ماذا يقصد إخوان الجزائر بتضمين المبادئ الإسلامية في قرارات الدولة؟

ماذا يقصد إخوان الجزائر بتضمين المبادئ الإسلامية في قرارات الدولة؟

ماذا يقصد إخوان الجزائر بتضمين المبادئ الإسلامية في قرارات الدولة؟


14/08/2023

عاد إخوان الجزائر لركوب قطار الجدل مجدداً بعد تأكيد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنّ مرجعية كافة الجزائريين هي بيان الفاتح من نوفمبر، حيث اختار الناشط الإخواني البارز عبد الرزاق مقري المطالبة بوجوب تضمين المبادئ الإسلامية في قرارات الدولة وسياساتها وقوانينها ومناهجها وبرامجها، فما المقصود من وراء ذلك؟

في تصريحات بثّها التلفزيون الرسمي، شدّد الرئيس الجزائري على أنّه سيتمّ إخضاع قانون الأحزاب السياسية للمراجعة، مشدّداً على أنّ القاسم المشترك بين كافة التشكيلات السياسية، على اختلاف توجهاتها، يتعين أن يكون الوحدة الوطنية وبيان الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر) الذي شكّل منطلق ثورة التحرير الجزائرية (1954 ـ 1962).

وفي إشارة إلى بعض الانحرافات التي تنطوي عليها الممارسة السياسية الحزبية في الجزائر، قال تبون: "الأحزاب حرّة في تسطير برنامجها السياسي الخاص بها، غير أنّ القاسم المشترك الذي يجب أن يكون حاضراً هو الوحدة الوطنية وبيان الأوّل من تشرين الثاني (نوفمبر) الداعي لبناء دولة ديمقراطية اجتماعية".

وأضاف: "كل ما من شأنه تدعيم الجبهة الداخلية، وكل ما له صلة بالخط الوطني، مُرحّب به"، داعياً إلى "تجاوز الأساليب البالية" في النشاط الحزبي.

قداش: الجزائر كانت بعيدة كل البُعد عن التطرف أو المبالغة في التديّن، وكان الإسلام تقليدياً وعقلانياً يتقيّد في إطار الخصوصية والحرية الشخصية ولا يتنزّل على الأفراد بالجبر أو الوصاية على حرياتهم التي تنطوي على الاختيار

على الفور، ردّ مقري (62) عاماً: "يكون الالتزام ببيان الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) حين تكون المبادئ الإسلامية حاكمة حقاً في قرارات الدولة وسياساتها وقوانينها ومناهجها التربوية وبرامجها الدينية والإعلامية، ولا يعني التمسك ببيان الأول من تشرين الثاني   (نوفمبر) أن يُفرض على الأحزاب من قبل الدولة، ولكن أن يكون الشعب هو الحاكم في من هو مُمجّد له فعلاً وملتزم به حقاً".

الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون

واشترط المرشّح المرتقب للتيار الإخواني، في انتخابات الرئاسة المزمعة خلال العام 2024، "أن يظهر بيان الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر) في الخطاب والسلوك السياسي للأحزاب الذي يقيّمُه المواطن بنفسه ويحكم عليه بصوته الانتخابي، ولو تحقق ذلك، فستكون كل الأحزاب نوفمبرية بضغط الرأي العام وتوجهات الناخبين التي تسعى الأحزاب بطبعها لكسبها، فلا يكون تداول سلمي على السلطة إلّا في إطار بيان الأوّل من تشرين الثاني (نوفمبر) كقاعدة جامعة لكل الجزائريين".

لا جبر ولا وصاية

يشير سيف الدين قداش الكاتب الصحفي المختص في الجيوبولتيك والاقتصاد إلى أنّه "منذ إصدار بيان تشرين الثاني (نوفمبر) كان الإسلام السنّي المالكي فاعلاً رئيساً في دولاب الثورة، وأكد عليه بيان تشرين الثاني (نوفمبر) بوضوح، حيث وضّح طبيعة تأسيس الدولة بالاجتماعية، وأتبعها في إطار المبادئ الإسلامية".

ويضيف قداش: "كان الإسلام العقلاني التقليدي حاضراً في قلوب كافة الجزائريين، رغم تفشي البدع والخرافات، وضعف الوعي بقيم الدين بشكل لا يتجاوز مجرد العبادات التقليدية، وكانت الأحكام والتشريعات والفقه ومقاصد الشريعة يعرفها قلّة القلّة من رواد جمعية العلماء الجزائريين المسلمين بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس، ثم الشيوخ محمد بشير الإبراهيمي وعبد اللطيف سلطاني وأحمد حماني وغيرهم من منارات الجزائر العلمية وكبار علمائها وفقهائها".

ويشدّد قداش على أنّ "الجزائر كانت بعيدة كل البُعد عن التطرف أو المبالغة في التديّن، وكان الإسلام تقليدياً وعقلانياً يتقيّد في إطار الخصوصية والحرية الشخصية ولا يتنزّل على الأفراد بالجبر أو الوصاية على حرياتهم التي تنطوي على الاختيار وعلى الجزاء والعقاب الغيبي وفق المفهوم الديني المعروف من خلال آيات القرآن الكريم".

مُصاب الجزائر الجلل في أنماط الإسلام المستورد

يُبرز قداش أنّ "مُصاب الجزائر الجلل جاء من أنماط الإسلام المستورد الذي كان اجتهاداً شخصياً، سواءً في العبادات أو في تنظيم المجتمع، أو في مفهوم وعقيدة وتوجهات السياسة أو الدولة، والتي تحول فيها الإسلام من عقيدة دينية ربانية إلى تيار وتوجه حزبي متمايز ومنافس على كعكة المسؤوليات".

سيف الدين قداش

ويُحيل قداش إلى "ظهور تيارات دينية راديكالية حاولت إسقاط نمط الدولة التقليدي وفق النموذج الديمقراطي الحداثي بعلّاته الأحادية أو الاشتراكية وغيرها، وإقامة حكم إسلامي تقليدي راديكالي لا يستوفي نمط ونموذج الدولة بمفهومها المُعقّد والعصري، وبأجهزة صنع القرار المُركّبة فيها".

وإفراز كل ما تقدّم ـ يضيف قداش ـ "دفع الجزائريون جرّاء ذلك (10) أعوام من الخراب والتقتيل وتوقف التنمية وتراكم المشكلات التي ما تزال عالقة إلى اليوم، هذا مثل أزمة النزوح من الأرياف والسكن والخلل الديموغرافي السلبي".

أثبتت النماذج أنّ "التيار الإخواني ليست له تلك الشعبية ولا المقبولية التي تؤهله لقلب نمط ونموذج الدولة العقدي والاستمرار في الحكم، بل وتغيير النمط الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق ما حقّقه الغرب دنيوياً من النواحي الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية

ويضيف أيضاً: "التفاوت الاقتصادي وظهور نخبة برجوازية مصطنعة، ووصول رجالها إلى السلطة، وافتراس المصالح العمومية، وما نتج عنه من فساد، تحدّث عنه بداية رئيس الوزراء المرحوم عبد الحميد الإبراهيمي، وانتهى في مراحله التراكمية بالإطاحة برئيسي وزراء بوتفليقة (أويحي وسلال) وعشرات الألوية والوزراء والمديرين ورجال الأعمال الفاسدين بداية من عام 2019".

واستناداً إلى بعض التقديرات، يلاحظ قداش أنّ ثمن صعود الإسلام الراديكالي في الجزائر، وتطوره إلى المتمرد ثم الإرهابي كان بين (150) إلى (250) ألف ضحية، فضلاً عن خسائر اقتصادية جسيمة فاقت الـ (25) مليار دولار.

الأميّة الدينية وبعبع التطرف

يُلفت خبير الجيوبولتيك والاقتصاد إلى أنّ ما تحدث عنه الرئيس عبد المجيد تبون هو "المرجعية العامة للجزائريين التي لا غرو ولا تحوير فيها"، موضحاً: "المشكلة لدى الشعب هي الأميّة الدينية التي زادها التطرف حدة، فعوض إرجاع الشعب إلى مشاربه الدينية من خلال طرح عقلاني، تمّ تجنيد شبابه المغرّر بهم لتأسيس حلم عاطفي لمفهوم الدولة المسلمة أو الحكم الإسلامي، الذي لو عاد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لنقضه، لأنّه أخذ عن الفرس نموذج إدارة الدولة من خلال الديوان والجرد والتنظيم الإداري وغيرها".

وفي تصريحات خاصة بـ (حفريات)، قال قداش: "الإسلام جاء لتصحيح العقائد بالله ـ عزّ وجلّ ـ وعبادته وفق نموذج ديني يتوعد بعقاب الآخرة وليس بزواجر الدنيا التي يصحّ فيها الاجتهاد في العفو وعدم المسارعة بالعقوبة، وباب الاجتهاد واسع، ولكل مجتهد نصيب، بعيداً عن التشدّد أو الغلوّ والتألي على الله في إسقاط الأحكام القاسية أو الإرهابية لمجرد أنّهم لم يكونوا على مستوى الاستقامة التي يتوخاها المتطرفون أو الخوارج".

وفي مقاربته لما قاله قائد حركة (السلم) الجزائرية بين عامي 2013 و2023، يرى قداش أنّ "ما طرحه مقري نابع من توجه نمطي ديني أثبت فشله على الأرض، على المستويين الدعوي والتربوي، والسياسي والإداري (الحكم)، فضلاً عن ذلك فإنّ كل نماذج تياره لمّا وصلت إلى الحكم لم تغيّر قيد أنملة من علاقة الدولة بالإسلام، في كل من تونس والمغرب ومصر وغيرها".

الإخوان ليست لهم الشعبية ولا المقبولية

بحسب قداش، أثبتت النماذج أنّ "التيار الإخواني ليست له تلك الشعبية ولا المقبولية التي تؤهله لقلب نمط ونموذج الدولة العقدي والاستمرار في الحكم، بل وتغيير النمط الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق ما حقّقه الغرب دنيوياً من النواحي الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، فضلاً عن تحقيق الرفاه الاجتماعي والتقدم الاقتصادي، وهو التحدي الحاسم الذي ينتظره الناخبون خلال كل دورة انتخابية لرفع أو حطّ تيار سياسي أو حزب ما".

عبد الله طمين

واستطرد قداش: "إنّ رفع الشعارات سهل من الناحية الخطابية، لكنّ تنفيذ تلك الشعارات معقّد على الأرض، إذا حصل هذا التيار أصلاً على الشرعية مع تحولات العولمة وتغيرات التكنولوجيا، وتركيز الشعوب على رهان العيش الكريم بعيداً عن الإيديولوجيات والطروحات التي أضحت لدى الكثيرين ديماغوجية، بيزنطية، عبثية، لا تسمن ولا تغني من جوع".

ويعتقد قداش أنّ "الأحرى بهاته التيارات النزول إلى الأرض، ومساعدة الجيل الحالي للخروج من الآفات التي توغلت في تفكيره وشخصيته وأفقدته بوصلته المُسلمة وقيمه الإنسانية، وأضحت الانحرافات والجرائم ديدن جزء منه، جرّاء الأميّة الدينية وضعف الوازع الديني وتلوث البيئة الأخلاقي، بعد التحولات الفكرية والعولمية التي ضجت بها حياتنا الحديثة".

وينتهي محدثنا إلى أنّ "الإسلام التقليدي الموروث عن المالكية الصافية والاجتهاد العقلاني الحداثي الغربي الذي لا يتعلق بالعقيدة (الإيمان الإسلامي التقليدي) والحريات (المُقيّدة بأحكام الشريعة لا أهواء البشر مثل المثلية)، ومحاكاة تفوق الغرب في العلوم والتكنولوجيا والتقدم والتنمية الاقتصادية، كما تفعل الصين، هو السبيل لجعل الدولة والدين في أفضل حالتيهما وأسمى غايتيهما الوجودية، بعيداً عن التنظير والطروحات الديماغوجية والبيزنطية التي لم يعد الشعب يعبأ بها أو يعيرها أدنى اهتمام أو مراعاة".

انحرافات جماعات الإسلام السياسي

أوضح الدكتور عبد الله طمين، الناطق الرسمي لشبكة سفراء السلام في العالم، أنّ الرئيس الجزائري عندما صرح بأنّ بيان الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر) يُعدّ بمثابة مرجعية وطنية للشعب الجزائري ككل، فكلامه صحيح، لأنّ البيان المذكور تضمّن مجموعة من القيم الوطنية المرجعية.

وفي تصريح لـ (حفريات) شرح طمين: "تلك الوثيقة يمكن تصنيفها في شكل ميثاق يتضمن المحتوى العقائدي والسياسي للثورة، حيث أضحى بيان تشرين الثاني (نوفمبر) خالداً لاحتوائه على أدبيات الحركة الوطنية الجزائرية والماضي النضالي للجزائريين في أسمى مظاهره".

وركّز طمين على أنّ البيان "تضمّن دعوة صريحة إلى تخليد قيم وطنية جعلته مع مرور الزمن ميثاقاً للدولة الجزائرية المستقلة، وتضمّن مجموعة من القيم الوطنية؛ منها: السيادة الشعبية، الوحدة الوطنية، أبعاد الهوية ودوائر الانتماء، قيم حبّ السلم والإنسانية، المحافظة على سلامة الوطن ووحدته الترابية بالتضحية بالنفس والنفيس، الهوية الإسلامية ومبادئ الإسلام كثوابت للدولة الجزائرية المستقلة".

وتعقيباً على ما قاله مقري، يقول الخبير المختص في السياسات العمومية: إنّ "العمل بالشريعة الإسلامية ذات الجوهر الروحي والتعبدي يقتضي صياغة الأحكام الفقهية والموروث الاجتهادي بمفردات قانونية، وإلزامها بما يلزم عبر إعداد وإصدار تلك القوانين".

ويسجّل طمين اختلاف نموذج السلطة في الجزائر والخوف من انحرافات الجماعات الإسلامية العاملة في السياسة وأشياء أخرى.

 

مواضيع ذات صلة:

مؤتمر حركة البناء الجزائرية ... لم يتغيّر أي شيء!

كيف دعمت إيران جبهة الإنقاذ الجزائرية؟

الجزائر: إجماع على رفض عودة فلول الإنقاذ.. ما الجديد؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية