لماذا تراجعت الدراما التونسية هذا العام؟

لماذا تراجعت الدراما التونسية هذا العام؟

لماذا تراجعت الدراما التونسية هذا العام؟


27/03/2023

برغم حضورها بشكل لافت في الدراما الرمضانية على الشاشات الجزائرية سواء في الإخراج أو التمثيل، شهدت الدراما التونسية تراجعاً كبيراً على مستوى عدد الأعمال المنتجة لموسم رمضان 2023، حيث لم يتواجد سوى مسلسلين أساسيين فقط.

ويُعدّ شهر رمضان في تونس وأغلب البلدان الإسلامية الموسم الأضخم درامياً على مدار العام، بينما لم تنتج الدراما التونسية هذا العام سوى عملين هما "الجبل الأحمر" من إنتاج التلفزيون الرسمي التونسي، و"الفلوجة" من إنتاج قناة الحوار الخاصة. 

وقد اعتمدت أغلب القنوات التلفزيونية التونسية هذا الشهر على إعادة الأعمال القديمة، وعرض مسلسلات تركية، إلى جانب المحتوى الترفيهي، مثل برامج المسابقات والطبخ، وبعض الأعمال المصرية.

عنف وانحلال أخلاقي

ندرة الأعمال الدرامية غطاها الجدل الذي أحدثه مسلسل "الفلوجة"، الذي بات منذ بث حلقته الأولى في مرمى نيران المشاهدين والسلطات على حدٍّ سواء، ممّا أثار ردود فعل قوية دفعت وزارة التربية إلى الإعلان عن رفع قضية مستعجلة من أجل وقف بثه، كما أعلنت مجموعة من المحامين رفع قضية من أجل توقيفه أيضاً.

ويتطرّق مسلسل فلوجة، الذي يبثه تلفزيون "الحوار التونسي" الخاص، إلى العنف المتفشي داخل المعاهد التونسية وغيره من الظواهر مثل ترويج المخدرات واستهلاكها، ممّا جعل فئة من التونسيين تعتبر أنّه يكرّس انحلالاً أخلاقياً وشرعنة للجرائم داخل الفضاء المدرسي، فيما يرى شق آخر من التونسيين أنّ هذا العمل مرآة لما يحدث داخل المؤسسات التعليمية.

 أثار مسلسل "الفلوجة" ردود فعل قوية دفعت وزارة التربية إلى الإعلان عن رفع قضية مستعجلة من أجل وقف بثه

هذا، وتردد صدى ذلك لدى رئاسة الجمهورية ومجلس وزاري عقد في الغرض، وأعلن وزير التربية محمد علي البوغديري عن رفع قضية لتوقيف بث المسلسل بالتنسيق مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد والحكومة برئاسة نجلاء بودن، مشيراً في تصريحات بثتها إذاعة (ديوان إف إم) المحلية إلى أنّ "هذا المسلسل أساء كثيراً لكامل الأسرة التربوية، وهو ما نستنكره في وزارة التربية".

كذلك تحرّكت نقابات التعليم سريعاً مطالبة بإيقاف بثه، وطالبت نقابة الأمن الداخلي، في بيان، السلطات بالتدخل ضد المسلسل، قائلة: إنّه "تم تصويره على أنّه السبب الأول في الانحلال الأخلاقي وتمّت شيطنته، واصفين الفضاء التربوي على أنّه فضاء لتعاطي المخدرات والانحلال والتسيب".

يُعدّ شهر رمضان في تونس وأغلب البلدان الإسلامية الموسم الأضخم درامياً على مدار العام، بينما لم تنتج الدراما التونسية هذا العام سوى عملين

من جانبها، اعتبرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري المهتمة بتعديل المشهد الإعلامي، أنّه لا يمكن الحكم على مسلسل منذ أول حلقة، محذرة ممّا سمّته "استسهال الصنصرة" في البلاد.

بالمقابل، أوضحت الصحافية المتخصصة في الشأن الثقافي ريم قاسم في تصريح لـ (إندبندنت عربية) أنّ "الجدل يبدو مبالغاً فيه، كلّ رمضان ترافق مثل هذه الأعمال ضجة ومع ذلك يواصل التونسيون متابعتها، ويسهمون في رفع نسب المشاهدة، بالتالي في تعزيز عائدات القنوات التي تنتجها من الإشهار، ومن بينها تلفزيون الحوار التونسي الذي يستفيد من هذا الجدل".

بينما رجح المؤرخ عبد الجليل بوقرة، وفق المصدر نفسه، أن يتم إيقاف مسلسل فلوجة "بدعم من جزء كبير من الرأي العام الذي لا يعلم أنّه سلم أمره إلى آلة المنع التي إذا اشتغل محركها، فإنّه لن يتوقف، لأنّ شهيتها مفتوحة ولا حدّ لها، فهي تلتهم الحجر والخبز، الجيد والرديء، وسيكون إيقاف محركها عملاً صعباً ومكلفاً"، وفق تعبيره.

تردد صدى مسلسل "الفلوجة" لدى رئاسة الجمهورية ومجلس وزاري عقد في الغرض،  وأعلن وزير التربية محمد علي البوغديري عن رفع قضية لتوقيف عرض المسلسل

 

وقال الممثل التونسي الشهير مهذب الرميلي: إنّ "هذا العمل فيروس يهدد المجتمع التونسي، ولا يمكن أن أقبل المشاركة"، وأبرز في تصريحات بثتها إذاعة (موزاييك) المحلية أنّ "هناك سذاجة في طريقة طرح مسلسل فلوجة، وأعتقد أنّ وزارة التربية لم تكن على علم بمضمونه، أو اطلعت على السيناريو ولم تفهمه".

هذا، وتردّد أوساط تونسية أنّ أحداث المسلسل مشابهة لسلسلة "إيليت" (النخبة) الإسبانية لمخرجيها كارلوس مونتيرو وداريو مادرونا، وهناك تطابق كبير على مستوى السيناريو و"كاستينغ" اختيار طاقم العمل.

تطبيع مع العنف

في الأثناء، يبث التلفزيون الرسمي مسلسل "جبل لحمر" من إخراج ربيع التكالي، وبطولة فتحي الهداوي ونادية بوستة وأميمة بن حفصية ومرام بن عزيزة ودليلة مفتاح وخالد هويسة ونصر الدين السهيلي، وهو مسلسل اجتماعي، تدور أحداثه في (20) حلقة، في منطقة شعبية في العاصمة التونسية ترتفع فيها نسبة الجريمة والعنف.

مسلسل "جبل لحمر" من إخراج ربيع التكالي

المسلسل أثار في البداية تكهنات واسعة حول محتواه، إذ يُعدّ هذا الاسم إحالة على منطقة الجبل الأحمر التي تعرف انتشاراً للعنف والجرائم، ممّا أثار خشية عبّر عنها كثيرون من التطبيع مع تمرير مشاهد العنف خلال الأعمال الرمضانية، لكنّ الحلقات الأولى للمسلسل أظهرت أنّه يتطرق إلى العلاقات والروابط الاجتماعية داخل هذه المنطقة.

وينتقد متابعون إنتاج التلفزيون الرسمي، الذي قالوا إنّه يفترض أن ينتج عدداً أكبر من الأعمال الدرامية، باعتباره مموّلاً من الدولة التونسية، وعليه مسؤولية تشجيع الإنتاج الثقافي في ظل غياب شركات إنتاج خاصة.

وقد أثارت الأعمال الدرامية التونسية في الأعوام الأخيرة الكثير من الجدل بسبب مضامينها، وطالبت المنظمة التونسية لحماية الطفولة الفضائيات المحلية بمراعاة سن المشاهدين، والتنبيه إذا كانت هناك مشاهد صادمة للصغار.

 تراجع المسلسلات الهزلية

المسلسلات الهزلية التي كانت تحضر بكثافة على الشاشات التونسية خلال رمضان، تراجع إنتاجها كذلك هذا العام، إذ اكتفى التلفزيون التونسي بإنتاج "للا السندريلا" لسنية بن بلقاسم، ومن بطولة دليلة المفتاحي وسماح السنكري وياسين بن قمرة.

ينتقد متابعون إنتاج التلفزيون الرسمي، الذي قالوا إنّه يفترض أن ينتج عدداً أكبر من الأعمال الدرامية باعتباره ممولاً من الدولة التونسية

 إلى ذلك، أعلنت قناة حنبعل عن إنتاج مسلسل "سيتكوم" على عجل، من دون تقديم تفاصيل حاسمة حوله، في حين اكتفت "نسمة" الخاصة، التي كانت الأكثر مشاهدة قبل أعوام، بسلسلة كوميدية من بطولة كمال التواتي، تم إعدادها في اللحظات الأخيرة.

 وتغيبت بقية الفضائيات عن السابق، مثل القناة الثانية المملوكة للدولة، والتاسعة، و"قرطاج بليس"، و"تلفزة تي في".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية