لماذا يلجأ تجّار في فلسطين المحتلة إلى السّحرة والمشعوذين؟

لماذا يلجأ تجّار في فلسطين المحتلة إلى السّحرة والمشعوذين؟


26/08/2020

بعد أن ازدادت أوضاعه الاقتصادية سوءاً، ومع عدم مقدرته على الوفاء بالتزاماته المالية، نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها غالبية السكان في الضفة الغربية، بفعل تداعيات فيروس كورونا، لجأ المواطن زكي أبو سليمان، من بلدة المعصرة، قضاء بيت لحم، إلى أحد السّحرة والمشعوذين، الذي اتّخذ من أحد مقابر البلدة مكاناً لاستقبال زبائنه، لإيهامهم بقدرته على حلّ مشكلاتهم المستعصية.

اقرأ أيضاً: 8 معلومات عن خصائص الدين والسحر في أفريقيا

واشتكى أبو سليمان (45 عاماً)، وهو تاجر ملابس، من أنّه يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة لم يشهد لها مثيلاً من قبل، حتى أوشك على إشهار إفلاسه، والتعرّض للملاحقة القانونية، بفعل تراكم ديونه المالية، ما دفعه إلى اللجوء لأحد السّحرة والمشعوذين، كمحاولة لإيجاد حلول لمشكلاته، لرغبته الجامحة في الحصول على أمل بإنهاء معاناته، بعد أن عجزت الحلول الأخرى عن تحقيقها.

الأوضاع الاقتصادية السيئة دفعت البعض إلى اللجوء للسحرة والمشعوذين من أجل حل مشكلاتهم

ووفق تصريحات صادرة عن محافظ سلطة النقد الفلسطينية، عزام الشوا، في أيار(مايو) الماضي، ارتفعت قيمة الشيكات المرتجعة في الأراضي الفلسطينية، وصعدت إلى 35%، وذلك نتيجة التبعات الاقتصادية السلبية التي أحدثها تفشي فيروس كورونا، محلياً وخارجياً؛ حيث بلغت قيمة الشيكات المرتجعة، خلال عام 2019، مليار و277 مليون دولار.

وبموجب قانون العقوبات الفلسطيني للعام 1963؛ تنصّ المادة (307) على أنّ كلّ من زعم من أجل الحصول على كسب أو مكافأة أنّه يمارس أو يستعمل أيّ نوع من أنواع السحر، أو العرافة، أو أخذ على عاتقه فتح البخت، أو زعم أنّه يستطيع اكتشاف شيء مسروق أو مفقود، ومعرفة مكان وجوده بما يملك من مهارة أو معرفة في علم التنجيم والسحر، مقابل كسب أو مكافأة بمعاقبته بالحبس لمدة عام واحد.

أخصائية الطبّ النفسي، هدلة مرداوي لـ "حفريات": اضطراب نفسي أن يلجأ الأشخاص للارتماء في أحضان المشعوذين، بعد شعورهم بحالة من اليأس والإحباط، اعتقاداً منهم بأنّ المشعوذين يملكون حلولاً سحرية

وخلال عام 2019؛ لقيت فتاة لم تتجاوز الـ 16 عاماً من قرية الجيب شمال غرب القدس، مصرعها  نتيجة اعتداء شخص عليها بالضرب المبرح، وتوجيه اللكمات إليها، وخنقها، بعد أن أوهم ذويها بأنّ صرخاتها وبكاءها، مصدره "الأرواح الشريرة" التي تسكن جسدها، مدعياً إخراج أربعة جان يسكنون جسدها، ويدّعي المشعوذ أنّ "الجنّي الرابع هو من قتلها"، كما ورد في بيان أصدرته الشرطة الفلسطينية، بعد القبض عليه.

إيهامه بحلّ مشكلاته

ويضيف أبو سليمان، في حديثه لـ "حفريات"، أنّه "بمجرد وصوله للمشعوذ، الذي يستقبل زبائنه في غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها خمسة أمتار مربعة، وفيها إضاءة حمراء خافتة وجماجم لحيوانات متنوعة، في مقبرة قريبة من البلدة وبعيدة عن المناطق السكنية؛ سرد تفاصيل مشكلته، حيث أفاده بأنّ جميع الأبواب ستفتح له، ولن يغلق بوجهه أيّ باب، وسوف تنتهي مشكلاته المالية في أقرب وقت ممكن".

اقرأ أيضاً: الحياة الشعبية في العريش: البساطة والسحر إذ يعانقان الخرافة

ولفت إلى أنّه "داوم على الحضور للمشعوذ عدة زيارات، وكان يتقاضى منه مبلغ 150 شيكلاً ( 45 دولاراً أمريكياً) عن كلّ زيارة، وكانت تختلف تصرفاته كلّ مرة يزوره فيها؛ فتارة يجلب قطعة من القماش ويضع عدداً من الحجارة ذات الألوان المتعددة داخلها، ويتمتم ببعض الألفاظ غير المفهومة، وفي أحيان أخرى يعطيه أشياء لدفنها في الأرض، وأوراقاً كتبت عليها طلاسم، لحرقها والتبخر بها".

قد تصل عقوبة من يمارس الشعوذة إلى الحبس مدة عام واحد

وتابع أبو سليمان: "قبل الزيارة الأخيرة للساحر، طلب مني إحضار مبلغ 600 دولار أمريكي، وأعطاني حجاباً يتضمّن أرقاماً وحروفاً غير مفهومة، وزجاجة ماء لأرشّه أمام محلّي في الصباح الباكر، لجلب الحظ والرزق الواسع، بحسب وصفه"، موضحاً أنّه "بعد شهر من تنفيذ ما طلبه المشعوذ، لم يطرأ أيّ تحسن على وضعه المالي، وأدرك حينها أنّه قد وقع ضحية له ، بعد إيهامه بأنّ مطالبه ستتمّ تلبيتها، وأن مشكلاته المالية ستنتهي للأبد".

طلبات غريبة

رأس خروف، وذيل ماعز أبيض اللون وعظام كلب؛ وصفة حقيقية غريبة من أحد المشعوذين والسحرة، تمّ طلبها من المواطن مصطفى شريم ( 39 عاماً)، من قرية حجة قضاء قلقيلية، ويعمل تاجراً للمواد الغذائية والتموينية، اعتقد للوهلة الأولى أنّه ذاهب إلى معالج بالقرآن الكريم، لجأ إليه نتيجة تردّي أوضاعه الاقتصادية .

المشعوذ الذي لجأ إليه شريم يتخذ من منطقة نائية في أطراف القرية مكاناً له، لممارسة النصب والاحتيال على زبائنه، ويضيف في حديثه لـ "حفريات":  "بدا الأمر غريباً، عند الدخول إلى الساحر؛ فالمكان يعجّ بالدخان وبجلود الحيوانات، وقد اشتعل الخوف في قلبي عندما أمرني بالجلوس على أريكة غطّى حوافها وجوانبها بجلد من الماعز، وطلب مني سرد قصتي ومشكلتي، ومن ثم قال إنّ المعضلة التي أعاني منها بسيطة، وقد مرّ عليه العديد مثل هذه المشكلة، وحلَّها في فترة وجيزة، ثمّ شدّد عليّ بأن أحضر ما تمّ طلبه مني، إضافة إلي مبلغ 100 دينار أردني".

مبالغ باهظة

ولفت إلى أنّه "بصعوبة بالغة، وبعد دفع مبالغ باهظة، أحضرت ما طلبه مني المشعوذ، وعند الذهاب إليه في الزيارة الأخيرة، أحضر المشعوذ حجاباً صغيراً، وبدأ يتصرف بغرابة وبكلمات غير واضحة وقراءة بعض التعاويذ عليه، وطلب مني أن أضعه داخل محلّي، ووعدني بأنّ مشكلتي سوف تنتهي خلال أقلّ من أسبوع، وسوف تتحسن أوضاعي الاقتصادية بشكل كبير، بعد أن حصل على المزيد من المبالغ المالية، التي كان يطلبها في كلّ زيارة".

رأس خروف، وذيل ماعز أبيض اللون وعظام كلب؛ وصفة حقيقية غريبة من أحد المشعوذين والسحرة، تمّ طلبها من المواطن مصطفى شريم ( 39 عاماً)، ويعمل تاجراً للمواد الغذائية والتموينية

وتبدّد حلم شريم حين مرّت الفترة التي وعده المشعوذ أن تحلَّ مشكلته خلالها، دون أن يطرأ أيّ تحسن على وضعه المالي، بعد أن دفع له مبالغ مالية تجاوزت 350 دينار أردني، ليفاجأ خلال عدة أشهر بإلقاء القبض عليه بتهمة ممارسة السّحر والشعوذة والنصب والاحتيال.

ضعف الوازع الديني

وترى أخصائية الطبّ النفسي، هدلة مرداوي، في حديثها لـ "حفريات"؛ أنّ "استفحال هذه الظاهرة الدخيلة وغير المألوفة على المجتمع الفلسطيني، يرجع إلى ضعف الوازع الديني عند بعض الأشخاص، الذين يرون في السحرة والمشعوذين ما عجزت عنه الحلول الأخرى، وهي حالة نفسية يلجأ إليها الأشخاص للارتماء في أحضان المشعوذين، بعد شعورهم بحالة من اليأس والإحباط، مبينة أنّ السحر لا يؤدي إلى حلول لأيّة مشكلة كانت، بل على العكس تماماً؛ فهو يفاقم المشكلات ويعقدها".

وتابعت: "الإنسان بطبعه يحاول اللجوء إلى الحلول السريعة، ولا يقوم بالتغلب على مشكلاته بالمحاولة والجدّ والاجتهاد، وبالطرق المشروعة، فيلجأ إلى المشعوذ، اعتقاداً منه بأنّه يملك حلولاً سحرية لمشكلاته، وهو اضطراب نفسي يعاني منه الإنسان وتتحمّل مسؤوليته، بالدرجة الأولى، مواقع التواصل الاجتماعي، في ظلّ غياب الرقابة الأمنية عليها، والتي تروّج للمشعوذين والسحرة، وتعرض نماذج لمشكلات جرى حلّها، وهو ما يدفع بالمصابين بالحياد النفسي للجوء إليهم وتصديق كلامهم وأفعالهم".

اقرأ أيضاً: الدجل والخرافة في زمن "كورونا"

وبينت مرداوي؛ أنّ "المشعوذ يستغلّ حاجة الأشخاص، سواء كانوا فقراء أم أغنياء، ويزرع الوهم داخل قلوبهم، خاصة الذين يعانون من الوسواس القهري والاضطراب الانشقاقي، كما يتسبّب هؤلاء الدجالين بإلحاق الأذى البليغ ببعض الأشخاص، كضربهم بطريقة عنيفة، بحجة إخراج الجان منهم، وفي أحيان كثيرة يتمّ هتك عرض العديد من النساء، بالتحرش بهنّ جنسياً واغتصابهنّ".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية