمالات نجاحها محدودة بالقفز إلى حوارات حول دولة المواطنة والدولة المدنية، فقد أعلنت أمريكا رفضها الجزء المتعلق باعتراف ماكرون بدور حزب الله في لبنان، بوصفه حزباً إرهابياً بالمفهوم الأمريكي.

جوهر مشكلة لبنان هو حزب الله وسلاحه وارتباطه بإيران، دون التهوين من عقبات أخرى مرتبطة بالطوائف الأخرى

المفارقات في الملف اللبناني تطرح مقاربة لا تدعو فقط إلى السخرية، بل تصل إلى حدّ البكاء في هذا البلد وعليه، فإذا كانت القوى اللبنانية كافة، ومن الطوائف كافة، تدعو إلى إلغاء النظام الطائفي في لبنان، ومعها الحراكات الشعبية اللبنانية التي خرجت من طرابلس شمالاً إلى صيدا وصور في الجنوب، ومعها القوى الدولية في أمريكا وأوروبا وقوى إقليمية فاعلة في الملف اللبناني، تنادي جميعها بإلغاء الطائفية السياسية، فمن الذي يتمسّك بتلك الطائفية إذن؟ ببساطة إنهم كلّ من ذُكروا، وخاصّة قادة وزعماء تلك الأحزاب والطوائف؛ لأنّ غيابها يعني فقدانهم مواقعهم ومكاسبهم.

اقرأ أيضاً: لماذا بدا ماكرون أكثر هدوءاً في لبنان خلال زيارته الثانية؟ هل تحققت أهدافه؟

ربّما تحقق المبادرة الفرنسية نجاحات في جهود الإغاثة والإعمار، لكنها لن تحقق أيّ نتائج تُذكر في الإصلاح السياسي والاقتصادي على المدى البعيد، ببساطة لأنّ جوهر مشكلة لبنان هو حزب الله وسلاحه وارتباطه بإيران، دون التهوين من عقبات أخرى مرتبطة بالطوائف الأخرى، وليس من المبالغة القول إنّ المبادرة الحقيقية والحلّ في لبنان لم ولن يكون إلّا نتاج مفاوضات بين واشنطن وطهران تشمل كافة قضايا الصراع في المنطقة، في إطار تسويات شاملة، ربّما بدأت بتبرئة حزب الله من دم الحريري.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية