لماذا تشوه تركيا سمعة السوريين وتتعامل معهم كمرتزقة؟

لماذا تشوه تركيا سمعة السوريين وتتعامل معهم كمرتزقة؟


07/07/2020

ترجمة: علي نوار

تنخرط كلّ من تركيا وقطر في الحرب الأهلية الثانية التي تشهدها ليبيا، وهي معلومة ليست بحديثة أو خافية على أحد، لكن من الضروري الوقوف على الأحداث التي سهّلت هذا التدخل وماهية المشكلات الناجمة عنه.

يمكن فهم التصريحات التي أدلى بها السيسي وحذّر خلالها من تدخّل عسكري محتمل، وهو ما يرفع احتمالات حدوث صدام بين مصر وتركيا؛ سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة

ومن المعروف تقليدياً أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنشط فيها ثلاثة تكتّلات سياسية كبرى تتنازع السيطرة فيما بينها، وهي:

التكتّل العربي: ذو الطابع السنّي العربي، وأبرز فاعليه هي المملكة العربية السعودية، ويضمّ أيضاً جانباً كبيراً من دول الخليج، وكذلك مصر، وهو التكتّل الذي يحظى بالعلاقات الأوثق مع الغرب، ومصالح متوافقة مع أوروبا واليونان وإسرائيل.

كما يوجد محور المقاومة، الذي تقوده إيران، والتي بدورها بنت شبكة من الأطراف، سواء دول أو غير دول، حيث تتكوّن هذه الشبكة من إيران بالطبع، وسوريا، والعراق بدرجة ما، ولبنان، والشطر الشمالي من اليمن.

إضافة إلى محور ثالث؛ هو الإخوان المسلمون، الذي يشمل فقط تركيا وقطر وبعض الجماعات الموالية لهما.

ويُطلق على التكتّل الأخير أحياناً محور الإخوان المسلمين، الذين تقوم أيديولوجيتهم على القومية الإسلاموية وتشكيل دولة إسلامية مترامية الأطراف من المغرب وحتى باكستان وإندونيسيا.

من جانبها، بدأت تركيا قبل نحو عقد السير في طريق الإسلاموية والعثمانية الجديدة، ما أكسب السياسة الخارجية لأنقرة مزيداً من التطلّعات والجرأة أكثر من أي وقت مضى.

ونظراً لأنّ قطر هي المساند الأبرز لجماعة الإخوان المسلمين، ووجود أذرع للجماعة في ليبيا، فقد بات الطريق ممهّداً للتدخّل في ليبيا ومنصّة يمكن منها توسيع النفوذ سواء في ليبيا أو إقليم شمال أفريقيا ككلّ.

إرسال مرتزقة تحت لواء الجيش السوري الحر، الذي لا يعرف أحد على وجه التحديد طبيعة أفكاره، أعراض دالّة على ماهية الأيديولوجية التي تعتنقها أغلب الحركات المؤيّدة لحكومة الوفاق

ومن أبرز وجوه هذا المحور؛ عبد الحكيم بلحاج، مؤسّس "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة"، والتي صنّفتها منظمة الأمم المتحدة كأحد أفرع تنظيم القاعدة الإرهابي، ويعتقد أنّها شنّت هجمات إرهابية خارج ليبيا، لكنّها فوق كلّ ذلك أقوى أذرع قطر في الداخل الليبي، حسبما يرى كثير من المحلّلين.

بالمثل، تظهر شخصية أخرى هي الصادق الغرياني، مفتي ليبيا، والذي أيّد مقاطعة منتجات الدول العربية الأخرى، ودعا مواطنيه لدعم "الشقيق التركي"؛ لذا ينظر له عدد غير قليل من الليبيين على أنّه أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

إضافة إلى ذلك، يوجد وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي علي باشاغا، الذي تشير مصادر عدّة إلى كونه على صلة وثيقة بتركيا، ليصبح أقرب إلى "حصان طروادة" لتيّار العثمانية الجديدة.

عامل آخر جدير بالذكر؛ هو أنّ الإقليمين الأكبر على مستوى ليبيا: برقة وطرابلس، يتميّزان بتقاليد سياسية وثقافية متباينة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الأخير هو الأقرب للإمبراطورية العثمانية البائدة.

مخاطر التدخّل في ليبيا

وبعيداً عن كبار الشخصيات الذين يخدمون مصالح هذه الكتلة، من المهم تقييم حجم المخاطر التي يمثّلها تحقيق محور أنقرة- الدوحة لمكاسب في الساحة الليبية، وفي مقدّمة هذه التهديدات يبرز استخدام مسارات الهجرة غير الشرعية كسلاح وورقة ضغط في مواجهة دول الجوار، لا سيما أوروبا.

كما أنّ هناك تخوّفات من استفحال الجماعات الأصولية الموالية لحكومة الوفاق، التي تستند بالفعل إلى حركات ذات طابع جهادي، ولعلّ إرسال مرتزقة تحت لواء الجيش السوري الحر، الذي لا يعرف أحد على وجه التحديد طبيعة أفكاره، أو انخراط أعداد كبيرة من الأفراد في صفوف تنظيم داعش في ليبيا، بمدينة درنة، أعراض دالّة على ماهية الأيديولوجية التي تعتنقها أغلب الحركات المؤيّدة لحكومة الوفاق، فضلاً عن رغبة كامنة لدى الأتراك في تشويه سمعة السوريين وتقديمهم كمرتزقة ذوي أفكار متطرفة.

ولا دليل أبلغ على ذلك من القوة الخاصة التي شكّلتها وزارة الداخلية في حكومة الوفاق، تحت اسم "قوة الردع الخاصة"، التي تعمل بناء على مبادئ قانونية مستقاة من الشريعة، أقرّتها المحكمة الإسلامية العليا.

وتُسند إلى قوة الردع الخاصة مهمّة مكافحة الأنشطة "الأخطر" على الإطلاق، مثل احتساء الكحوليات واعتناق أو ممارسة شعائر أديان أخرى، خلافاً للإسلام السنّي المحافظ، والحراك السياسي السلمي المناهض للتدخّل التركي، وجماعة الإخوان المسلمين.

اقرأ أيضاً: التدخل التركي في سوريا.. نهب يتستر بشعارات الإنسانية

ونفذت قوات الردع عمليّات قمع في داخل طرابلس ومصراتة وترهونة، والتي تعرّضت لعمليات سلب واستخدام مفرط للقوة بعد دخولها.

تنبغي الإشارة هنا أيضاً إلى أنّ ترهونة وبني وليد تقعان تاريخياً ضمن التصنيف الرافض للعثمانيين، لذا فإنّ إخضاعهما لنفوذ حكومة طرابلس من شأنه إذكاء التوتّر وروح الانتقام.

على أنّ الأخطر، حتى الآن، هو إعلان أنقرة بوضوح نيّتها إنشاء قواعد عسكرية جوية وبحرية في ليبيا، وهو ما يعني منح الأتراك امتيازات هائلة في الصراع على المحروقات، في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، والملفّ القبرصي كذلك.

فضلاً عن أنّ ثمن الدعم التركي كان تعهّد حكومة الوفاق في ليبيا بتمديد منطقتها الاقتصادية في البحر المتوسط لمدى أبعد من المعقول، وبهدف وحيد هو تمكين تركيا من اكتساب مساحات أوسع تسمح لها بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي علاوة على التحكّم في خطوط الغاز.

وتشكّل نقطة الغاز الطبيعي هذه أهمية كبيرة بالنسبة إلى أوروبا، التي تستهلك كميات هائلة من الغاز، لا سيما أثناء الشتاء وفي دول الشمال، ولتخيّل مدى أهمية الغاز، يكفي تذكّر كيف أنّ روسيا هدّدت شرق أوروبا وحتى ألمانيا بـ "إغلاق صنبور الغاز" خلال النزاع في أوكرانيا.

لذا، وفي حال نجاح تركيا في السيطرة على آبار وخطوط الغاز الجديدة في شرق المتوسط؛ فإنّ فرص تحقيق استقلالية إستراتيجية عن طريق تنويع مصادر الغاز ستتعرّض لضربة قاصمة، وربما تزداد الأمور فداحة إذا قرّر فلاديمير بوتين وأردوغان تقاسم الهيمنة على الغاز.

على أنّ وضع أوروبا في هذه النقطة لا يبدو سيئاً للدرجة، فحقول وأنابيب الغاز محلّ خلاف بين اليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل ومصر، إضافة إلى شركات إيطالية وفرنسية تعمل في هذه الحقول وتضغط على حكومات دولها.

مصر في مواجهة تركيا

زادت المخاوف من حدوث تصعيد في الحرب الأهلية الليبية، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها مؤخراً الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومفادها أنّ بلاده ستتدخّل عسكرياً، وبشكل مباشر، إذا حدث تجاوز لبعض الخطوط الحمراء.

اقرأ أيضاً: تقرير: التدخل التركي في سوريا يخدم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية

وكانت الخطوط الحمراء التي تحدّث عنها السيسي صراحةً هي: سرت والتقدّم بعدها نحو الشرق، والجفرة حيث القاعدة الجوية التي توجد بها حاليًا مقاتلات "ميج-29" وطائرات هجومية واعتراضية روسية طراز "سو-24".

وقد أعلن السيسي؛ أنّ أي تدخّل عسكري مصري محتمل في ليبيا سيرتكز إلى أسس منها:

 1) حماية الحدود الغربية من تهديدات الميليشيات الإرهابية، تعدّ بعض الأطراف حكومة الوفاق الوطني ملاذاً للجماعات الجهادية والإسلاموية.

 2) إحلال الاستقرار في ليبيا.

 3) وقف سفك الدماء الناجم عن الحرب.

 4) تطبيق وقف فوري لإطلاق النار.

والواقع أنّ الحرب الأهلية في ليبيا أصبحت شأناً دولياً منذ أعوام؛ فمنذ اندلاعها، وخلال الحرب الأولى، حدث تدخّل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والذي كان عاملاً أساسياً في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي عسكرياً، وهو الذي كان في موقف سياسي بالغ الهشاشة، لكنّه كان الطرف الأقوى من الناحية العسكرية مقارنة بالمعارضين المسلّحين.

إلّا أنّ هناك اختلافات بين الحربين الأهليتين، الأولى والثانية، في ليبيا، فقد أصبحت القوى الدولية تتصادم فيما بينها عن طريق دعم أطراف متناحرة، ومنذ أواخر عام 2019، شرعت ليبيا في التدخّل بشكل مباشر وصريح بدعم حكومة الوفاق الوطني، بينما يعني التدخّل المصري المحتمل استهداف الحركات التي تنشرها تركيا، بل وقد تتّسع دائرة المواجهة لتمتد إلى قتال بين عسكريين مصريين وأتراك.

ويكمن السبب الرئيس وراء تهديد السيسي الآن بالتدخّل العسكري إلى الثقة الكبيرة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية، وأنّ مستقبل الحرب يُرسم في هذا الوقت لصالحهما، لذا تتطلّعان إلى الاستفادة من هذا التعاون وفرض أمر واقع في ليبيا بحيث تصبحان معاً القوة المسيطرة منفردة.

اقرأ أيضاً: أطماع استعمارية وأوهام الخلافة .. أردوغان صانع انقسام الأوطان

تركيا  ستقدم نفسها كضامن للمصالح الأمريكية المضادة لروسيا، إلّا أنّ الموقف الأمريكي نفسه غير واضح المعالم؛ حيث لا يوجد موقف رسمي، ولدى كل وزارة أمريكية رأي مختلف، رغم أنّ الرئيس ترامب كشف عن دعمه لكلّ من مصر وتركيا على حدّ سواء.

وحتى مع وجود سابق اتفاق بين روسيا وتركيا في ليبيا، لكنّه ذهب أدراج الرياح على الأغلب، خاصة مع إصرار حفتر على توقيع اتفاقات موسكو، في كانون الثاني (يناير) الماضي، فضلاً عن محاولات أخرى لاحقة.

ويعتقد الأتراك أنّ الروس لم يمارسوا مطلقاً ضغوطاً حقيقية على حفتر، وكانوا يتوقّعون لجوء الأخير "للخيار النووي" النفطي، وأنّ الضغط العسكري كانت نتيجته لتصير إسقاط حكومة الوفاق وطرابلس.

وفي ضوء المصالح الجيوسياسية "الغاز والقواعد العسكرية في شرق البحر المتوسط"، والأيديولوجية "الإسلام السياسي في مواجهة أنظمة تميل نحو العلمانية"، يمكن فهم التصريحات التي أدلى بها السيسي وحذّر خلالها من تدخّل عسكري محتمل، وهو ما يرفع احتمالات حدوث صدام بين مصر وتركيا؛ سواء كان ذلك بصورة مباشرة، أو عن طريق استهداف الميليشيات الموالية لكلّ طرف.

مصادر: https://bit.ly/2BIBujI
https://bit.ly/3iBqtBI

الصفحة الرئيسية