لندنستان: التطرف الإسلاموي في بريطانيا بوصفه ثمرة للتعددية الثقافية

لندنستان: التطرف الإسلاموي في بريطانيا بوصفه ثمرة للتعددية الثقافية

لندنستان: التطرف الإسلاموي في بريطانيا بوصفه ثمرة للتعددية الثقافية


11/03/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

انضمَّ ريشي سوناك إلى سلسلة طويلة من رؤساء الوزراء البريطانيين الذين أعلنوا أنّ الكيل قد طفح، وأنّه يجب على البلاد التّحرُّك لاستئصال التطرف الإسلاموي. وقد قوبل خطابه من مقرِّه في (10 داونينغ ستريت) يوم الجمعة بالترحيب في بعض أوساط المحافظين باعتباره "مُداخلة ملفتة للنظر".

ومع ذلك، يحق للمتشكِّكين أن يعتقدوا أنّه على الرغم من تعهُّد سوناك "بتنفيذ إطار قوي جديد" لمعالجة التطرف، فإنّ شيئاً لن يتغيَّر. لقد مرَّت بريطانيا بمثل هذه التعهُّدات أكثر من مرة. فبعد أسبوع من قيام خلية إرهابية إسلامية محلية بقتل (52) شخصاً في لندن في تموز (يوليو) 2005، ألقى توني بلير خطاباً بليغاً وصادقاً عن التطرف الإسلاموي، حيث قال رئيس الوزراء: "إنّ التطرف يلعب على تسامحنا وطبيعتنا الطيبة. إنّه يستغل ميل العالم المتقدم إلى الشعور بالذنب، وكأنّ سلوكنا هو الذي ينبغي أن يتغير". وأضاف بلير أنّ الخطر الأعظم هو "أننا نفشل في مواجهة طبيعة التهديد الذي نتعامل معه".

وبعد شهر، حدَّد بلير مجموعة من الإجراءات الجديدة لمكافحة الإرهاب، والتي تمَّ اتخاذ القرار بشأنها بعد مشاورات مع المحافظين والديمقراطيين الليبراليين. ركَّز الإجراء الأول على "الترحيل والإقصاء"، وأعلن بلير متفائلاً: "لا ينبغي أن يكون هناك أيّ شك لدى أحد في أنّ قواعد اللعبة تتغيَّر".

وقال بلير: إنّه يتوقع مقاومة من المحامين الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان، لكنّ حكومته مستعدة للمعركة. وأضاف: "في حالة ظهور عقبات قانونية سوف نُصدر المزيد من التشريعات، بما في ذلك، إذا لزم الأمر، تعديل قانون حقوق الإنسان، فيما يتعلق بتفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان".

لكنّ اللامبالاة والتقاعس ظلّا سمة النهج الذي تتبنّاه بريطانيا في التعامل مع التطرف الإسلاموي، حتى عندما تمَّ انتخاب حزب المحافظين للسلطة في عام 2010. وبعد عامين  قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنّ بريطانيا لا تستطيع ترحيل رجل الدين الإسلاموي المتطرف أبو قتادة إلى الأردن خوفاً من عدم حصوله على محاكمة عادلة (تمَّ ترحيله في نهاية المطاف في عام 2013). وردّاً على حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أعرب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عن أسفه لحقيقة مفادها "لدينا مشكلة حقيقية عندما يتعلق الأمر بالرعايا الأجانب الذين يهددون أمننا".

ركَّز كاميرون، مثله مثل بلير، على المواطنين الأجانب كوسيلة مريحة لصرف الانتباه عن الخطر الحقيقي: المتطرفون محليو الصُّنع. (3) من الإسلامويين الـ (4) الذين نفذوا تفجيرات عام 2005 ولدوا ونشؤوا في مقاطعة يوركشاير، والرابع وصل إلى المملكة المتحدة من جامايكا وهو في الخامسة من عمره.

والرجلان اللذان قتلا الجندي لي ريغبي، الذي كان خارج الخدمة، في لندن عام 2013 كانا أيضاً من مواليد بريطانيا. وبعد ذلك الحَدَث الفظيع قرأ كاميرون بياناً من أمام مقرِّه في (10 داونينغ ستريت) وعد فيه بما يلي: "سوف نهزم التطرف العنيف من خلال الوقوف معاً، من خلال دعم الشرطة وأجهزتنا الأمنية، وقبل كل شيء من خلال تحدي السردية السَّامة للتطرف التي يتغذَّى عليها هذا العنف".

بعد مرور (4) أعوام على مقتل ريغبي، فجَّر انتحاريٌّ نفسه في (22) شاباً في مانشستر أرينا. المهاجم ولد ونشأ في مانشستر. ومن خارج (10 داونينغ ستريت) ألقت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بياناً تعهَّدت فيه "بإحباط مثل هذه الهجمات في المستقبل، ومواجهة وهزيمة الإيديولوجيا التي غالباً ما تغذِّي هذا العنف". لكن على عكس أسلافها، لم يكن لدى ماي الشجاعة لتسمية - على وجه التحديد - الإيديولوجيا التي ألهمت منفذ تفجير مانشستر.

كما لم يفعل ذلك خليفتها بوريس جونسون عندما أشاد بزميله ديفيد أميس، الذي قُتل على يد متطرف إسلاموي أثناء اجتماع مع مواطني دائرته الانتخابية في تشرين الأول (أكتوبر) 2021. وفي ما يجب أن يصنف على أنّه أحد أكثر الجلسات حقارة في تاريخ مجلس النواب، لم يقم جونسون، أو كير ستارمر، أو أيّ برلماني آخر بإدانة الإيديولوجيا المسؤولة عن الموت الوحشي لزميلهم. لقد ذكر سوناك على الأقل "المتطرفين الإسلامويين" في خطابه يوم الجمعة الماضي، ولكن لم يكن هناك الكثير في بيانه لتقديم الكثير من الأمل في أنّ أيّ شيء سيتغير بشكل جذري.

يُقال إنّ رئيس الوزراء يريد منع دعاة "الكراهية" الأجانب من دخول بريطانيا، وهو إجراء لا معنى له إلى حد كبير في وقت يوجد فيه بالفعل الكثير من دعاة الكراهية المحليين. وفي تاريخ بعيد يعود إلى عام 2005، نشر برنامج بانوراما في (بي بي سي) تقريراً عن التعصب الموجود في بعض المساجد البريطانية، وكان ذلك هو العام الذي وعد فيه توني بلير بتغيير قواعد اللعبة.

ويحظى هجوم الإسلامويين على الديمقراطية البريطانية بتغطية واسعة النطاق في فرنسا. هناك قلق ـ ولكن ليس مفاجأة كبيرة ـ ممّا يحدث. وكانت فرنسا دائماً متقدمة على بريطانيا في فهم التهديد الذي يشكله التطرف الإسلاموي، فضلاً عن تحالفه السَّام مع تيار أقصى اليسار. ويُطلِق الفرنسيون على ذلك "اليساروية الإسلاموية"، وهي عبارة صاغها الفيلسوف بيير أندريه تاغوييف قبل أكثر من (20) عاماً.

لقد كانت سذاجة البريطانيين ورضاهم عن أنفسهم مصدراً للحيرة بالنسبة إلى الفرنسيين لعقود من الزمن. وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي أطلقت أجهزة استخباراتهم على العاصمة البريطانية اسم "لندنستان"؛ بسبب استعدادها لاستيعاب المتطرفين الإسلامويين الخطرين من جميع أنحاء العالم.

ونشرت صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية مؤخَّراً عموداً صادقاً إلى حدٍّ مؤلم كتبه دبلوماسي فرنسي سابق أمضى قسماً كبيراً من حياته المهنية في لندن. وصف فرانسوا جوزيف شيشان الفوضى التي حصلت مؤخَّراً في الشوارع وفي البرلمان، وأشار إلى "التسامح الغريب" الذي تبديه الشرطة تجاه الأشخاص الذين يهددون الديمقراطية البريطانية.

وخلص شيشان إلى أنّ النموذج البريطاني للتعددية الثقافية قد انهار بشكل لا رجعة فيه. وكتب: "مارست المملكة المتحدة منذ فترة طويلة شكلاً من أشكال عدم التدخُّل، على نحو يسمح بالتعبير عن الهويات الثقافية والدينية في المجتمع". وأضاف: "لقد سمح هذا النهج لتغيرات أساسية في المجتمع البريطاني بالمرور من دون أن يلاحظها أحد، ممّا أدى إلى إدامة أسطورة التنوع السعيد".

ورغم اعترافه بأنّ فرنسا منخرطة أيضاً في صراع مرير ضد التطرف الإسلاموي، فقد أشار شيشان إلى فارق حاسم بين البلدين: وهو أنّ فرنسا تقاوم، سواء كان ذلك عن طريق طرد الأئمة الذين يدعون إلى الكراهية، أو إغلاق المساجد والمدارس الدينية المتطرفة، أو تفكيك الشبكات الإسلاموية الموجودة داخل الأندية الرياضية للهواة (واحدة من أكثر أساليب الدعوة فعالية لدى المتطرفين). في المقابل، ما تزال الطبقة السياسية في بريطانيا في حالة "إنكار".

اعترف سوناك على الأقل بأنّ بريطانيا مهددة بالتطرف الإسلاموي، لكنّ حَظْر عدد قليل من الدعاة الأجانب ومطالبة الشرطة بأن تكون أقلّ تسامحاً مع معاداة السامية ليست أكثر من إجراءات سطحية. لقد سمح جُبن المؤسسة البريطانية للإسلاموية بأن تصبح جزءاً لا يتجزَّأ من كافة أشكال المجتمع في هذا القرن. إنّ استئصال الإسلاموية سيكون، كما قال ديفيد كاميرون في خطاب ألقاه عام 2015، "نضال جيلنا". وبعد (9) أعوام من ذلك الخطاب  تخسر بريطانيا هذا النضال، ويتعيَّن عليها أن تتحرَّك بشكل حاسم قبل فوات الأوان.

إذا لم تقبل بريطانيا التحدي، وإذا ظلت في حالة إنكار، ففي مرحلة ما في المستقبل غير البعيد، قد يصبح اللقب الفرنسي للندن "لندنستان" حقيقة واقعة، وليس مجرد استهزاء.

المصدر:

غافين مورتيمر، ذي سبيكتاتور، 4 آذار (مارس) 2024

https://www.spectator.co.uk/article/is-rishi-sunak-too-late-to-stop-the-spread-of-islamism/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية