لجنة تقصٍّ دولية لجرائم الحرب في السودان... "الجيش يرفض وقوات الدعم تقبل": لماذا؟

لجنة تقصٍّ دولية لجرائم الحرب في السودان... "الجيش يرفض وقوات الدعم تقبل": لماذا؟

لجنة تقصٍّ دولية لجرائم الحرب في السودان... "الجيش يرفض وقوات الدعم تقبل": لماذا؟


09/10/2023

التأمت الثلاثاء 3 تشربن الأول (أكتوبر) الجاري بمدينة جنيف في سويسرا جلسة مشاورات غير رسمية حول مشروع قرار بشأن السودان قدمته المملكة المتحدة وأمريكا وألمانيا والنرويج، يدعو لإنشاء لجنة خبراء مستقلة لتقصي الحقائق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات بعد الحرب من قبل طرفي النزاع، وذلك بحضور أكثر من (40) دولة و(8) منظمات غير حكومية، وتمّ استعراض ومناقشة مشروع القرار المكوّن من (25) فقرة، والاستماع إلى مداخلات الحضور حوله.

لكن سرعان ما أعلن ممثل السودان رفضه لمشروع القرار، وساندته بعض الدول، على رأسها الصين، ودول أخرى ومعظم دول المجموعة العربية، فيما طالبت الدول الغربية والمنظمات الحقوقية غير الحكومية بضرورة اعتماد قرار قوي يدين الانتهاكات، على أن تنشأ بموجبه آليّة للتحقيق والتقصي، وذلك للحيلولة دون الإفلات من العقاب، وضمان محاسبة المتورطين في الانتهاكات من جميع الأطراف.

لاحقاً أعلنت قوات الدعم السريع تأييدها التام للمشروع الذي رفضه الجيش السوداني جملة وتفصيلاً، وأبدت رغبتها في التعاون مع المحققين الدوليين دون شروط؛ الأمر الذي طرح السؤال القديم مرة أخرى، لماذا يرفض الجيش جميع لجان التحقيق في جرائم الحرب، فيما يوزع الاتهامات ليل نهار، يمنة ويسرة، أنّ قوات الدعم السريع تحتل المنازل وتغتصب وتسرق وتقتل على الهوية وترتكب جرائم بشعة ضد الإنسانية ترقى إلى جرائم حرب؟

هل الجيش لا يرغب بإدانة وملاحقة دولية لعدوه (الدعم السريع)؟ وهل يريد استصدارات مذكرات توقيف بحق قادته؟

إذاً ما السبب وراء رفض الجيش؟

إجابات حاضرة

"لا شيء، غير أنّ قوات الدعم هي ابنة الجيش الشرعية"، قالها أحد السياسيين عندما سئل بداية الحرب، لماذا ترتكب قوات الدعم السريع بعض الانتهاكات؟

وتبدو هذه العبارة الآن، إجابة مثالية عن السؤال: لماذ رفض الجيش لجنة التحقيق الدولية؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتّاح البرهان

يقول مراقبون ومحللون: في الواقع ارتكب الجيش نفسه انتهاكات لا حصر لها، ولربما فاقت عدداً وفداحة ما ارتكبته قوات الدعم السريع، وهذا ما أكده العديد من التقارير الصادرة عن جهات حقوقية مرموقة ومؤسسات إعلامية رصينة.

أحد أبرز التقارير التي غطت انتهاكات الحرب، ورصدت خلالها جرائم فظيعة ارتكبتها الأطراف المتقاتلة، لا سيّما الجيش والدعم السريع، كان القدح المعلى فيها للجيش، خصوصاً في ميدان القتال الرئيس، العاصمة الخرطوم. فقد أصدر (محامو الطوارئ) وهي منظمة حقوقية سودانية مستقلة، فاعلة في مجال حقوق الإنسان ورصد انتهاكات الحرب، في 27 أيلول (سبتمبر) الماضي، أول تقرير حقوقي مهني عن انتهاكات الحرب الراهنة، عنوانه (مُدن تحت الحِمم ـ حول ضحايا القصف الجوي والمدفعي في السودان).

رفض الجيش السوداني مشروع اللجنة الأممية لتقصي الحقائق، لكونه سيكشف عنه الغطاء، وربما سيجرّم قادته، وقادة الإخوان المسلمين، وليست ثمّة أسباب أخرى للرفض، كما تروج عناصر الجماعة وكوادرها الإعلامية ليل نهار

 

التقرير المكون من (48) صفحة غطى ميدانياً الفترة من 16 نيسان (أبريل) إلى 19 أيلول (سبتمبر)، ورصد (160) حالة قصف مدفعي وجوي راح ضحيتها في المدن المرصودة (954) مدنياً، وأصيب (2438)، كان للجيش نصيب الأسد منها، وفقاً للتقرير.

ووثق تقرير (محامو الطوارئ) استغلال مفارز من الجيش لمنازل المواطنين واستخدامها منصات لقناصته وارتكازات عسكرية له، كما أظهرت حجم الضرر الذي حاق بأرواح المواطنين وممتلكاتهم ومنازلهم جراء القصف الجوي والمدفعي العشوائي للأحياء السكنية بالعاصمة، خصوصاً مناطق جنوب الحزام الأخضر بالخرطوم، وضاحيتي الحاج يوسف وصالحة ببحري وأم درمان؛ على التوالي.

وكشف أنّ عدد المدنيين الذين قتلوا في العاصمة وحدها بلغ (470)، وأُصيب (2171) آخرين، جراء القصف المدفعي والجوي للجيش السوداني.

مشاركة واسعة للإرهابيين

كما وثق تحقيق استقصائي لـ (بي بي سي)، بث في 3 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، مشاركة قياديين إسلاميين في السودان، وكوادر محسوبين على نظام الرئيس المعزول عمر البشير في الحشد للقتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أبرزهم أحمد هارون، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية.

وأظهر التحقيق مقاطع مصورة تؤكد مشاركة جماعات من الإسلاميين في الحرب الدائرة بجانب الجيش السوداني.

كما أنّ العقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية قبل أيام على زعيم الحركة الإسلامية (إخوان) علي كرتي، بسبب ما وصفته بمسؤوليته عن عرقلة الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي في السودان، تعتبر شاهداً قوياً على سيطرة الإخوان على القرار السياسي لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

لجميع هذه الأسباب، ولأسباب أخرى ستتكشف يوماً بعد آخر، كلما استطال أمد الحرب، رفض الجيش مشروع اللجنة الدولية لتقصي انتهاكات الحرب.

سلوك إخواني أصيل

يعتقد راصدون ومحللون للخطاب السياسي والحربي للجيش السوداني أنّه صادر عن جماعة الإخوان الوالغة في الحرب الراهنة، وأنّ استعداء المحيط الدولي والإقليمي ودول الجوار، سلوك سياسي أصيل لدى (إخوان السودان) على وجه الخصوص، كما أنّ لغة البيانات والرسائل والخطابات والخطب السياسية لقادة الجيش، لا تخفي عنها بصمة الإخوان. وأنّ الجماعة عرفت على مدى العقود الـ (3) التي سيطرت خلالها على مقاليد الحكم في السودان بارتكاب جرائم خطيرة وفادحة، لكنّها دأبت على التنصل منها وإنكارها، ونسبتها إلى أطراف أخرى داخلية وخارجية عبر آلتها الإعلامية، وهذا بالضبط ما يحدث في الحرب الماثلة.

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

يعلم الجميع، وهذا مثبت وموثق بالأدلة والبراهين، أنّ الآلة الإعلامية للإخوان المسلمين نجحت في نشر كوادرها في الفضاء الإعلامي العربي على وجه الخصوص، ليس مع بداية الحرب فقط، وإنّما لـ (30) عاماً انصرمت حكمت فيها البلاد، لم تكن خلالها تسمح إلّا في حالات نادرة واستثنائية، بتسريب أيّ كادر إعلامي غير منتمٍ لها إلى القنوات الفضائية العربية، وهؤلاء يتولون الآن مهمة الترويج أنّ الجيش لا يرتكب أيّ انتهاكات، وأنّه مؤسسة تعمل وفق قوانين الحرب، فيما يكشف الواقع والتقارير الحقوقية والتحقيقات الاستقصائية الصحفية، يوماً إثر آخر، عن ارتكاب الجيش، رفقة ميليشيات الإخوان والدواعش، كالبراء بن مالك، والقوات الخاصة، وهيئة العمليات، والدفاع الشعبي، وكتائب الظل، والمُستنفرين، لفظائع وأهوال يندى لها الجبين.

لهذه الأسباب مجتمعة، ولأسباب أخرى ستتكشف، ولو بعد حين، رفض الجيش السوداني مشروع اللجنة الأممية لتقصي الحقائق، لكونه سيكشف عنه الغطاء، وسيجرّم ـ ربّما ـ قادته، وقادة الإخوان المسلمين، وليست ثمّة أسباب أخرى للرفض، كما تروج عناصر الجماعة وكوادرها الإعلامية ليل نهار.

مواضيع ذات صلة:

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية