ما سر تغاضي "الإخوان" عن فظاعات "طالبان"؟

ما سر تغاضي "الإخوان" عن فظاعات "طالبان"؟

ما سر تغاضي "الإخوان" عن فظاعات "طالبان"؟


09/08/2023

الطريقة التي تحكم فيها جماعة طالبان باسم الإسلام، لا علاقة لها بروح الإسلام، لأنّ سبل الحكم الطالبانية تتوخى نمطاً للعيش معادياً للحقوق والحريات، ومصادماً للحضارة، وواضعاً آلاف السدود والأسوار في وجه التمدن والحضارة والعصرنة. ورغم هذه "الفظاعات" إلا أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تصدر ولو بياناً واحداً تدين هذه الممارسات التي جعلت الحركة منبوذة دولياً.

أضاعت الحركة المتطرفة التي توصف بالإرهاب، فرصة لإعادة صياغة خطاب جديد للحكم يقطع الصلة مع تجربتها الأولى في الحكم، لكنها في عودتها الثانية في آب (أغسطس) 2021، أرادت أن تثبت للعالم أنّ أمراض الحركة مستعصية وأكبر من العلاج، وأنّ الأوهام التي تسيطر على متخذي القرارات فيها تتوخى العيش خارج منطق القرن الحادي والعشرين.

الخروج من التاريخ

الأدلة على الرغبة العارمة للخروج من التاريخ تتجلى في مناح عدة، لعل أبرزها الحريات العامة، وبخاصة حرية المرأة، وهي المقياس الذي يُحكم من خلاله على المؤسسات والدول وحتى الأفراد بانتسابهم إلى الفضاء الإنساني، أو معاداتهم للإنسان بوصفة ذاتاً حرة يحركها الخير وتسعى إلى إعمار الأرض، وفق منطوق الشريعة التي تعمل "طالبان" على حرف مسارها، ومقاصديتها.

سبل الحكم الطالبانية تتوخى نمطاً للعيش معادياً للحقوق والحريات

والذين ينشئون توازياً بين أفكار "القاعدة" و"داعش" و"طالبان" و"الإخوان" لا يجانبون الصواب، فهذه الحركات التي تصف نفسها بـ"الجهادية" هي في صميم مخرجاتها إرهابية هدفها سجن الإنسان في زنازين "المقدس" الذي تفصّله تلك الحركات وأخواتها على مقاسها الضيق والمنبوذ.

حكومة طالبان قامت بحظر التعليم الجامعي على النساء في أفغانستان. وبعدها وقبلها قامت بإغلاق صالونات تزيين النساء، وحظرت الحدائق، وباتت الصالات الرياضية والحمامات العامة ممنوعة على النساء الأفغانيات، حسبما أوردت وكالة "فرانس برس" في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022.

يوجد حمام لكلّ منزل!

وقال محمد عاكف صادق مهاجر المتحدث باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لوكالة فرانس برس "أغلقت الصالات الرياضية أمام النساء لأنّ المدرّبين كانوا من الرجال وبعضها (الصالات) مختلط".

وأضاف أنّ الحمامات العامّة، حيث يجري الفصل عادة بين الرجال والنساء، باتت محظورة على النساء.

 وأشار إلى أنه "في الوقت الحالي، يوجد حمام لكلّ منزل، لذا لا توجد مشكلة أمام النساء" للاستحمام.

بقاء "طالبان" في الحكم يوفر فرصة ذهبية لجماعة الإخوان المسلمين التي تبحث عن ملاذ آمن يتيح لها مواصلة أنشطتها السياسية ومخططاتها الخطرة التي تهدد الأمن والاستقرار

 وأغلقت الفضاء العام في وجه النساء، إذ قامت "طالبان" في آخر فظاعاتها على حرمان النساء الأفغانيات من العمل في المنظمات التابعة للأمم المتحدة.

ودافع وزير التعليم العالي في حركة طالبان، الشيخ ندى محمد نديم، عن حظر التعليم الجامعي على النساء في مقابلة بثها التلفزيون الرسمي الأفغاني. وبرر الوزير الخطوة الصارمة بالتناقض مع المفهوم الشرعي لحركة طالبان، حسب تعبيره. وشمل ذلك، على سبيل المثال، عدم التزام الطالبات "بقواعد اللباس الإسلامي" أو حضورهن إلى الجامعات من المحافظات "دون رفقة محرم ذكر".

جرى استبعاد الفتيات والنساء إلى حد كبير من الحياة العامة في أفغانستان. ورغم كل التضييق ضد النساء الأفغانيات، إلا أنّ الحركات الدينية التي توصف بأنها "معتدلة" لم تصدر أي إدانة لممارسات طالبان ضد الإنسانية، فجماعة الإخوان أغمضت عينيها، وسدت أذنيها وعطلت حواسها كلها أمام هول ما يجري في أفغانستان، وكأنّ الأمر لا يعنيها، مع أنها تصدر بيانات على كل صغيرة وكبيرة تحت فوق سطح الكوكب.

شعارات الإخوان

ونتيجة لاستخدامها القضايا والشعارات الدينية لخدمة مصالحها السياسية الخاصة، تقع جماعة الإخوان المسلمين والهيئات الفكرية التابعة لها في فخ اتخاذ مواقف متناقضة ومزدوجة من القضية الواحدة، وهو الأمر الذي ظل مصاحباً لسلوك الجماعة منذ مرحلة التأسيس وحتى اليوم، بحسب الكاتب بابكر فيصل في مقال نشره موقع "الحرة"، في الرابع من كانون الثاني (يناير) الماضي.

دافع وزير التعليم العالي في حركة طالبان عن حظر التعليم الجامعي على النساء في مقابلة بثها التلفزيون الرسمي الأفغاني

وتمثل قضية "المرأة" إحدى القضايا الإشكالية في مواقف الجماعة، وفق بابكر، ذلك أنّ المرشد المؤسس، حسن البنا، كان قد عبَّر عن الموقف المبدئي للإخوان تجاه حقوقها في العمل والانتخاب بالقول: (ما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة مردودٌ عليهم بأنَّ الرجال، وهم أكمل عقلاً من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهنَّ ناقصات عقل ودين).

وإذ يقول المدافعون عن حديث البنا أنّ السياق التاريخي والاجتماعي الذي أنتج ذلك الموقف قد تغيَّر وأنّ الجماعة قد طوَّرت رؤيتها لقضية المرأة بحيث صارت تؤمن بحقها في العمل والانتخاب وغير ذلك من الحقوق، فإنّ هناك العديد من الشواهد، بحسب الكاتب، التي تبرهن على أنّ الموقف الأصيل للجماعة مازال يستخدم تلك القضية بشكل ذرائعي وليس بصورة مبدئية.

صمت مريب

إنّ الصمت المريب للاتحاد (الهيئة الفكرية الأهم للإخوان المسلمين) عن انتهاكات حركة طالبان لحقوق المرأة الأفغانية يوضح بجلاء أنّ "الجماعة ما تزال مستمرة في استخدام الدين من أجل خدمة المصالح السياسية، وهي في هذه الحالة تتمثل في محاولة تصوير الجماعة وكأنها الحارس الأمين لحقوق المسلمين في الغرب، وإلا فما هو تفسير إدانتها لقرار المحكمة الأوروبية وفي نفس الوقت تجاهل خروقات طالبان التي تفوق بكثير قرار منع لبس الحجاب في العمل؟".

ومن جانب آخر، يشير الكاتب بابكر، إلى أنه "قد يجد هذا الصمت تفسيره في حقيقة أفكار الجماعة التي عبر عنها المرشد المؤسس بقوله إنّ "النساء ناقصات عقل ودين" وبالتالي يجب عليهن أن يلزمن بيوتهن وهو ما يعني أنّ الذراع الفكري الأهم لدى الإخوان يجيز الأفعال التي تقوم بها طالبان لأنها تتوافق مع مبادىء الجماعة التي أرساها حسن البنا!؟".

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: فشل "طالبان" يعطي الكفار ذريعة للادعاء بأنّ المسلمين غير قادرين على إقامة نظام حكومي أو تولي حكومة تتماشى مع العصر

عودة مسلحي طالبان للحكم ما تزال كارثية على سكان البلد البالغ عددهم 40 مليون نسمة. ورأت الطالبة الجامعية سناء (23 عاماً) أنّ السبب  وراء قرارات "طالبان" يكمن في "أيديولوجيا طالبان المعادية للمرأة".

واضافت لوكالة فرانس برس: "تحوّلت أفغانستان اليوم إلى زنزانة للنساء. يريدون إرسال النساء إلى ثقب أسود. اليوم، مع إغلاق هذه المرافق، باتت (النساء) مسجونات داخل الجدران الأربعة لمنازلهن".

 رغم وعد طالبان بإظهار مرونة أكبر لدى عودتها إلى السلطة في آب (أغسطس) 2021، إلّا أنّها اعتمدت إلى حدّ كبير على التفسير الصارم للإسلام الذي كان طاغياً خلال المرحلة الاولى من حكمها (1996 - 2001)، حين قيّدت بشدّة حقوق وحريات النساء.

طالبان فرصة ذهبية للإخوان

وتدعو كاميليا انتخابي فرد رئيس تحرير "إندبندنت فارسية" إلى عدم الاستهانة بلقاءات وزيارات الإخوان و"طالبان" والتقارب الذي يتشكل بينهما. وبحسبها فإنّ إعجاب قيادات الإخوان المسلمين وفرحتهم بقدوم "طالبان" إلى السلطة والإشادة بسلوكهم تظهر أنّ هاتين المجموعتين على طريق التقارب والتعاون وتحاولان تحويل أفغانستان إلى مركز للتطرف والأنشطة الإرهابية، وفق مقال نشر في 15 كانون الثاني (يناير) الماضي.

صمت الإخوان عن انتهاكات طالبان لحقوق المرأة يوضح بجلاء أنّ الجماعة مستمرة في استخدام الدين من أجل خدمة المصالح السياسية

وقالت فرد: "الدكتور علي محيي الدين القره ‌داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نشر تغريدة أعرب فيها عن تفاؤله بالتطورات التي حدثت بعد وصول "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان، وهنأ الحركة بانسحاب قوات الاحتلال وبانتصارها. وذكر في إحدى تغريداته أنه إذا فشلت الحكومة الإسلامية (حكومة "طالبان") التي تمثل "حكومة العدل الإلهي" فإنها ستكون خسارة كبيرة للعالم الإسلامي، كما أنّ هذا الفشل يعطي الكفار ذريعة للادعاء بأنّ المسلمين غير قادرين على إقامة نظام حكومي أو تولي حكومة تتماشى مع معطيات العصر".

إنّ بقاء "طالبان" في الحكم يوفر، بحسب الكاتبة، فرصة ذهبية لجماعة الإخوان المسلمين "التي تبحث عن ملاذ آمن يتيح لها مواصلة أنشطتها السياسية ومخططاتها الخطرة التي تهدد الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي".

مواضيع ذات صلة:

مقاتلو طالبان يغيّرون أزياءهم، فهل يتغير تفكيرهم؟

حركة طالبان تمهد أفغانستان وآسيا الوسطى أمام تركيا




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية