ليس لدى راشد من يرشده

ليس لدى راشد من يرشده

ليس لدى راشد من يرشده


24/04/2023

حكيم مرزوقي

الخبر القادم من الجهات الرسمية التونسية لا يتعدى بضعة سطور، والتعليقات والتفاعلات عجت بها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي داخل تونس وخارجها.

أما ردود الفعل الإقليمية والدولية فجاءت بدورها مقتضبة، وعلى شاكلة النبأ الذي أكده مصدر مسؤول في وزارة الداخلية: “فرقة أمنية أوقفت راشد الغنوشي، إثر صدور مذكرة توقيف من النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب”.

توقيف زعيم حركة النهضة، في تونس، لم يتصدر وكالات الأنباء الدولية في خضم أحداث كبرى تطغى على المشهد السياسي في العالم، لكنه احتل موائد التونسيين على الإفطار ليلة القدر، وعلى طاولات المقاهي في مسامرات رمضان، وفي مواقع التواصل الاجتماعي.. وجاءت في غالبيتها مرحبة إلى حد الاحتفال وإطلاق زمامير السيارات.

تلك حقيقة لا ينكرها كل من يعيش على أرض تونس هذه الأيام، أما المستاؤون والمنددون والمستنكرون فهم موجودون، لكنهم يبدون قلة رغم عدم تعرض أي منهم لأي تهديدات أو مضايقات أمنية.

ربما خشي الكثير منهم ردات فعل الأغلبية قبل السلطات الأمنية التي التزمت الحياد والحق يقال، واكتفت بمهمتها في حفظ الأمن وترك حركة الشارع تمشي في مسارها الطبيعي.

وفي ضوء هذا الواقع، بدت تفاعلات الجهات الحقوقية في الداخل متزنة وغير مشطّة في “الخوف على حرية التعبير في تونس” كما جرت العادة، ثم إن نفس المصدر الأمني في الحكومة أكد أن الغنوشي سيبقى على ذمة الأبحاث في قضية تتعلق بتصريحات تحريضية كان أدلى بها، إلى حين اتخاذ الإجراءات بخصوصه.

“التصريحات التحريضية” هنا، ليست سهلة، وإنما تتعلق بأمن البلاد، وقضية السلم الأهلي كما جاء في حديث الغنوشي خلال لقائه قياديّين من جبهة الخلاص الوطني، قال فيه بحضور عدد من الشخصيات السياسية، إن “تونس بدون النهضة والإسلام السياسي مشروع حرب أهلية”.

كان هذا كفيلا بإسكات كل من يزيد في عيار التنديد بإجراءات السلطات التونسية من قوى خارجية كانت داعمة للغنوشي، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي سحق عام 2016 مدبري محاولة الانقلاب ضده، والمحرضين والمخططين لـ”مشروع حرب أهلية” أي نفس العبارة التي يستخدمها الآن من يوصف بأنه حليفه، وكان يستقوي به حين كان على كرسي رئاسة البرلمان، وتؤتمر الحكومة بأوامره.

هذا في حد ذاته محرج لأردوغان، بالإضافة إلى تغير الموازين لدى رجل براغماتي يستعد الآن للانتخابات في تركيا ويحاول استمالة القوى الليبرالية والعلمانية، بالإضافة إلى جملة مراجعات في سياسته الخارجية شملت تحسين العلاقة مع تونس.

كل هذه المعطيات وغيرها، جعلت أردوغان غير متحمس كعادته في الذود عن حلفائه الإسلاميين، واكتفى منذ يومين بالقول في مقابلة مع التلفزيون التركي بأنه لم يتمكن بعد من التواصل مع السلطات في تونس، “لكننا سنواصل المحاولة، وسنبلغ السلطات التونسية بمجرّد الاتصال بهم أن إيقاف الغنوشي ليس مناسبا”.

وسواء تمكن ذئب الأناضول الجديد من محادثة الحكومة التونسية في هذا الشأن أم لا، فإنه يبدو فاقدا للحماسة، ومتأكدا أن من كان يعوّل عليه في الأمس قد “جاء شيئا فريّا” ويتعين عليه دفع الثمن لا محالة، ذلك أن أنقرة وتونس لن تضحيا بعلاقات تاريخية لأجل أخرى جانبية ظرفية، وليس لها اليوم ما يدعمها في ظل متغيرات إقليمية ودولية.

كذلك الأمر بالنسبة للدولة القطرية التي تعرف طبيعة سعيّد في التمسك بقراراته، ولم تذهب أكثر من توفير المنبر الإعلامي في إيصال صوت مساندي الغنوشي من أعضاء “جبهة الخلاص الوطني” ونقل ردود الفعل الدولية، والحديث عن تداعيات اقتصادية متعلقة بالحدث كالقول بأن السندات التونسية تهوي إلى مستويات قياسية بعد حظر الاجتماعات في مقرات حركة النهضة بتونس.

أما المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية فقامت بـ”وظيفتها الروتينية” المتمثلة في إصدار بيان تؤكد فيه “أنها تتابع بقلق شديد التطورات الأخيرة في تونس وخاصة إيقاف رئيس حركة النهضة، مشددة على ضرورة احترام حق الدفاع وتوفير محاكمة عادلة”.

قابل ذلك بيان الخارجية التونسية بأنّ قوانين الجمهورية سارية على جميع المتقاضين على حدّ سواء ودون تمييز، مع توفير كافّة الضمانات اللازمة، “وأنّ العدالة تمارس برصانة دون تأثّر بموجة التعليقات غير المقبولة”.

وانزوى البيان إلى الحديث عن أهمية تنشيط الاقتصاد الوطني بأقصى ما هو متاح من إمكانيات، بما “من شأنه تحقيق الاستفادة المثلى من الفرص الاقتصادية التي تزخر بها البلاد”، وذلك في لهجة لا تولي فيها الدولة اهتماما كبيرا لما يقال في شأن الغنوشي، طالما أن الحقوق محفوظة للجميع.

ليس للغنوشي من يكاتبه في عزلته السياسية قبل الإيقاف الإجرائي، ولم يبق له من مساند غير تدوينات فضفاضة لا وزن لها.. وعاد الرجل إلى حجمه الحقيقي بعد أن كان “يمشي في ظل العربة، ويظن ظل العربة ظله”، وفق تعبير الكاتب التركي عزيز نيسن في روايته “زوبك”، والتي يتحدث فيها عن نهاية رجل متلاعب.

أما المضحك المبكي من تغريدات المساندين للغنوشي فهو ما قاله علي القره داغر، أمين عام ما يعرف بـ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” بأن رفيقه في قبضة “العسكر”.. أي عسكر ونحن في دولة مدنية حتى النخاع؟ خاتما بعبارة “يا جبل ما يهزك ريح”.. أي جبل وأي ريح، والموقوف يرتجف كالقصبة، ويكاد يقول: خذوني.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية