لماذا تعاقب أمريكا شركات تركية؟

لماذا تعاقب أمريكا شركات تركية؟

لماذا تعاقب أمريكا شركات تركية؟


28/09/2023

ترجمة محمد الدخاخني

بعد تحذيرات متكرّرة على مدى ثمانية عشر شهراً - هي عُمر الحرب في أوكرانيا - فرضت الولايات المتّحدة أخيراً، عقوبات على عدّة كيانات تركيّة لمساعدتها في إمداد ودعم الجيش الرّوسيّ.

وزارة الخزانة الأمريكيّة وضعت على قوائم عقوباتها شركة «ديميرجي آي تي تريد»، التي أرسلت أجهزة استشعار وأجهزة قياس إلى روسيا، وشركة «مارغيانا كونستركشن إكستيرنال تريد»، لإرسالها مئات الشّحنات من المكوّنات الرّئيسة لأنظمة الأسلحة الرّوسيّة، مثل تلك المستخدمة في الطّائرات المُسيّرة وصواريخ «كروز». كما فرضت عقوبات على شركتي «دينكار شيب كونستركشن» و«آي دي شيب إيجينسي» ومالكها، إيلكر دوغرويول، لإصلاح سُفن مرتبطة بالجيش الرّوسيّ وشحن مكوّنات كهربائيّة مصنوعة في الغرب إلى روسيا.

لحسن الحظّ، لم تستهدف العقوبات أيّ كيانات أو شركات مرتبطة بالحكومة وتفضّلها الدّائرة الدّاخليّة لحزب العدالة والتّنمية الحاكم. ومع زيارة الرّئيس رجب طيب أردوغان لنيويورك لحضور اجتماعات الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، ربما أدّى ذلك إلى بعض اللحظات الحرجة.

المزاج الخريفي للغرب

ومع ذلك، فإنّ المزاج الخريفيّ للغرب بشأن روسيا وتركيا ليس احتفاليّاً تماماً: إذ تستمرّ أنقرة في تأجيل الموافقة النّهائيّة على طلب السّويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسيّ، وربما تنتظر عودة برلمانها إلى الانعقاد في الشّهر المقبل. وقد فرضت المملكة المتّحدة مؤخّراً عقوبات على شركتين تركيّتين لتزويدهما الجيش الرّوسيّ بإلكترونيات دقيقة. وكان الهجوم الصّيفيّ الذي شنّته أوكرانيا مخيّباً للآمال، على الرّغم من الدّعم المتزايد من جانب الولايات المتّحدة وحلف شمال الأطلسيّ. وأفادت إحدى وسائل الإعلام الغربيّة الكبرى أنّ روسيا نجحت في التّهرّب من العقوبات لدرجة أنّها تنتج الآن ضعف عدد القذائف والدبّابات الذي كانت تُنتجه قبل الحرب.

ويُعتقد أنّ موسكو تُنتج من الذّخيرة أكثر ممّا تنتج الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ مجتمعين، بعد أن ذكرت تقارير أنّها خفّضت التّكاليف من خلال التّضحية بمعايير السّلامة والجودة. وهي الآن قادرة على إنتاج قذيفة مدفعيّة بحوالي عُشر تكلفة نظيرتها الأمريكيّة. وبطبيعة الحال، روسيا تحصل على المساعدة من أصدقائها - وتركيا ليست الحليف الوحيد للولايات المتّحدة بينهم.

منطقة ليفنت التجارية والمالية في اسطنبول

في العام الماضي، استوردت أرمينيا من الرّقائق وأجهزة المُعالجة الأمريكيّة خمسة أضعاف ما استوردته في عام 2021، وضعفي ما استوردته من الاتّحاد الأوروبيّ، وفقاً لمكتب الصّناعة والأمن الأمريكيّ. وتمّ، بعد ذلك، شحن كلّ هذه المنتجات تقريباً (سبعة وتسعون في المائة منها) إلى روسيا. وأرمينيا حليف قديم لروسيا. ومع ذلك، بدلاً من فرض عقوبات على الشّركات الأرمنيّة، أجرى الجيش الأمريكيّ مناورات مشتركة مع الجيش الأرمنيّ الأسبوع الماضي.

ناقلات النفط المملوكة لليونانيين

وبعد وقت قصير من بدء الحرب في أوكرانيا، زاد بشكل حادّ عدد ناقلات النّفط المملوكة لليونانيّين التي ظهرت في الموانئ الرّوسيّة. ومع عدم قدرتها على البيع في الغرب بسبب العقوبات، تقوم السّفن اليونانيّة بدلاً من ذلك بنقل النّفط إلى آسيا. إنّ الأمر قانونيّ من النّاحية التقنيّة بقدر ما يتعلّق الأمر بالعقوبات، ولكن يبدو أنّه يتعارض مع موقف الاتّحاد الأوروبيّ وحلف شمال الأطلسيّ المتمثّل في دعم أوكرانيا، خاصّة وأنّ مبيعات النّفط الرّوسيّة كانت حاسمة في تعزيز اقتصاد موسكو وإنتاجها العسكريّ.

تتعامل الولايات المتحدة بقسوة مع أحد حلفاء «الناتو» - تركيا - بسبب التهرب المحتمل من العقوبات الروسية، بينما تتعامل مع حلفائها الآخرين برحمة

ويُعتقد، أيضاً، أنّ العديد من السّفن التي ترفع العلم اليونانيّ، وكذلك بعض السّفن التّركيّة، جزء من أسطول شبحيّ يُخفي تحرّكاته عن الرّادارات الغربيّة لبيع النّفط الرّوسيّ بأسعار أعلى في السّوق السّوداء. وقد سعى الاتّحاد الأوروبيّ إلى اتّخاذ إجراءات صارمة ضدّ هذا الأمر من خلال حزمة عقوبات أصدرها في (يونيو). لكن بعد أن وضعت أوكرانيا خمس شركات شحن يونانيّة على القائمة، عطّلت أثينا هذه الخطوة حتّى تمّت إزالة شركاتها. واكتشف أصحاب السّفن اليونانيّون، أيضاً، استراتيجيّة أكثر ربحاً: بيع ناقلات النّفط القديمة لمشترين مشبوهين مرتبطين بروسيا. وفي وقت مبكّر من هذا العام، وصفت مجلّة «تريد وينز» الصّناعية هذه الصّفقة بأنّها «صفقة النّاقلات اليونانيّة الكبرى».

لكن كما هي الحال مع أرمينيا، يبدو أنّ الولايات المتّحدة تكافئ اليونان بدلاً من معاقبتها. لقد منحت صفقة تمّت في عام 2021 الولايات المتّحدة إمكانيّة الوصول إلى خمس قواعد عسكريّة إضافيّة في اليونان. ومنذ ذلك الحين، وسّعت الولايات المتحدة وجودها العسكريّ بشكل كبير في ميناء ألكسندروبولي. وقد تزايد الأمر مع بداية الحرب الأوكرانيّة، مع مرور أعداد قياسيّة من المعدّات العسكريّة الأمريكيّة. كما وردت تقارير عن شحنات بريطانيّة، وفرنسيّة، وإيطاليّة وأخرى تابعة لحلف شمال الأطلسيّ في نقطة الارتكاز النّاشئة هذه للجيوش الغربيّة. وفي الشّهر الماضي، اقترح الكونغرس الأمريكيّ افتتاح قاعدة عسكريّة جديدة في بحر إيجه اليونانيّ، بالإضافة إلى قاعدته في جزيرة كريت.

التحايل على العقوبات

أخيراً، كانت قبرص منذ فترة طويلة ملاذاً للأثرياء الرّوس، ويُعتقد أنّ العديد من الأوليغارشيّين استخدموا النّظام المصرفيّ للجزيرة الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسّط للتّحايل على العقوبات. وطالت عقوبات أمريكيّة وبريطانيّة، في نيسان (أبريل)، أكثر من اثنتي عشرة شركة قبرصيّة، بالإضافة إلى مواطنين قبرصيين. لكن واشنطن قامت، أيضاً، بتزويد السّلطات القبرصيّة بمبادئ توجيهيّة مفصّلة لمحاكمة المتهرّبين من العقوبات المحلّيّة، وفي العام الماضي، رفعت الحظر المفروض منذ عقود على مبيعات الأسلحة لقبرص.

الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة الناتو في فيلنيوس

يبدو أنّ كلّ هذا يشير إلى معايير مزدوجة، حيث تتعامل الولايات المتّحدة بقسوة مع أحد حلفاء «النّاتو» - تركيا - بسبب التّهرّب المحتمل من العقوبات الرّوسيّة، بينما تتعامل مع حلفائها الآخرين برحمة على الرّغم من ارتكابهم جرائم مماثلة. وبطبيعة الحال، ينبغي أن يُقال إنّه منذ بداية الحرب الأوكرانيّة، تختار تركيا أساليبها في التّعامل مع الأزمة بغض النّظر عن رأي الآخرين في ذلك.

نجحت أنقرة إلى حدّ كبير في تحقيق التّوازن بين دعمها، بصفتها عضواً في حلف شمال الأطلسيّ، لأوكرانيا وتعميق العلاقات الاقتصاديّة مع روسيا. على سبيل المثال، علّقت البنوك الحكوميّة التّركيّة العام الماضي المعاملات من خلال نظام الدّفع الرّوسيّ «مير»، حتّى مع تضاعف التّجارة التّركيّة مع روسيا وتوسّط أنقرة في صفقة حاسمة لشحن الحبوب.

نجحت أنقرة إلى حدّ كبير في تحقيق التّوازن بين دعمها، بصفتها عضواً في حلف شمال الأطلسيّ، لأوكرانيا وتعميق العلاقات الاقتصاديّة مع روسيا

ربما تهدف العقوبات الأمريكيّة الجديدة إلى الإشارة إلى أنّ أنقرة قد ذهبت إلى أبعد من ذلك. فقد أطلقت الشّركات الرّوسيّة نحو ألفي شركة في تركيا منذ أوائل عام 2022، بحسب المحلل مايكل تانشوم. وأضافت شركة النّقل الرّوسيّة «فيسكو» سفناً وموانئ جديدة إلى طريقٍ لنقل السّلع الصّناعيّة والإلكترونيّات من وإلى تركيا. ويُعتقد أن الشّركات التّركيّة توفّر الإلكترونيّات للمساعدة في الحفاظ على أسطول الخطوط الجوّيّة التّجاريّة الرّوسيّ المتقادم.

وبالعودة إلى نيويورك، من المقرّر أن يلتقي الزّعيم التّركيّ برئيس الوزراء اليونانيّ، كيرياكوس ميتسوتاكيس، وهو أوّل اجتماع بين الاثنين منذ أن أشاد وزير الخارجيّة التّركيّ، هاكان فيدان، بعصر جديد في العلاقات التّركيّة اليونانيّة أوائل هذا الشّهر.

وفي حزيران (يونيو)، أعرب أردوغان عن مخاوفه من أنّ الوجود العسكريّ الأمريكيّ المتزايد في اليونان لا يستهدف روسيا، بل تركيا. وقد يسأل الآن نظيره كيف تمكّن من تحويل التّهرّب الواضح من العقوبات إلى جزرة عسكريّة، بدلاً من عصا اقتصاديّة.

المصدر:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال نيوز، 19 أيلول (سبتمبر) 2023

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية