لماذا تَحرم السويد عائلات عربية من أطفالها؟

لماذا تَحرم السويد عائلات عربية من أطفالها؟


10/02/2022

ضجة كبيرة في أنحاء السويد، ومظاهرات انتشرت في شوارع ستوكهولم، لأسر عربية وسويدية من الذين حرموا من أطفالهم، وذلك بعد انتشار حالات سحب الأطفال من أسرهم وأخذهم بعيداً عن والديهم، بحجج وذرائع مختلفة، وقد توافد المتظاهرون من كلّ أنحاء السويد، رافعين صور أطفالهم الذين وصفوهم بـ "المخطوفين" من قبل مصلحة الخدمات الاجتماعية المعروفة بالسويد باسم  "السوسيال".

زكية .. الأم الملكومة

إحدى الحالات المؤثرة في السويد كانت لأم ألبانية الأصل لجأت إلى السويد منذ سنوات، وأنجبت طفلها، ورعته حتى بلغ الرابعة من عمره، وهنا بدأت معاناتها.

اقرأ أيضاً: خطة عون للتخلص من اللاجئين في لبنان: سوريا آمنة

تروي الأم، زكية، تفاصيل حكايتها لـ "حفريات"، قائلة: كنت أعيش في منطقة هولسفريد بداية مع طفلي، ثم انتقلت إلى منطقة أخرى للعيش مع عائلة ألبانية، في مرحلة انتقالية كان الغرض منها أن أؤسس جمعية مع سيدة أخرى، وهو مشروع اتفقت أنا والسيدة أن يكون انطلاقة لي للاعتماد على نفسي في السويد، وكانت السيدة، وهي أيضاً ألبانية الأصل، تعيش مع أبنائها الأربعة، لتبدأ مأساتي من ذلك المنزل".

Video file

وتردف: "فجأة استدعيت إلى مقر الحماية الاجتماعية، وأخبروني أنّ ابنة السيدة التي أعيش معها، قدمت بي تقريراً بأنني عمياء، وعاجزة عن الاهتمام بطفلي، رغم أنّ والدتها شهدت معي بأنني كنت أقوم بكل المهام المطلوبة مني كأم، حتى إنني كنت أساعدها بأعمال المنزل، خاصة أنّ زوجها توفي في الفترة التي كنت أقيم فيها معها، والتي استمرت لسنة ونصف السنة".

سلاح  السوسيال ضد الأم

لم تأخذ السلطات كلام زكية أو كلام السيدة بعين الاعتبارفقد "وُضعت وطفلي في منزل للمراقبة، لنحو ثلاثة أشهر، عانيت خلالها الأمرّين؛ بدءاً من التنمّر عليّ وعلى طفلي، بسبب ديانتي، إذ إنني أرتدي خماراً طويلاً وأصلي، وقد وصف طفلي بالإرهابي حين شاهدوه يصلي".

سيدة ألبانية لـ"حفريات": بعد انتهاء فترة المراقبة، أخذوا طفلي مني، وأعطوه لأسرة حاضنة مكونة من رجلين مثليين، أحدهما مسيحي والآخر بلا دين، ومنعوني من رؤيته لسنة كاملة

وبعد انتهاء فترة المراقبة، قرروا أخذ طفل زكية منها، وأعطوه لأسرة حاضنة مكونة من رجلين مثليين، أحدهما مسيحي والآخر بلا دين، ومنعوا الأم من رؤية طفلها لسنة كاملة، بحجة أنها "عاطفية".

وتضيف الأم الألبانية: "دائماً يتعمّد الرجلان التقليل من شأني أمام طفلي، حيث يخبرانه أنني ضعيفة ومريضة وغبية، وأنهما والدان ممتازان له، وهي الأمور التي يخبرني بها طفلي أثناء تواصلي معه".

بعد أربع سنوات ما يزال السوسيال يستخدم الحجة نفسها بأنّ الأم عاطفية، ولا تستطيع التحكم بمشاعرها، وليست مؤهلة للاعتناء بطفلها، واليوم يبلغ عبد الله ثماني سنوات، يتحدث مع أمه بالهاتف ويسمحون له بزيارتها في موعد محدد وبشروط، وحين طلبت أن تشتري له هاتفاً لتتحدث معه متى تشاء، جاء الطلب بالرفض، بحجة أنه ليس مؤهلاً لحمل الهاتف، وبالوقت نفسه أخبروها بأنه يحدثها متى يشاء هو فقط.

الطفل عبد الله

غلبت الدموع زكية وهي تروي قصتها لـ"حفريات"، وبدأ صوتها يخف: "طفلي يبلغ من العمر اليوم ثمانية أعوام، في كل مكالمة بيننا يلومني ويتهمني بأنني تسببت بما هو فيه، كما يتهمني بالضعف وقلة الحيلة، فهو لم يستطع التأقلم أبداً مع وضعه الجديد، رغم طول المدة".

مؤخراً، بعد أربع سنوات سمحت السلطات لزكية بتقديم اعتراض على قرار المحكمة للمطالبة بابنها، وتستعد لذلك خلال شباط (فبراير) الجاري، وكانت من أوائل المشاركين بالمظاهرات أمام البرلمان السويدي، في السابع من شباط (فبراير) الجاري.

مأساة متكررة

بحسب شهادة ر.عمر، الشابة السورية التي تبلغ اليوم من العمر 22 عاماً، التي لجأت إلى السويد مع أسرتها منذ خمسة أعوام، وفضّلت عدم التصريح باسمها الأول، تقول لـ "حفريات": بعد فترة قصيرة من وصولنا إلى السويد، أنا وأبي وأمي وأختي التي كانت تبلغ 12 عاماً، بعد قرار لمّ شملنا إلى أخي الصغير البالغ من العمر آنذاك 15 عاماً، تفاجأنا بمداهمة السوسيال للمنزل، وأخذي أنا وأختي وأخي، ووضعنا كلّ واحد عند أسرة مختلفة، وفي أماكن بعيدة جداً عن بعضنا وعن أسرتنا.

اقرأ أيضاً: أزمة لاجئين جديدة تندلع في غابات أوروبا

وتتابع "تعاملوا معنا بغلظة وعنف، وأنا لم أكن صغيرة حينها، بل أبلغ من العمر 17 عاماً، لم نفهم شيئاً في البداية لكن بدأت تتوضح الأمور، لقد تذرّعوا بأنّ أخي الصغير يتعرض للعنف الأسري، وأختي أيضاً، بناء على وشاية من إحدى المدرسات في المدرسة. لذا منعونا من التواصل مع أي شخص، لكني كنت على دراية كبيرة بكيفية استخدام الكمبيوتر المحمول والأجهزة والذكية، وكذلك أختي وأخي".

وتضيف: "تمكنت من التواصل مع أسرتي وطمأنت أبي وأمي عني، وكلّ ما أخذوه مني في تلك الفترة التي استمرت لأسبوع هو الحديث عن أنني أريد العودة لأسرتي ولا حديث آخر لهم معي".

بحسب القانون السويدي؛ فإنّه يجب على السوسيال أن يسلّم الأطفال بعد سحبهم من عائلاتهم لعائلات بديلة

تواصلت مع أخي وأختي، تسترسل الشابة في سرد قصتها لـ "حفريات"، واتفقنا معاً ما الذي نريده بالضبط، وهو العودة لبيتنا معاً، وثبتنا على موقفنا جميعاً، "أخي الصغير دفع رجال السوسيال وحاول الهرب منهم، والمفاجأة أنهم استخدموا معه العنف وقاموا بسحبه حتى إنّ أحدهم اعتدى عليه بالضرب أمام والدي".

تحت ضغط الشابة وأخويها، وإصرارهم على أنّ والدهم لم يعنّفهم قط، ورفضهم المكوث مع الأسر البديلة، البكاء والصراخ المستمر، وتكذيب كل الروايات حتى أمام القاضي، تمت إعادتهم إلى المنزل بسلام، بعد أن قضوا فترة عصيبة جداً، بحسب توصيف الشابة.

تضيف: كانت تجربة قاسية، جعلتني أكره هذا البلد، بعد هذه التصرفات القاسية جداً بالنسبة لأناس يدّعون الاهتمام بحقوق الأطفال ورعايتهم، وتتساءل: كيف يسحبون أخي من أسرته لأنّ والده عنّفه، ورجل الشرطة يسمح لنفسه أن يعنّفه أمام والده؟

مصلحة الأطفال أولاً

في المقابل، تتذرّع الجهات المختصة في السويد بأنّها تضع مصلحة الطفل في المقدمة، ولدى سؤال المحامي السويدي من أصول فلسطينية، م البلبيسي، عن الأسباب التي تدفع السوسيال لسحب الأطفال من أسرهم، أجاب بأنّ القانون السويدي ينص على أحقية السوسيال بأن يأخذ أي طفل من ذويه ويعطيه لأسرة أخرى، إذا توافرت أدلة واضحة تؤكد إهمال العائلة للطفل، أو أنّ الوالدين أو أحدهما يعانيان من مشاكل نفسية أو صحية أو عقلية تعيق الاهتمام بالطفل".

 محامي سويدي لـ"حفريات": القاعدة الأولى في القرارات المتعلقة بالأطفال أنّ مصلحة الطفل هي العليا، ولا يصدر قرار بسحب الأطفال قبل تقديم طلب رسمي للمحكمة

وأوضح المحامي؛ أنّ لدى السوسيال "معلومات كاملة عن كل طفل منذ ولادته، وليس فقط أبناء العرب أو اللاجئين، بل حتى السويديين، كل شيء عن الطفل موجود في ملف خاص، تضاف إليه ملاحظات المدرّسين وموظفي الرعاية الصحية، ومعلومات من المرشدين النفسيين في المدارس".

ويردف المحامي البلبيسي: "لا يغيب أي شيء عن السوسيال؛ فالأطفال في السويد موضوعون تحت المجهر، وهو ما يسبب إرباكاً للعائلات غير السويدية، خاصة العرب، الذين في غالبيتهم اعتادوا معاملة الأطفال بطريقة مختلفة" مضيفاً: "مقدمو الرعاية الصحية للطفل والمدرسون المسؤولون عنه في جميع مراحله الدراسية جميعهم يدوّنون معلومات تفصيلية عن سلوكه وسلوك عائلته، وجزء كبير من هذه المعلومات متاح للعائلة، إذ يستطيع الوالدان الاطلاع عليها لمراقبة سلوك أطفالهما".

وفي رأي السوسيال، بحسب المحامي؛ فإنّ القاعدة الأولى في قراراته المتعلقة بالأطفال، أنّ مصلحة الطفل هي العليا، ولا يصدر قرار بسحب الأطفال قبل تقديم طلب رسمي للمحكمة.

ورداً على اتهام السويد والسوسيال تحديداً بالعنصرية، قال المحامي: "لا أنكر وجود أخطاء أحياناً من السوسيال، فهم في النهاية موظفون مختلفون وبأفكار مختلفة، لكن هذا لا يعني أنّ الحكومة السويدية بأكملها عنصرية".

ديمقراطية لا تخلو من الأخطاء

في سبعينيات القرن الماضي، أقرّت السويد أقرت قوانين صارمة حول التعامل مع الطفل، ووقتها خضع المواطنون السويديون الأصليون لدورات مكثفة في تربية الأطفال، وقد قطعت البلاد شوطاً كبيراً في هذا المجال.

بعد أربع سنوات سمحت السلطات لزكية بتقديم اعتراض على قرار المحكمة للمطالبة بابنها

وقدّرت الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المركز الوطني السويدي SCB عدد أفراد الجالية العربية في السويد، بمن فيهم السويديون من أصل عربي، بـ 600000 ما يعادل 6% من الشعب السويدي وذلك لعام 2020.

لكنّ الوافدين الجدد يتساءلون لماذا لا يخضعون هم أيضاً لدورات خاصة بتربية أطفالهم، كالتي خضع لها السكان الأصليون، كي يعرفوا القوانين والأنظمة قبل أن ينصدموا باتخاذ قرار السريع بـ "خطف" أطفالهم؟

وبحسب القانون السويدي؛ فإنّه يجب على السوسيال أن يسلّم الأطفال بعد سحبهم من عائلاتهم لعائلات بديلة، ترشحها الدولة، على أن تكون من ثقافة قريبة من عائلة الطفل، وهو ما يبدو جلياً عدم الالتزام به في قضية زكية وطفلها عبد الله، أيضاً تصرف الحكومة للعائلة البديلة راتباً شهرياً كما تضع موظفاً مراقباً لوضع الطفل، ما يدفع البعض إلى الإدلاء بمعلومات خاطئة عن سلوك الطفل للاستمرار برعايته والكسب المادي من مكوثه معه.

اقرأ أيضاً: "أنتِ منيحة" مبادرة لدعم اللاجئات السوريات في تركيا

ونظراً لأنها دولة عضو في اتفاقية حقوق الأطفال تلزم السلطات السويدية نفسها بحماية حقوق الطفل، وهو ما يرى المواطنون أو بالأحرى الوافدون إلى السويد أنّه يكون مع مبالغة كبيرة، إذ يصعب على الأهل السيطرة على أبنائهم.

وكان نشطاء عرب وسويديون، قد استصدروا تصريحاً بالتظاهر أمام البرلمان السويدي، في العاصمة ستوكهولم، الإثنين 7 شباط (فبراير) 2022، الساعة الواحدة ظهراً، للتضامن مع الأسر التي سحب السوسيال أطفالها، وذلك بعد  دعوات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي طيلة الأيام الماضية وأدت لردود أفعال إعلامية واجتماعية كبيرة.

ورفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها عبارات مثل: "أوقفوا الخدمات الاجتماعية عن استغلال السلطة والفساد والاتجار القانوني بالأطفال في السويد"، و"السويد تخرق اتفاقية حقوق الطفل كل يوم"، وغيرها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية