ما خطط أوروبا لمكافحة الإرهاب والتطرف؟

ما خطط أوروبا لمكافحة الإرهاب والتطرف؟

ما خطط أوروبا لمكافحة الإرهاب والتطرف؟


17/10/2023

التحولات الجيوسياسة والأمنية في قارة أوروبا نتيجة الأزمة الأوكرانية، إضافة إلى تصاعد التهديدات الإرهابية، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز استراتيجيات مكافحة الإرهاب والتطرف، في إطار تعاون وتنسيق واسع على المستوى الأمني والاستخباراتي بين دول الاتحاد، اعتماداً على آليات جديدة تستهدف التقنيات الحديثة للإرهاب عبر الإنترنت والتطرف العابر للحدود.

واعتمد مجلس أوروبا، استجابة للطبيعة المتطورة للتهديدات الإرهابية في أوروبا، في 8 شباط (فبراير) 2023، استراتيجية لمكافحة الإرهاب للفترة 2023-2027 توفر أدوات جديدة واستجابات ملموسة للتحديات المستمرة والناشئة التي تواجهها سلطات الدولة.

هذه الاستراتيجية تهدف، بحسب دراسة حديثة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بعنوان "الاتحاد الأوروبي ـ استراتيجية مكافحة الإرهاب"، إلى تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في أوروبا وخارجها من خلال معالجة ليس فقط مظاهر الإرهاب، ولكن أيضاً أسبابه الجذرية ودوافعه في المشهد الجيوسياسي الحالي.

وتهدف إلى معالجة التهديد المتزايد الناجم عن التطرف العنيف في أوروبا، والزيادة في إساءة استخدام التقنيات الجديدة لإرسال الرسائل والتجنيد والتدريب، والتفاعل بين أعمال الإرهاب وانتهاكات قواعد الصراع المسلح (جرائم الحرب) التي لوحظت مؤخراً في أوروبا، في سياق العدوان الروسي على أوكرانيا.

كما تعكس الاستراتيجية أيضاً فهم أنّه على الرغم من أنّ التهديدات الإرهابية المستوحاة من تنظيم (داعش) أو تنظيم (القاعدة) قد تضاءلت في الأعوام الأخيرة، إلّا أنّ هناك حاجة إلى إيجاد وسائل فعالة وشاملة لمنع ظهورها مرة أخرى.

طبيعة الإرهاب في أوروبا 2023

أعلنت السلطات في ألمانيا وهولندا في 6 تموز (يوليو) 2023 أنّ (9) أشخاص من آسيا الوسطى اعتقلوا فيما يتعلق بخطط مزعومة لشن هجمات في ألمانيا، تماشياً مع إيديولوجية تنظيم (داعش)، وقال ممثلو ادعاء فيدراليون ألمان: إنّ (7) رجال اعتقلوا في ألمانيا بتهمة تأسيس جماعة متشددة ودعم تنظيم (داعش)، وأنّ جميعهم كانوا يعرفون بعضهم البعض لفترة طويلة، ولديهم آراء إسلامية متطرفة، وأضافوا أنّ أعضاء الجماعة عاينوا أهدافاً محتملة في ألمانيا، وحاولوا شراء أسلحة، لكن "لم تكن هناك خطة ملموسة لشن هجوم وقت الاعتقال"، وأشاروا إلى أنّ جميع المعتقلين في ألمانيا، باستثناء واحد، كانوا يجمعون الأموال لتنظيم (داعش) منذ نيسان (أبريل) 2022 وتحويلها إلى التنظيم.

يشكل التعاون المتعدد الأطراف جوهر التوجه الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستفادة القصوى من آليات مواجهة الإرها

وقالت النيابة العامة في هولندا: إنّ رجلاً طاجيكياً يبلغ من العمر (29) عاماً وزوجته القرغيزية البالغة من العمر (31) عاماً، يعيشان في البلاد منذ العام الماضي 2022، اعتقلا للاشتباه في ارتكابهما أعمالاً تحضيرية لهجمات، كما يشتبه في انتماء الرجل لتنظيم (داعش)، وقالت النيابة في بيان: إنّ الشرطة تشتبه في أنّ الرجل "تلقى أمراً بالتخطيط لهجوم إرهابي".

وأضافت أنّ الخطط كانت خطيرة بما يكفي لكي يتدخل ممثلو الادعاء، رغم أنّها "لم تكن بعد ملموسة"، وفقاً للدراسة.

مكافحة الإرهاب أولوية قصوى للاتحاد الأوروبي؟

وفي أعقاب سلسلة من الهجمات منذ عام 2015، اعتمد الاتحاد الأوروبي تدابير مختلفة لوقف الإرهاب، رغم أنّ التطرف ليس ظاهرة جديدة، ولكنّه أصبح يشكل تهديداً أكثر خطورة في الأعوام الأخيرة، وقد سهلت تكنولوجيات الاتصال عبر الإنترنت على الإرهابيين التواصل عبر الحدود، وضخمت الدعاية الإرهابية وانتشار التطرف، لذلك اعتمد الاتحاد الأوروبي في نيسان (أبريل) 2021 لائحة بشأن معالجة نشر المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت.

رغم أنّ التطرف ليس ظاهرة جديدة، ولكنّه أصبح يشكل تهديداً أكثر خطورة في الأعوام الأخيرة، وقد سهّلت تكنولوجيات الاتصال عبر الإنترنت على الإرهابيين التواصل

وعلى الرغم من أنّ مسؤولية مكافحة الجريمة والحفاظ على الأمن تقع في المقام الأول على عاتق الدول الأعضاء، فقد أظهرت الهجمات الإرهابية التي وقعت في الأعوام الأخيرة أنّ هذه مسؤولية مشتركة أيضاً يجب أن يتم التنسيق والتعاون فيها بشكل أكبر بين الدول الأعضاء، خاصة على المستوى الأمني والاستخباراتي. ويساهم الاتحاد الأوروبي في حماية مواطنيه من خلال العمل كمنتدى رئيسي للتعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء.

أزمة المقاتلين الأجانب

الدراسة استندت إلى الأرقام التي تشير إلى أنّ ما بين (4) آلاف إلى (5) آلاف من مواطني الاتحاد الأوروبي قد سافروا أو حاولوا السفر إلى مناطق النزاع ـ خاصة في العراق وسوريا ـ منذ عام 2011 للانضمام إلى الجماعات الإرهابية مثل (داعش).

وقد عاد 30% منهم بالفعل إلى بلدانهم الأصلية، وظلت قضية المقاتلين الأجانب على رأس جدول الأعمال السياسي للاتحاد الأوروبي لأعوام عديدة، وفي آذار (مارس) 2017 اعتمد الاتحاد الأوروبي توجيهاً بشأن مكافحة الإرهاب. وتعزز القواعد الجديدة الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي لمنع الهجمات الإرهابية ومعالجة ظاهرة المقاتلين الأجانب. ويجرم التوجيه أفعالاً مثل: القيام بالتدريب أو السفر لأغراض إرهابية، وتنظيم أو تسهيل مثل هذا السفر، وتوفير أو جمع الأموال المتعلقة بالجماعات  المتطرفة.

استراتيجية بريطانية لمكافحة الإرهاب

في 18 تموز (يوليو) 2023 كشفت الحكومة البريطانية عن تحديث لاستراتيجية مكافحة الإرهاب المعروفة باسم (كونتست)، وهي تُعَدّ الوثيقة الأولى من نوعها منذ (5) أعوام. وقد أوضحت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، في تصريحات لها، أنّ "التهديد الإرهابي لبريطانيا يتزايد؛ حيث أصبح المهاجمون غير متوقعين بشكل متزايد، ويصعب اكتشافهم".

 

وأشارت الوزيرة إلى أنّ التهديدات أصبحت أكثر تنوعاً وديناميكيةً وتعقيداً، وهو ما دفع بلادها إلى وضع تحديث شامل لاستراتيجيتها الخاصة بالتصدي للإرهاب، التي ركزت فيها على إرهاب الجماعات الإسلامية، باعتباره التهديد المحلي الرئيسي للمملكة المتحدة؛ إذ شكل نحو ثلثي الهجمات في عام 2018، فضلاً عن تشتت وانتشار أعضاء تنظيمَي (داعش) و(القاعدة)، في الوقت الذي تحاول فيه الجهات الفاعلة الدولية المعادية للندن الاستفادة من الأنشطة الإرهابية لتحقيق أهداف خاصة لها بالمملكة.

الاستراتيجية تستند، وفق ما نشره المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى عدد من الأطر والتوجهات الرئيسية لدى المملكة المتحدة بشأن العمليات الإرهابية وكيفية التصدي لها؛ منها  التخوف من تهديدات الجماعات الإرهابية الإسلامية، وتأكيد الطابع المزدوج للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، واستدعاء دور أفراد المجتمع في مواجهة الإرهاب، فضلاً عن تطوير آليات مواجهة الإيديولوجيات المتطرفة، وتعزيز الشراكة مع الحلفاء الدوليين، وتفعيل دور القطاع الخاص، وتعزيز الأمن الوقائي.

الشراكات الدولية للاتحاد الأوروبي

ويشكل التعاون المتعدد الأطراف جوهر التوجه الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي لتحقيق الاستفادة القصوى من آليات مواجهة الإرهاب. ولتحقيق هذه الغاية يعمل الاتحاد الأوروبي بشكل وثيق مع الأمم المتحدة، ومع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNOCT). والمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب (المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة) على وجه الخصوص، كما يعمل الاتحاد الأوروبي أيضاً مع أكثر من (40) كياناً تابعاً للأمم المتحدة، والتي تشكل ميثاق الأمم المتحدة العالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب.

الأرقام تشير إلى أنّ ما بين (4) آلاف إلى (5) آلاف من مواطني الاتحاد الأوروبي قد سافروا أو حاولوا السفر إلى مناطق النزاع، خاصة في العراق وسوريا

ويشارك الاتحاد الأوروبي في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF) منذ أيلول (سبتمبر) 2022 بصفته جهة مانحة وعضواً في مجالس إدارتها، ويساهم الاتحاد الأوروبي أيضاً في عمل (3) مؤسسات مرتبطة بالمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، والمعهد الدولي للعدالة (IIJ) والصندوق العالمي لإشراك المجتمع وقدرته على الصمود (GCERF)، والاتحاد الأوروبي هو أيضاً شريك غير عسكري للتحالف العالمي ضد (داعش)، ويتعاون بنشاط مع حلف شمال الأطلسي والإنتربول، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF)، وفقاً للدراسة.

استراتيجية أوروبا لمكافحة الإرهاب في أفريقيا

أمّا في أفريقيا، فقد مدد مجلس الاتحاد الأوروبي تفويض العملية الأمنية فيها في كانون الأول (ديسمبر) 2020. وساعدت عملية (أتالانتا) أيضاً في إنفاذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على الصومال، وكذلك مكافحة الاتجار بالمخدرات غير المشروعة.

ويبقى التركيز الرئيسي على توفير الحماية للسفن التي تحمل شحنات لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ودعم بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميسوم). ويشمل ذلك حماية الشحن الدولي قبالة سواحل الصومال ومكافحة القرصنة.

وقد أشارت الدراسة إلى أنّ القرن الأفريقي يكتسب أهمية خاصة لدى أوروبا، لأنّ هناك حوالي 40% من ممرات الشحن العالمية، و25% من الإمدادات البحرية للاتحاد الأوروبي تمر عبر خليج عدن. على الرغم من أنّ القرصنة قد تم تحديدها إلى حد كبير من خلال الجهود الدولية، وقبل كل شيء عملية الاتحاد الأوروبي (أتالانتا) ATLANTA ، إلّا أنّها ما تزال تشكل تهديداً أساسياً للأمن البحري، بما في ذلك الاتجار غير المشروع والتجارة غير المشروعة.

هذا، وما يزال الوضع الأمني متقلباً مع استمرار نشاط الجماعتين الإرهابيتين، (حركة الشباب، وداعش).

وانتهت الدراسة إلى أنّ الإجراءات المتخذة حتى الآن لم تنجح تماماً بوضع نهاية  للتنظيمات المتطرفة التي تستفيد من التطورات التقنية الافتراضية للتخفي والتواصل فيما بينها مخترقة بذلك حدود الدول وإجراءاتها الأمنية، لذلك تبدو دول أوروبا في حاجة مستمرة لتعزيز سبل المواجهة.

كما شدّدت على أنّ أوروبا بحاجة جادة لمعالجة ملف المقاتلين الأجانب وعوائل تنظيم داعش الأوروبيين في المخيمات، وينبغي ألّا تستمر السياسات الأوروبية بالتجاهل مستقبلاً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية