ما تداعيات قرار تركيا بتمديد مهمة قواتها العسكرية في ليبيا؟

ما تداعيات قرار تركيا بتمديد مهمة قواتها العسكرية في ليبيا؟


07/07/2022

بالرغم من تعهداتها السابقة بسحب كافة القوات التابعة لها من ليبيا، استجابة للقرارات الدولية والاتفاقيات الإقليمية، أعلنت تركيا، مؤخراً، تمديد مهمة قواتها داخل الأراضي الليبية إلى 18 شهراً إضافية اعتباراً من 2 تموز (يوليو) الجاري، وهو قرار سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على الاتفاق السياسي والعسكري في الداخل الليبي وعلى ملف المفاوضات بين مصر وتركيا أيضاً.

وبحسب المذكرة الرئاسية التي وافق عليها البرلمان التركي، بشأن تمديد مهمة القوات داخل البلاد، فإنّ "الهدف من إرسال قوات تركية إلى ليبيا هو حماية المصالح الوطنية في إطار القانون الدولي، واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة ضد الأخطار الأمنية التي تشكلها جماعات مسلحة غير شرعية في ليبيا".

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مذكرته التي أرسلها بداية حزيران (يونيو) الماضي للبرلمان، إنّ "وجود قوات تركية في ليبيا يستهدف أيضاً الحفاظ على الأمن ضد الأخطار المحتملة الأخرى، مثل الهجرات الجماعية وتقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها الشعب الليبي وتوفير الدعم اللازم للحكومة الشرعية في ليبيا"، بحسب ما أوردته صحيفة "الإندبندنت" عربية.

 مغادرة المرتزقة والقوات الأجنبية

من جانبه، عبّر رئيس الوزراء الليبي المعين من قبل البرلمان فتحي باشاغا، عن رفض حكومته استمرار الوجود الأجنبي في بلاده والذي يشمل قوات تركية وبضعة آلاف من مرتزقة أردوغان كانوا قد شاركوا في القتال إلى جانب قوات وميليشيات حكومة الوفاق السابقة في مواجهة هجوم أطلقه قائد الجيش الوطني خليفة حفتر في 2019 لتطهير طرابلس من الإرهاب.

وقال باشاغا في حديث من طرابلس مع وكالة "رويترز" نقله موقع "ميدل إيست" إنّ "حكومته تؤيد إخراج كل المقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد، وفقاً لتوصية لجنة تشكلت لدعم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بعد صراع دار في الفترة بين عامي 2014 و2020".

أردوغان: وجود قوات تركية في ليبيا يستهدف أيضاً الحفاظ على الأمن ضد الأخطار المحتملة الأخرى، مثل الهجرات الجماعية

وتحدث باشاغا عن المرتزقة الذين جلبتهم تركيا من دون ذكرها بالاسم كما تحدث عن مجموعة فاغنر الروسية العسكرية، مؤكداً أنه يساند توصية لجنة (5+5) المعنية بوقف إطلاق النار والتي تضم خمسة ضباط من طرفي صراع 2014-2020، والتي تطالب كافة القوات الأجنبية بمغادرة البلاد، من أجل توحيد المؤسسة العسكرية وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني.

ما تداعيات القرار التركي؟

يتزامن القرار التركي مع نهاية "المرحلة التمهيدية للحل الشامل" في ليبيا، المعروفة إعلامياً بـ"خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي في ليبيا"، والتي انطلقت في أواخر عام 2020 وحددت 18 شهراً كحد أقصى لوضع ليبيا على خطى سلام دائم، بحسب صحيفة "أصوات مغاربية".

ويرى المحلل العسكري الليبي محمد الترهوني أنّ القرار التركي جاء في ذلك التوقيت لمحاولة استغلال حالة الصراع القائم في البلاد ووضع تركيا على الخريطة مجدداً للحصول على مكاسب جيوسياسية واقتصادية.

 

محمد الترهوني: تمديد مهمة القوات التركية داخل ليبيا يعيق جهود توحيد المؤسسة العسكرية وإقرار الأمن ويعطل الحل السياسي

 

وبحسب الترهوني، فإنّ القرار التركي سينعكس سلباً على ثلاثة محاور، يتعلق الأول بتعقيد المسار السياسي الداخلي مع استمرار التدخلات الخارجية وفشل الاتفاقات الدولية في إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وهو ما سيعزز احتمالات الصراع المسلح مجدداً بين الفرقاء السياسيين.

وفي تصريح لـ"حفريات" يقول الترهوني إنّ تمديد مهمة القوات التركية داخل البلاد، يعيق جهود توحيد المؤسسة العسكرية وإقرار الأمن داخل الدولة، ويتعارض مع قرارات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وكذلك كافة القرارات الأممية الخاصة بإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد، تمهيداً للبدء بخريطة الاستقرار السياسي من خلال حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا التي وافق عليها البرلمان منذ عدة أشهر ولا تزال غير قادرة على ممارسة مهامها بسبب الصراعات السياسية وتمسك حكومة الدبيبة بموقعها.

كيف يؤثر القرار على الملف التفاوضي مع القاهرة؟

المحور الثالث، بحسب المحلل الليبي، يتعلق بتراجع تركيا عن تعهداتها الدولية والإقليمية بالانسحاب الكامل من ليبيا، وهو أمر سيؤثر بكل تأكيد على مسار  المفاوضات التي تجريها في الوقت الراهن مع مصر والدول التي ترفض تمديد التواجد العسكري داخل الأراضي الليبية وتدعم إقرار الحل السياسي وتنفيذ مخرجات الاتفاقيات الدولية وأبرزها اتفاق جنيف المحدد لآلية عمل اللجنة العسكرية ومخرجات مؤتمر برلين، وجميعها تؤكد على ضرورة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد كشرط رئيسي للبدء بتنفيذ خريطة الطريق السياسية.

لماذا سارعت تركيا إلى القرار الآن؟

في تقدير الترهوني، تحاول تركيا استثمار حالة الصراع السياسي الحاصل في ليبيا في الوقت الراهن لفرض تواجدها في ضوء الضغوط الدولية الكبيرة عليها للانسحاب بشكل كامل من الأراضي الليبية، وهو أمر يصعب على أنقرة تنفيذه؛ لأنه بمثابة كسر لنفوذ أردوغان الإستراتجي، كما أنه سيقطع عليها فرصة الاستفادة من الموارد الليبية التي تسيطر عليها منذ سنوات بمساعدة حلفائها من عناصر تنظيم الإخوان بالداخل، ما سيؤثر بشكل كبير على زيادة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بالأساس في الداخل التركي.

الترهوني: تركيا تحاول استغلال حالة الصراع السياسي المحتدم في ليبيا الآن لتحقيق مكاسب جيوسياسة واقتصادية

ويرى المحلل العسكري الليبي أنّ تركيا في الوقت الراهن تحاول البحث عن موطئ قدم جديد في ليبيا سواء أكان هذا التواجد سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً، وكلما تم تمديد التواجد التركي، رغم كونه تحدياً واضحاً للشرعية الدولية، حصلت أنقرة على مكاسب أكبر جراء حالة التقاسم والصراع والتشظي في المشهد السياسي بالبلاد، وكذلك ستجد أنقرة مبررات دائمة للتدخل في  الشأن الليبي.

إحياء المليشيات المسلحة

عضو مجلس النواب الليبي محمد الهاشمي، استنكر القرار التركي بشأن تمديد وجود القوات العسكرية، وحذر في حديث مع صحيفة "الشرق الأوسط" من مغبة القرار، الذي سيدفع دولاً أخرى للإبقاء على قواتها داخل البلاد، فضلاً عن إحياء نشاط الميليشيات المسلحة.

 

محمد الهاشمي: الأتراك ينسقون مع تشكيلات مسلحة محلية ما يعزز نفوذ تلك الجماعات وهذا يتعارض مع كافة المخرجات الأممية الداعية لنزع سلاح تلك التشكيلات وإعادة دمجهم في المؤسسات الأمنية والمدنية

 

ويرى الهاشمي أنّ "تمديد تركيا قواتها في ليبيا "ينذر بتكرار الأمر من دول أخرى، مما يبقي الأوضاع على ما هي عليه في البلاد"، مشدداً على أنّ: "وجود قوات أجنبية من أي دولة في بلادنا مرفوض، كما أنّه مقلق للجميع وليس للنخبة السياسية فقط".

ويتابع: "الأتراك ينسقون مع تشكيلات مسلحة محلية ما يعزز نفوذ تلك الجماعات، وهذا يتعارض مع كافة المخرجات الأممية الداعية لنزع سلاح تلك التشكيلات وإعادة دمجهم في المؤسسات الأمنية والمدنية".

مواضيع ذات صلة:

دور إخوان ليبيا في فشل أعمال لجنة المسار الدستوري

إخوان ليبيا ومحاولات القفز على مطالب الحراك الثوري

ليبيا: ماذا تفعل حكومة باشاغا بأزمة نقص التمويل؟ وما أبرز التحديات الأخرى؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية