ما قصة الاتهام الإخواني للحكومة بـ "التعمية" على "الجزائر الحقيقية"؟

ما قصة الاتهام الإخواني للحكومة بـ "التعمية" على "الجزائر الحقيقية"؟

ما قصة الاتهام الإخواني للحكومة بـ "التعمية" على "الجزائر الحقيقية"؟


24/09/2023

كشف رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن خلال الأسبوع الأخير أنّ الناتج الداخلي الخام لبلاده بلغ بعد إعادة تقييمه حدود (233) مليار دولار، وهو ما شكّك فيه مقري، بتأكيده أنّ "الرقم عند البنك الدولي يُقدّر بـ (191.91) مليار دولار".

وذهب مقري أبعد في تعليقه: "يبدو أنّ صدمة )البريكس( ما تزال تفعل فعلها، وكأنّ الناتج الإجمالي الخام لعبة أرقام يُعاد تغيير طريقة الحساب فيها بكل هذه البساطة، على السيد أيمن أن يقول لنا كم كان معدل النمو بين 2021 و2022 حتى تكون الصورة أوضح".

واعتبر المرشح الإخواني المرتقب لرئاسيات 2024 أنّها: "ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها كتابة الأرقام وتبليغها للمؤسسات الدولية ونقلها للرأي العام لأغراض سياسية لا علاقة لها بالاقتصاد"، مضيفاً: "أذكر جيداً ما سمعته بنفسي من مسؤول جزائري في يوم من الأيام: "نحن لا نعطي الأرقام الحقيقية عن مؤشرات البطالة والتضخم...، لسنا وحدنا من يفعل هذا، دول أخرى تفعل مثلنا!".

على نقيض طرح الإخواني مقري، يؤكد الخبير الاقتصادي مصطفى مقيدش أنّ الجزائر بصدد تحقيق معجزة حقيقية، مشيراً إلى أنّها تعكف اليوم على بناء اقتصاد متنوع وعصري، كفيل بمواجهة كل التحديات، وخاصة الأمن بمناحيه الطاقوية والغذائية والصحية

وأضاف مقري: "بالتأكيد الدول التي تفعل هذا ليس لها ما تقنع به الرأي العام والمؤسسات الدولية غير إعلان الأرقام، ليس لها صناعة ولا منتجات فلاحية ولا خدمات تغذي بها الأسواق العالمية، ليس لها ما يكفي من السلع لتدخل بها التجارة الدولية وتتبادل مع الأمم بأرقام معتبرة، ليس لها ما يكفي والنوعية اللازمة من المؤسسات الاقتصادية في الصناعة والفلاحة والخدمات ما يمكنها من ذلك. قطاعها العمومي عاجز وقطاعها الخاص ضعيف وتحت سيطرة الحكومة والفساد وغياب الرشد في التسيير".

وأردف: "في أحسن الأحوال عندها ريع، منحه الله من عنده رحمة بالناس، تخرجه من الأرض وتبيعه، كمن ترك له والده كنزاً فهو يبذره ويتلفه حتى ينفد، ثم عندئذ "الله يسلكها على خير"، فماذا ينفع تضخيم الأرقام حين يكون ملايين الجزائريين لا تنفعهم رواتبهم وأجورهم في مواجهة احتياجات أسرهم؟ هل يوجد في الجزائر من يجهل ما تعانيه العائلات في بلادنا؟".

عبد الرزاق مقري الرئيس السابق للسلم الجزائرية

وعلى نقيض التطمينات الرسمية، ارتضى مقري، (62) عاماً، قرع أجراس الإنذار، بتشديده: "الأرقام الحقيقية، والواقع الجزائري الحقيقي، هو الذي أسمعه في كل وقت عن مشاكل المعيشة، مشاكل السكن، مشاكل العلاج، مشاكل التعليم، مشاكل النقل، مشاكل الرشوة، الصعوبات الإدارية...، وهذا الذي يسمعه كل من يعيش بين الناس في الأسواق والمقاهي والمساجد وغير ذلك. أمّا الذين يعيشون في "مربعات الميسورين" ولا يلتقون إلا بأمثالهم، فبإمكانهم أن يتحدثوا عن الأرقام كيف ما يشاؤون، وأن يصدقوا الأرقام كيف ما يشاؤون، فهم لا يعرفون الجزائر الحقيقية، وربما حين تخاطبهم الجزائر الحقيقية في يوم من الأيام، والله لن يكون لهم جواب".

دعاة الشرّ

على نقيض طرح مقري، يؤكد الخبير الاقتصادي البارز مصطفى مقيدش أنّ "الجزائر بصدد تحقيق معجزة حقيقية، مشيراً إلى أنّه بعد استكمال ورشات إصلاحية كبرى، تعكف اليوم على بناء اقتصاد متنوع وعصري، كفيل بمواجهة كل التحديات، وخاصة الأمن بمناحيه الطاقوية والغذائية والصحية".

وأشار مقيدش النائب السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أنّ "مسار التنمية الشاملة سيجعل من الجزائر وجهة استثمارية واعدة، بفضل مناخ الأعمال الجديد، المشجّع للاستثمارات الوطنية والأجنبية، ممّا سمح برفع الناتج الداخلي الخام إلى مستوى غير مسبوق، ورفع الدخل الفردي إلى أكثر من (4800) دولار".

مقيدش: دعاة الشرّ الذين يكنّون كرهاً للجزائر، ظلوا يتنبؤون بانفجار الوضع في الجزائر، لكنّ بلادنا مستقرة، والدولة أصبحت قوية من أجل الدفاع عن المواطن وليس للتسلط عليه

وباستشراف اقتصادي دقيق، توقّع مقيدش أن تحقّق الجزائر نسبة نمو تتجاوز 5% في أواخر 2023، دون أيّ مديونية خارجية، وهو ما يشكّل برأيه "معجزة بكل المقاييس تجسّدت في أقل من (4) أعوام، وبما يتجاوز ما جسدته دول في (40) عاماً"، شارحاً: "الجزائر لم ترد التصريح بأكثر من (225) مليار دولار كرقم رسمي للناتج المحلي الخام لعام 2022، في حين أنّه يتراوح في الواقع بين (240 و245) مليار دولار".

وأبرز مقيدش: "عملت الجزائر على إعادة بناء اقتصاد عصري يستجيب لحاجيات المواطنين ويعزّز استقلال الجزائر"، مسجّلاً أنّ "مجلس ضبط الواردات سيعن التحكم في الواردات قياساً بالإنتاج المحلي، على نحو يضمن الحفاظ على استقلالية الوطن وتلافي أيّ ذهاب إلى البنك الدولي، بالتزامن مع تمسك السلطات بمبدأ الوصول إلى رفع أجور الموظفين بنسبة تلامس الـ 50% بنهاية العام 2024".

خلق البلبلة

أبرز مصطفى مقيدش أنّ "السياسة المتّبعة في الجزائر سمحت بدفع قاطرة التنمية الاجتماعية، وأتاحت تحوّلات عميقة وفاعلية كلّلت بتحجيم أزمات العشريات المنقضية، والانتقال إلى طور إنمائي اقتصادي مغاير".

ويتوقع مقيدش "تحقيق الجزائر لتحسّن أكبر في قادم الأعوام، مع دعوته لمنح الأولوية في الإنجاز للمؤسسات المحلية".

وأحال مقيدش إلى تفنيد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون صحة "التنبؤات السيئة الساعية لضرب استقرار الجزائر النظرة السوداوية حول المستقبل"، مضيفاً أنّ "مزاعم دعاة الشرّ عن انفجار اجتماعي في الجزائر انتهت بانفجارها عندهم".

وقال: "دعاة الشرّ الذين يكنّون كرهاً للجزائر، ظلوا يتنبؤون بانفجار الوضع في الجزائر، لكنّ بلادنا مستقرة، والدولة أصبحت قوية من أجل الدفاع عن المواطن وليس للتسلط عليه، بدليل تحقيق الجزائر قفزة نوعية في مجال التنمية والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة".

وفي إشارة قوية إلى مشاركة (السلم) في مختلف منعطفات الحكم ما بين عامي 1994 و2012، واقتران تلك المرحلة بفساد كبير انتاب حكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، سجّل الرئيس تبون في تصريحات بثّها التلفزيون الرسمي: "بقايا العصابة ما تزال تحاول خلق البلبلة وعدم الاستقرار داخل المجتمع، وهذه العصابة تمتلك أموالاً طائلة لا تُعدّ ولا تحصى، وتحاول شراء الذمم".

الخبير الاقتصادي مصطفى مقيدش

وأضاف: "لا أستبعد وجود أناس يقف من ورائهم أفراد هذه العصابة، وهم يحاولون خلق أجواء من عدم الاستقرار في البلاد من خلال المضاربة في أسعار المواد الغذائية والمساس بالقدرة الشرائية للمواطن".

وحرص الرئيس الجزائري على إبراز "الأشواط الكبيرة التي قطعتها بلاده في مختلف القطاعات، رغم بعض الانتقادات غير المؤسسة والمحاولات اليائسة للعودة إلى الماضي، وتلك فترة لن تعود أبداً".

الأكل مع الذئب والبكاء مع الراعي

انتقد ناشطو شبكات التواصل تشكيك مقري في الأرقام الرسمية، وفي هذا الصدد كتب الناشط عمر المختار: "كلامك يا مقري يشوبه كثير من الضبابية وعدم المصداقية، فمثلاً من المسؤول الذي قال لك: نحن لا نعطي الأرقام الحقيقية ؟ لو ذكرتم اسم هذا المسؤول، أنتم أكلتم مع الذئب، وبكيتم مع الراعي، وعليه فتحليلاتك زدها في نفسك".

واستغرب مدني سي الحاج: "ما زلت تتكلم يا مقري!"، بينما غرّد ياسين عز الدين: "يكفي أنّ أيمن بن عبد الرحمن بكى عندما رأى فيديو عن الجزائر الحقيقية"، في حين أكد مرباح نواري: "ليس هناك مشاكل في الجزائر الجديدة".

من جانبه، قال الناشط حاج تليلي: "المنطق السياسي يقول: الحقيقة واجبة في الداخل لكن سرّية، أمّا الكذب، فهو واجب في الخارج وبكل الوسائل والطرق. أنتم تعتبرون أنّ نقل الحقيقة إلى الخارج هي معارضة، بل هي وشاية وتعريف بنقاط ضعفنا".

في إشارة إلى مشاركة (السلم) سجّل الرئيس تبون في تصريحات بثّها التلفزيون الرسمي: بقايا العصابة ما تزال تحاول خلق البلبلة وعدم الاستقرار داخل المجتمع، وهذه العصابة تمتلك أموالاً طائلة لا تُعدّ ولا تحصى، وتحاول شراء الذمم

بدوره، لاحظ مبارك بوخنوفة: "مقري ليس بدكتور، إنّه من العصابة التي تطعمه بالمجان"، وخاطب قادر داودي قائد (السلم): "العبث في كل شيء الذي كنا فيه، والانضباط الذي نحن عليه حالياً، دليل على أنّ هناك جهداً مبذولاً"، وقال نور الدين عماروش: "نأمل ونحبّ أن تحقّق بلادنا نمواً عظيماً يتجاوز 30%، والتحدي الكبير في كيفية جعل هذا النمو يطبع أيضاً حياة الناس".

إلى ذلك، ذكر الخبير في السياسات العمومية الدكتور عبد الله طمين أنّ "التعمية أو التشفير في الأرقام تتطلب فنيات وتقنيات عالية لتأمين عملية التواصل مع فئة معروفة بالمعارضة أو الخصومة الظرفية أو الأبدية".

وتابع: "علم التشفير يهتم بإنشاء وتحليل بعض الأنظمة التي تمنع أطراف الخصومة أو المعارضة من قراءة الرسائل الخاصة عن طريق وسائل تحويل البيانات من شكلها الطبيعي المفهوم لأيّ شخص إلى شكل غير مفهوم، بحيث يتعذّر على من لا يملك معرفة سرّية محددة معرفة فحواها".

وأوضح طمين: "هناك مجالات مختلفة من علم أمن المعلومات مثل سرّية المعلومات وسلامة المعلومات ومصادقة البيانات، تعتبر جوانب أساسية من علم التشفير الحديث في شكلها المعاصر، ويُحظى هذا العلم اليوم بمكانة مرموقة بين العلوم، إذ تنوعت تطبيقاته العملية لتشمل مجالات متعددة، منها: التجارة الإلكترونية وبطاقات الدفع الإلكتروني والعملات الرقمية وكلمات مرور أجهزة الكمبيوتر وغيرها من المجالات الحساسة الأخرى.

الحاجة إلى قرارات ثورية كبرى

في ما يخص حصيلة الوضع التنموي والاقتصادي اليوم في الجزائر بالأرقام، قدّر د. طمين حاجة الجزائر "إلى قرارات ثورية كبرى في المجال الاقتصادي، بدءاً بنظامها الاقتصادي ودخلها القومي وقطاعها التجاري وسوق العمل ومخطط الإنعاش الاقتصادي، ودور الدولة في الاقتصاد والمال العام والميزانية والاستثمار الأجنبي والهزات الاقتصادية والقطاع الزراعي وملكية الأرض ومختلف الثروات (المائية، الحيوانية، الغابية، السمكية...) والموارد الطاقوية والمعادن والقوة الصناعية والبناء والتعمير وقطاع الخدمات والسياحة ... وانتهاء بمراجعة المنظومة الإحصائية".

الخبير في السياسات العمومية الدكتور عبدالله طمين

وجزم خبير السياسات العمومية أنّ "الديوان الوطني للإحصائيات (هيئة حكومية) لا يعطي اليوم أرقاماً في حينها، كما أنّ أرقامه لا تشمل قطاع الشؤون الدينية والأوقاف، والخلل الموجود في الأرقام والإحصائيات في الجزائر تحدّث عنه الرئيس تبون، مؤكّداً أنّ القوة الاقتصادية للدولة مرتبطة بتوفر أرقام وإحصائيات دقيقة وحقيقية، أي تفادي الإحصائيات التقريبية".

وقال الرئيس الجزائري: "الدولة التي تريد أن تسترجع قوتها الاقتصادية والزراعية خاصة، يجب أن تسيّرها الأرقام الصحيحة"، كما شّدد على أهمية "أن يكون الإحصاء دقيقاً"، مع استبعاد "الإحصاءات التقريبية"، لافتاً إلى أنّ "الإحصائيات هي التي توجّه الاستثمار والاستيراد بشرط أن تكون الأرقام حقيقية".

بدوره، علّق رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن: "من غير المسموح وجود تضارب في الأرقام بين المؤسسات والإدارات العمومية"، كما أكد في السياق ذاته أنّه لا يمكن تسيير عملية الإحصاء بنص تشريعي يعود للعام 1994، وهو ما يقتضي مراجعة النصوص القانونية مع ضرورة التحضير بصفة استعجالية لوضع استراتيجية وطنية لتطوير الإحصائيات تضمن العودة لكل الإحصائيات المغيبة منذ أعوام، والتي حرمت الجزائر من عشرات ومئات المؤشرات".

وقال: "كلما غابت المعلومة الرسمية، تركت المجال للمشكّكين والتقديرات المبنية على خلفيات ونوايا مغرضة، والحق في المعلومة المكرّس دستورياً، يُعدّ أيضاً أداة للشفافية وبالتالي هو مصدر من مصادر زرع الثقة، فكلما كانت المعلومات ذات مصداقية ومتوفرة بشكل كبير، زادت هذه الثقة، ولأنّ الطبيعة تأبى الفراغ".

وخلص الدكتور طمين إلى أنّ "نجاح أيّ إصلاحات مرهون بنوعية المنظومة الوطنية للمعلومات الإحصائية وكفاءتها، حيث أصبحت المعلومة الإحصائية من مُدخلات الإنتاج، مثلها مثل الموارد الأخرى، بل أكثرها أهمية، إذ لا يمكن صياغة أيّ سياسة عمومية، ما لم تتوفر المعطيات الضرورية وبالكمية والدقة والنوعية والمصداقية المطلوبة وتوفرها في الوقت المناسب".

مواضيع ذات صلة:

كيف أثر الإسلام السياسي في الجزائر على معركة العباءة بفرنسا؟

خارطة إسلاميي الجزائر : انحسار وتشرذم

إخوان الجزائر يستثمرون في لقاء المنقوش وكوهين... تفاصيل




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية