لقمان سليم: إذا لم يكن حزب الله فمن يكون؟

لقمان سليم: إذا لم يكن حزب الله فمن يكون؟


07/02/2021

تعدّدت التحليلات والقراءات السياسية، بعد مقتل الناشط اللبناني لقمان سليم في الضاحية الجنوبية في لبنان التي يسيطر عليها حزب الله. وثمة من تساءل: هل فعلها الحزب. وإن لم يكن حزب الله وراء هذه الجريمة المروّعة، فمن يكون؟

الحزب، وبعد تصريحات غاضبة للسفيرة الأمريكية بلبنان، أصدر بياناً ندّد فيه باغتيال سليم، مطالباً في بيان "الأجهزة القضائية والأمنية بالعمل سريعاً على كشف قاتلي لقمان سليم ومعاقبتهم".

بلغ حزب الله مرحلة من الارتياح والاطمئنان والقوة التي لا تثنيه عن القيام بأي عمل، فهو واثق من أنّ لا أحد يطاله

كما طالب حزب الله "بمكافحة الجرائم المتنقلة ومحاولات استغلالها سياسياً وإعلامياً على حساب الأمن والاستقرار".

وكان عثر الخميس على جثة سليم مصابة بـ 5 طلقات نارية، أربع منها في الرأس وواحدة في الظهر داخل سيارته قرب بلدة العدوسية في محافظة النبطية جنوب البلاد.

لقمان تعرّض للتعذيب قبل مقتله

وكشفت مصادر طبية لقناة "العربية" أنّ لقمان تعرّض للتعذيب قبل مقتله، فيما أفادت أنباء أنّ عبارات تهديد بالقتل كتبت على جدران منزل لقمان سليم القاطن في منطقة تعد من معاقل حزب الله، لكنّ الأجهزة الأمنية لم تُعر أي اهتمام لتلك التهديدات. وعلقت السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا، "إنه لاغتيال بربري. لقد قال لقمان سليم سراً وعلانية إنه كانت هناك تهديدات لحياته، ومع ذلك استمرّ، بشجاعة، بالدفع من أجل العدالة والمساءلة وسيادة القانون في لبنان".

وأشارت إلى أن "هذا الاغتيال لم يكن مجرد اعتداء وحشي على فرد، بل كان هجوماً جباناً على مبادئ الديموقراطية وحرية التعبير والمشاركة المدنية. إنه أيضاً هجوم على لبنان نفسه".

وأكدت أنّ استخدام التهديد والترهيب كوسيلة لتخريب حكم القانون وإسكات الخطاب السياسي هو أمر غير مقبول، قائلة: "إننا ننضمّ إلى أصدقاء لبنان الآخرين وقادة البلد الذين قاموا بإدانة هذه الجريمة المروّعة. وندعو جميع القادة من مختلف الأطياف السياسية إلى القيام بالشيء ذاته".

مَن المستفيد من الاغتيال؟

في أول تعليق لها على اغتيال لقمان، قالت شقيقته إنها "لا تتّهم أحداً في الاغتيال لكنّ القاتل معروف. وهو الذي لديه السيطرة على المنطقة التي قتل بها لقمان". وذكّرت رشا سليم بالتهديدات التي تعرّض لها شقيقها في منزله، معتبرةً أنّ من هدّده ضالع في قتله، مضيفةً "هذه بَصمتُهم، أن يرحل الجميع ولا يبقى سوى القتلة". وحول التحقيقات والقضاء، قالت إنّ "القوى الأمنية تكاسلت في الاستجابة لشكاوى التهديد، وتقاعست عن حمايته، رغم التهديدات التي مسّت سلامته على مدى أكثر من عام".

بيْد أنّ قناة "الميادين" المدعومة من حزب الله، اتهمت إسرائيل بالضلوع في اغتيال لقمان سليم، قائلة: "خلف كل حادثٍ أمني في لبنان، فتش عن (إسرائيل) والأجهزة الاستخباراتية المرتبطة بها، فالمتابع لتاريخ (الموساد) الحافل بهذا النوع تحديداً من التصفيات، لا يمكن أن ينسف على الأقل هذه الفرضية من حيث التوقيت والأسلوب والأهداف، ولا يمكن أن يغفل عما تنشره الصحف الإسرائيلية من تقارير تكشف عن محاولات مستمرة لإشغال حزب الله داخلياً، وتعميق الأزمة اللبنانية، وتأليب الرأي العام على المقاومة وعلى عهد الرئيس ميشال عون". 

اقرأ أيضاً: بعد مقتل لقمان سليم... هل يصعّد العالم ضد حزب الله؟

وتساءلت "الميادين": لماذا سيقوم (الموساد) بتصفية خصمٍ لحزب الله؟  لتجيب "في كلا الحالتين، سواء كان الهدف هو أحد قادة المقاومة أو أحد معارضيها، فإن (إسرائيل) دائماً هي المستفيدة. في الحالة الأولى، يلجأ (الموساد) إلى اغتيال القادة الأمنيين والعسكريين للتخلص منهم وإرباك المقاومة وشلّ قدراتها وتسجيل خرق أمني في ملعبها. أما في الحالة الثانية، فيستخدم الموساد سياسة اغتيال خصوم الحزب لتوظيفها في حرب التحريض وإظهار المقاومة على أنها حركة قمعية أو "ميليشيا" تلجأ إلى تصفية من يخالفها الرأي".

هل هناك دليل قطعي يدين حزب الله؟

وعلى الرغم من عدم وجود دليل قطعي يدين حزب الله في هذه الجريمة التي يقول ناشطون وسياسيون لبنانيون إنها لن تكون الأخيرة، فهذا لا يعني تبرئة الحزب من دم لقمان سليم. فللحزب، كما يقول مراقبون، أساليبه الاستخباراتية المتقنة لإخفاء أدوات وأدلة أي جريمة، مذكرّين بحادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي تحلّ ذكراها بعد أيام، والتي وجهت خلالها أصابع الاتهام إلى حزب الله الذي أدانته المحكمة الدولية في قرارها العام الماضي وطالبت بملاحقة أعضاء فيه، لكنّ أحداً لم يحاسب حزب الله الذي يستغل مناخ اللادولة في لبنان، ويمارس هيمنة سياسية ضد خصومه ومنتقديه حتى لو لو كانوا "شيعة" كما هو حال لقمان سليم الذي كان  حزب الله يتهمه بأنه من "شيعة السفارة"، أي الرافضين من الطائفة الشيعية لسلوك حزب الله والذين يتواصلون مع السفارة الأمريكية.

تتعدّد القراءات السياسية حول عملية الاغتيال، وتتنوع الأسئلة. أصابع الاتهام الأولى وجهت بديهياً إلى حزب الله، بما أنّ لقمان أحد معارضيه الشرسين اللاذعين، ومن أبرز الذين حمّلوا حزب الله مسؤولية تفجير مرفأ بيروت، والكثير من العمليات الأمنية والاغتيالات، وصولاً إلى مسؤولية الانهيار الاقتصادي، كراع للطبقة والمنظومة السياسية كلها، وفق الكاتب منير الربيع.

وعلى هامش هذا الاتهام، يتابع الربيع في "المدن": لا بد من طرح أسئلة كثيرة: عن التوقيت، والخلفيات، والدافع، والموقع. ويتقدم السؤال عن موقع الجريمة على ما عداه.

كثر يتساءلون ما إذا كان من المنطقي والواقعي أن يُقدم حزب الله على مثل هذه العملية في منطقة محسوبة عليه وخاضعة لسيطرته؟ وكأنه يسهّل إلقاء الاتهام عليه. ويردّ استنتاج آخر: بلغ حزب الله مرحلة من الارتياح والاطمئنان والقوة التي لا تثنيه عن القيام بأي عمل وفي أي موقع. فهو واثق من أنّ لا أحد يطاله، ولا تحقيق يصل إلى شيء.

رشا سليم، شقيقة لقمان: لا  أتهم أحداً في الاغتيال لكنّ القاتل معروف. وهو الذي لديه السيطرة على المنطقة التي قتل بها لقمان

حزب الله لم يعد مستعداً لمراعاة أحد

وترد فكرة أخرى: لربما تقصّد حزب الله الموقع ليقول للجميع إنه لم يعد مستعداً لمراعاة أحد، معلناً مسؤوليته المجهولة. ويستمر تزاحم الأسئلة والسيناريوهات: ماذا لو نفذت العملية جهة تريد إحراج الحزب أكثر، والضغط عليه، وتحميله مثل هذه المسؤولية؟ ولماذا الآن طالما أنّ لقمان وغيره من الشيعة المعارضين يقيمون في الضاحية ولم يمسسهم أحد؟

وفي الغوص في التفاصيل المتصلة بلقمان سليم، نجد أنه متعدد الانشغالات والمواهب، وهو ما أضاءت عليه في "المدن" الكاتبة رشا الأطرش، حيث كتبت: الفريسة اليوم، وللمرة الأولى منذ عقود، شيعية. وبذلك تكون الرسالة واضحة: خوف القاتل في زمن ترنح كل شيء. تخويف العموم، بالخاص المقتول المشهودة معارضته. هذا هو المستجد، بعد سلسلة من ضحايا، إما انتموا إلى طوائف هامشية أو مستضعفة أو مكشوفة، بلا نفوذ الإقليم والسياسة، الدولة والسلاح، وإما كانوا خارجين من وعلى طوائفهم فلا تعود سندهم بمفردات السياق اللبناني المعهود، وإما أنهم عابرون للطوائف. والنتيجة، عَودٌ على بدء، أي أنهم عُزَّل من أي شبكة أمان أو احتمال موجات ارتدادية على المرتكبين، بعدما أثبت القضاء اللبناني والدولي ما أثبته من قصور وعجز، وفي كنف مجتمع لبناني مقلوعة أظافر مقاومته السياسية والمدنية والثقافية، يستمع إلى أمين عام الحزب المهيمن وهو يهدد منابر نقده بالواضح المُبِين.

اقرأ أيضاً: لقمان سليم.. "طفل باحث" رفض أن "يعفو الله عما سلف"

ولقمان سليم، قبل أن يكون "شيعياً" معارضاً لحزب الله، هو، في نظر الأطرش، المثقف الذي كرّس جزءاً كبيراً من مقدراته ومواهبه وموارده لمناهضة المَنع والحجب والإلغاء أياً كان. هو الناشر الذي جعل "دار الجديد" أكثر من منبر لأعلام السياسة والثقافة والشِّعر، فصعدت كمنصّة لممنوعات تُبعث فيها الحياة، ولو بعد حين، ورغماً عن رقابة الدين والسياسة والأيديولوجيا. أعاد نشر كتب العلّامة عبدالله العلايلي، لا سيما "أين الخطأ" الذي صدر في طبعته الأولى عن "دار العلم للملايين" العام 1978، ثم عاد وأبصر النور عبر "دار الجديد" بصيغته النهائية، مع مقدّمة بقلم الشيخ نفسه في العام 1992. كما أعاد سليم، نشر "في الشعر الجاهلي" لطه حسين، ضمن سلسلة طبق الأصل، أي كما طبعته الأولى الصادرة في القاهرة العام 1929. 

وهناك، كما تذكر رشا الأطرش، فيلم لقمان سليم عن لبنانيين في السجون السورية، تطرق إلى موضوع ظلّ محرّماً ومكتوماً ومعتّماً عليه، لسنوات طوال، سواء خلال مرحلة الوصاية السورية المباشرة على لبنان، أو الوصاية السورية- الإيرانية اللاحقة عبر أذرعهما ووكلائهما.

استنطاق القتلة

ولقمان سليم، هو الكاتب والمُترجم وصانع الأفلام الذي قارَبَ حِرفة التأريخ للمجازر اللبنانية من زاوية استنطاق القَتَلة. القَتَلة "مواضيع" شغلته، ولعل موته قتيلاً ليس بمفارقة. أعطاهم صوتاً وكمَّل رسم شخصياتهم ليعودوا من لحم ودم، من أجل إدانة أكثر استدارة وراهنية وتاريخية. فيلمه عن مجزرة صبرا وشاتيلا، التي دأب على إحياء ذكراها واستنكارها كل عام، جاء بألسنة مشاركين فيها. وأحد أبرز مجرمي "السبت الأسود"، جوزيف سعادة، ترجَم لقمان سليم سيرته بلُغة تترك القارئ حائراً بين الاستمتاع بهذا النص البديع، وبين مشاعر الغضب والمقت للشخصية المُركَّبة من مأساة ذاتية وتعصّب فردي وجماعي، والتي تنطق، عبر هذا الجمال الساحر، كراهتها وإجرامها.

ولقمان هو المغرم باللغة، متجرّعها وكاتبها وساقِيها حتى الثمالة التي لا صحوة منها. الباحث الذي قلّ نظيره لبنانياً. ولعله الوحيد الذي عُني بما عُني به من أرشيف وذاكرة، كانا قد سقطا في الإهمال أو النسيان، أو التعمية المتعمّدة، سواء ما تعلّق بالحرب الأهلية اللبنانية، مليشياتها وأحزابها، مقاتليها ومفقوديها.. أو ما سبقها أو تلاها من يوميات ومحفوظات وفنون أشبه بالكنوز.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية