ما خلفيات اقتراح السعودية إنشاء "كيان البحر الأحمر"؟

السعودية

ما خلفيات اقتراح السعودية إنشاء "كيان البحر الأحمر"؟


16/12/2018

اقترحت المملكة العربية السعودية إنشاء كيان يضم الدول المتاخمة للبحر الأحمر وخليج عدن، وهي منطقة إستراتيجية وحيوية للشحن البحري، وتشهد تنافساً ساخناً بين اللاعبين الإقليميين المختلفين.

وقد التقى عاهل السعودية، الملك سلمان بن عبدالعزيز، في قصره بالرياض، الأربعاء الماضي، مسؤولين من وزارة الخارجية من مصر وجيبوتي والصومال والسودان واليمن والأردن "للنظر في تأسيس كيان للدول العربية والإفريقية على ساحل البحر الأحمر"، حسبما أفادت وكالة الأنباء السعودية (واس).

اقرأ أيضاً: دور سعودي-إماراتي متناغم لإعادة هندسة أمن البحر الأحمر

وذكرت الإخبارية السعودية أنّهم ناقشوا طرق تعزيز التجارة والاستثمار، إضافة إلى حماية سفن الشحن، ومن المتوقع، حسبما ذكر تقرير لـ "رويترز"؛ أن يجتمع فريق من الخبراء قريباً في القاهرة لإجراء محادثات فنية.

إحياء منتدى البحر الأحمر؟

قدّمت كلّ من السعودية ومصر، في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، مقترحات لإنشاء "منتدى البحر الأحمر"، ويضمّ المنتدى الدول الواقعة على طول الشاطئ، لكن لم تنجح هذه الفكرة بسبب انقسامات الحرب الباردة والأسئلة التي أثيرت حول مشاركة إسرائيل.

اقرأ أيضاً: مَن يسعى لزعزعة الاستقرار في إثيوبيا والقرن الإفريقي؟

وفي الآونة الأخيرة؛ أُعيد إحياء هذا الاقتراح من عدة جهات، كان من أبرزها المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى القرن الإفريقي، الذي نادى بإحياء مشروع المنتدى انطلاقاً من أهمية الممرات البحرية لاقتصاد أوروبا، كما نادت مصر بإحياء المشروع؛ بسبب أنّها ترى البحر الأحمر وخليج عدن امتداداً لقناة السويس، لكن ظهرت على السطح الأسئلة نفسها حول من يجب أن يكون جزءاً من هذا المنتدى؟ وهل يجب ضمّ إسرائيل؟ وماذا عن الدول غير الساحلية التي لها مصالح رئيسة في البحر الأحمر؛ مثل إثيوبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.

يعدّ اقتراح السعودية إنشاء كيان البحر الأحمر امتداداً لرؤية السعوديين على مجابهة الوجود الإيراني في المنطقة

وفي رأي خبراء في المنطقة؛ فإنّ السبب الرئيس في عدم وجود آلية أمنية مشتركة للبحر الأحمر حتى الآن؛ هو أنه لم يكن هناك حاجة لحماية مسار التجارة في الماضي؛ ففي خلال الحرب الباردة كانت للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي مصلحة مشتركة في الحفاظ على سلامة الممرات البحرية، ويشير قرار الصين في اختيار موقع أول قاعدة بحرية لها في الخارج في جيبوتي إلى اهتمامها الإستراتيجي بالمنطقة، كما يشير أيضاً إلى أنها تشترك في أولويات الولايات المتحدة وأوروبا فيما يتعلق بأولية تأمين الملاحة.

لكن في الأعوام الأخيرة؛ أصبح أمن البحر الأحمر مثيراً للقلق، فقد تزايدت صراعات القوى الإقليمية فيما بينها، ففي السابق، كان الاهتمام السياسي الرئيس لدول الخليج في القرن الإفريقي منطوياً تحت سياسات أمريكا بمحاربة الإرهاب، كما كانت المشاركة الخليجية في المنطقة تقتصر على مشاريع الاستثمار، لا سيما في الزراعة، ودعم المساجد والمدارس من قبل الأفراد والمؤسسات الخيرية. لكن في العقد الماضي، توسعت مشاركة دول الخليج بشكل كبير.

شعار كيان دول البحر الأحمر

ومن جانب آخر؛ برز لاعبون إقليميون يبحثون عن موطئ قدم في المنطقة، أبرزهم إيران، المتهمة بدعم الحوثيين في اليمن، وتركيا التي سوّق رئيسها، منذ بدء الحرب السورية، العام 2011، إستراتجية إحياء الوجود التركي في جميع أنحاء أراضي الإمبراطورية العثمانية السابقة، باستخدام القوة الناعمة للتجارة والمساعدات والتعليم، وأصبحت تركيا أول بلد يفتح سفارة في الصومال الهشّ، بعدما عادت حكومته الاتحادية الانتقالية، وظلت داعمة رئيسة للحكومات المتلاحقة، كما أنها مستثمر نشط في السودان مع خطط لفتح قاعدة عسكرية في سواكن على ساحل البحر الأحمر.

أولويات السعودية

ومن جانبها، بدأت المملكة العربية السعودية بتنشيط علاقتها مع دول غرب البحر الأحمر، وعلى سبيل المثال؛ فقد توسطت السعودية في اتفاق سلام في أيلول (سبتمبر) الماضي بين إريتريا وإثيوبيا، وتقع إريتريا بالقرب من منطقة باب المندب القريبة، وهي نقطة شحن على البحر الأحمر تستخدمها ناقلات النفط وسفن شحن أخرى، في طريقها إلى أوروبا والولايات المتحدة عبر قناة السويس.

اقرأ أيضاً: تركيا في القرن الإفريقي ومخاطر عسكرة البحر الأحمر

وتسعى السعودية، في سياق التنافس الإقليمي المحموم في المنطقة، إلى اجتثاث الوجود الإيراني؛ ففي عام 2014، ضغطت المملكة العربية السعودية على السودان وجيبوتي والصومال لإغلاق البعثات الثقافية الإيرانية، وطرد الدبلوماسيين الإيرانيين، ثم تصاعدت الأمور، عام 2015، عندما بدأ التحالف العربي بقيادة السعودية، عمليات عسكرية ضدّ المتمردين الحوثيين في اليمن المدعومة من قبل إيران.

الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء خارجية الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر

ويعدّ اقتراح السعودية إنشاء كيان البحر الأحمر امتداداً لرؤية السعوديين على مجابهة الوجود الإيراني في المنطقة؛ فقد وجهت السعودية اتهامات لطهران بتهديد الملاحة في البحر الأحمر، وهي تهم اعتادت إيران نفيها، وتشهد علاقات إيران بدول بالخليج توتراً حاداً، سيما مع الرياض وأبوظبي.

في الأعوام الأخيرة أصبح أمن البحر الأحمر مثيراً للقلق فقد تزايدت صراعات القوى الإقليمية فيما بينها

وأكّد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، للصحفيين، بعد يوم من اجتماعات تأسيس كيان البحر الأحمر؛ أنّ هذا المشروع: "جزء من جهود المملكة لحماية مصالحها ومصالح جيرانها، وتحقيق الاستقرار في المنطقة التي نعيش فيها، ومحاولة خلق التآزر بين مختلف البلدان".
وأضاف: "كلما زاد التعاون والتنسيق بين بلدان هذه المنطقة، سيكون التأثير الخارجي الأقل سلبية على هذه المنطقة".

وجاء ذلك في كلمة لوزير خارجية السعودية، عادل جبير، بثتها قناة "الإخبارية" الرسمية، الأربعاء الماضي، عقب انطلاق أعمال الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء خارجية الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن بالرياض.

وأرجع الجبير في حديثه للحضور: "إنشاء كيان في البحر الأحمر والقرن الإفريقي؛ لنستطيع أن نتعاون في الأمور الإقتصادية والبيئية والأمنية".

الجبير: هذا المشروع جزء من جهود المملكة لحماية مصالحها ومصالح جيرانها

ووفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية؛ فقد استقبل العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، بقصر اليمامة في الرياض، عقب انتهاء الجلسة، المشاركين في الاجتماع الوزاري.

وحضر الاجتماع ممثلين لـ 6 دول، وهم وزراء خارجية؛ مصر سامح شكري، وجيبوتي محمود يوسف، والصومال أحمد عوض، والسودان الديرديري محمد، ونائب وزير الخارجية اليمني محمد بن عبد الله الحضرمي، والأمين العام للخارجية الأردنية زيد مفلح اللوزي.

اقرأ أيضاً: إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية في القرن الإفريقي: إنه وقت المصالحة

وكانت القاهرة قد استضافت الاجتماع الأول للدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن في القاهرة، خلال يومي 11 و12 كانون الأول (ديسمبر) 2017، بمشاركة السعودية والأردن وجيبوتي واليمن والسودان، وفق ما أوردت وكالة "الأناضول".

استقبل العاهل السعودي بقصر اليمامة في الرياض المشاركين في الاجتماع الوزاري

الدول غير المشاركة

وحسبما أشارت صحيفة "بلومبيرغ" الأمريكية؛ فإنه لم يتم تضمين الكيان الجديد كلاً من: إريتريا، وهي دولة مطلة على البحر الأحمر، وإثيوبيا التي بها أكبر عدد من السكان في القرن الإفريقي، وجمهورية صوماللاند، وهم دولٌ حليفة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتشارك إريتريا في عمليات القتال في اليمن.

نادى مبعوث الاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي بإحياء مشروع منتدى البحر الأحمر انطلاقاً من أهمية الممرات البحرية لاقتصاد أوروبا

وتنظر المملكة العربية السعودية إلى سواحل القرن الإفريقي باعتبارها "منطقة الأمن الغربي" الخاصة بها، وتخشى أن يتمكن خصومها من الحصول على موطئ قدم في المنطقة.

لكن هناك فجوات تتعلق بالهندسة الأمنية من ناحية الدول المشاركة في الكيان الجديد، وتظل الحاجة إلى سياسة موحدة من أجل تثبيت أمن البحر الأحمر، عبر إستراتيجية تشمل كافة دول البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يتدفق خلاله نحو 3.2 مليون برميل نفط يومياً، باتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، خاصة أنّه في الأعوام الأخيرة يتم استهداف الممر المائي من قبل القراصنة والمقاتلين الحوثيين من اليمن.

الصفحة الرئيسية