ما قصة درجات الحرارة المتطرفة التي ضربت مناطق مختلفة من العالم؟

ما قصة درجات الحرارة المتطرفة التي ضربت مناطق مختلفة من العالم؟


13/07/2021

تستمر درجات الحرارة في الارتفاع بشكل كبير في مناطق مختلفة من العالم، وذلك بعد أن تسببت موجة حر غير اعتيادية أواخر حزيران (يونيو) الماضي، بعشرات الوفيات في شمال غرب المحيط الهادئ وكولومبيا البريطانية.

ويتوقع خبراء الطقس أن تتجاوز درجات الحرارة الأرقام القياسية مجدداً في نهاية هذا الأسبوع مع ارتفاع درجات الحرارة عن المعدل الطبيعي خصوصاً في المناطق الغربية من الولايات المتحدة وكندا، فيما تكافح السلطات للسيطرة على حرائق الغابات في كلا البلدين.

اقرأ أيضاً: طرق مبتكرة لمواجهة الاحتباس الحراري

وأعلنت هيئة الأرصاد الجوية الروسية قبل عدة أيام عن تمديد مستوى الإنذار "البرتقالي"، بسبب موجة الحر غير المسبوقة في العاصمة موسكو والتي تستمر حتى نهاية الأسبوع.

وأوضح بيان للهيئة أنّ المستوى "البرتقالي" الذي تم إعلانه بسبب ارتفاع درجة الجو إلى ما يفوق معدلاتها بـ 7 درجات أو أكثر، يدل على خطر وقوع كوارث طبيعية وأضرار مادية.

حرائق ضخمة

وليل الأحد قالت السلطات الأمريكية إنّ الحرائق في شمال كاليفورنيا لا تزال مشتعلة وأججتها الحرارة المرتفعة وشدة الرياح، حيث طالت منازل في العديد من البلدات، وحثت السكان على الابتعاد عنها.

تستمر درجات الحرارة في الارتفاع بشكل كبير في مناطق مختلفة من العالم

وبدت مساحات شاسعة من الغابات في بيكوورث مشتعلة، مع ارتفاع سحب دخان ضخمة فوق التلال، وحذّرت الأرصاد الجوية من احتمال اندلاع حرائق جديدة في كاليفورنيا خلال الأسبوع الحالي، جراء انخفاض الرطوبة وشدة الرياح.

وفي ولاية أوريغون، توسّع نطاق حريق "بوتليغ فاير" أكثر من 3 مرات بين الجمعة والأحد، آتياً على أكثر من 100 ألف فدان، وفقاً لخدمة الغابات الأمريكية.

وفي كندا، اندلع أكثر من 50 حريقاً غابات في اليومين الماضيين، وأعلن وزير النقل الكندي عمر الغبرا الأحد، إجراءات طارئة جديدة تهدف إلى منع اندلاع المزيد من حرائق الغابات في هذه المنطقة الجافة، بما فيها تدابير من شأنها إبطاء حركة القطارات أو الحد منها.

 

أعلنت هيئة الأرصاد الجوية الروسية قبل عدة أيام عن تمديد مستوى الإنذار "البرتقالي"، بسبب موجة الحر غير المسبوقة في العاصمة موسكو والتي تستمر حتى نهاية الأسبوع

 

وتعتبر القطارات سبباً شائعاً لحرائق الغابات، خصوصاً عندما تكون أجهزتها لوقف الشرارات غير مصانة بشكل جيد. إلى ذلك، أُغلقت العديد من الطرق والطرق السريعة في المنطقة، فيما صنّفت الحكومة خطر حرائق الغابات في معظم أنحاء المقاطعة على أنّه "شديد"، وبقيت عشرات البلدات والمناطق خاضعة لأوامر بالإخلاء.

واستمر عدد حرائق الغابات في أنحاء مقاطعة كولومبيا البريطانية في الارتفاع حتى ليل الأحد، وقد وصل إلى أكثر من 300 حريق، وفق السلطات البريطانية.

الإنسان هو السبب!

ويرى الخبراء أنّ هناك تفسيرين محتملين لكيفية حدوث موجة حر بهذا الحجم، يتمثل الأول في دور جفاف الربيع في بعض المناطق، والذي خلق ظروفاً مناخية غير عادية، ممّا سمح بتكوين القبة الحرارية، وهي فقاعة من الضغط المرتفع تقع في منتصف الغلاف الجوي العلوي، وتدفع الهواء الدافئ إلى الأسفل نحو الأرض.

الحرائق في شمال كاليفورنيا لا تزال مشتعلة

وبحسب شبكة  "NBC News"؛ فإنّ قباب الحرارة  تميل إلى الاستمرار لفترات طويلة من الزمن، وذلك نظراً لأنّ درجات الحرارة المرتفعة ترتبط غالباً بنوعية الهواء الرديئة جنباً إلى جنب مع شيء يُعرف باسم "عرق الذرة"، حيث تترك المياه المنبعثة من أوراق النبات الهواء رطباً جداً، وهو ما يجعل تلك القباب الحرارية بالفعل غير مريحة، بل وخطيرة بالنسبة للبعض الأشخاص.

والثاني وهو أكثر إثارة للقلق، ويتمثل في تجاوز الارتفاع العام في درجات الحرارة على الأرض عتبة تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة متسارع أكثر ممّا كان متوقعاً حتى الآن.

وتتفق معظم  الدراسات الحديثة على أنّ موجة الحر التي ضربت العالم ما كانت لتحدث على الإطلاق لولا الاحتباس الحراري الذي يسبّبه البشر.

 

تتفق معظم  الدراسات الحديثة على أنّ موجة الحر التي ضربت العالم ما كانت لتحدث على الإطلاق لولا الاحتباس الحراري الذي يسبّبه البشر

 

واعتبر العلماء في "وورلد ويذر أتريبيوشن"، وهي مبادرة تضم خبراء من معاهد بحثية مختلفة حول العالم، بحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس"، أنّ التغيّر المناخي زاد احتمالية حدوث موجة الحر 150 مرة على الأقل.

وصرّحت فريدريك أوتو، الباحثة في جامعة أكسفورد والتي شاركت في إعداد الدراسة، خلال مؤتمر صحفي، أنّه "ليس هناك أي شك في أنّ التغيّر المناخي لعب دوراً رئيسياً في حدوث موجة الحر".

كما أوضحت أنّ درجات الحرارة التي سجّلت كانت غير طبيعية بالمقارنة مع المعدلات المعتادة في هذه المناطق، لدرجة أنّه كان من الصعب على الباحثين احتساب الوتيرة التي يمكن أن يتكرر بها مثل هذا الحدث.

 

اعتبر العلماء في "وورلد ويذر أتريبيوشن"، وهي مبادرة تضم خبراء من معاهد بحثية مختلفة حول العالم، أنّ التغيّر المناخي زاد احتمالية حدوث موجة الحر 150 مرة على الأقل

 

غير أنّ الباحثين خلصوا إلى أنّه في ظل المناخ الحالي؛ فإنّ مثل هذه الموجة الحرارية يمكن أن تتكرر إحصائياً مرة كل ألف عام.

ويقول بيتر ستوت، من مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة: "اعتدنا الآن تسجيل درجات حرارة عالية تُسجل في مكان ما في العالم كل عام"، مشيراً إلى أنّ ما خلص إليه خبراء الأرصاد الجوية كان مخيفاً، ليس لأنّ العالم يشهد المزيد من موجات الحر، بل لأنّ تسجيلات درجات الحرارة تتغير على نحو متزايد بفروق كبيرة.

باحثون: إنّ مثل هذه الموجة الحرارية يمكن أن تتكرر إحصائياً مرة كل ألف عام

ففي كندا وشمال غربي الولايات المتحدة، سجّلت مدن عديدة درجات حرارة أعلى من الأرقام القياسية السابقة بمقدار 5 درجات مئوية، كما سجلت موجة الحر في سيبيريا العام الماضي درجات حرارة أعلى من 5 درجات مئوية في المنطقة الروسية خلال الفترة بين كانون الثاني (يناير) وحزيران (يونيو).

ويضيف ستوت: "تخبرنا الدراسة أنّ التغيرات في متوسط المناخ تؤدي إلى زيادة سريعة ليس في درجات الحرارة القصوى فحسب، بل تصل إلى درجات حرارة شديدة للغاية".

تقليص انبعاثات غازات الدفيئة

وفيما شهد العالم ارتفاعاً بـ1.1 درجة مئوية مقارنةً بمعدل الحرارة قبل الثورة الصناعية، فإنّ اتفاق باريس يهدف إلى احتواء هذا الاحترار إلى أقل من درجتين مئويتين، و1.5 درجة مئوية إن أمكن.

ويدعو العلماء إلى اتخاذ إجراءات ترمي خصوصاً إلى التكيّف مع هذه الظروف الجديدة، سيما عبر وضع أنظمة لإنذار السكّان من درجات الحرارة العالية وإنشاء المباني الملائمة لهذا الوضع.

لكنّ قبل كل شيء، على المدى الطويل، يتعيّن بحسب الباحثين تقليص انبعاثات غازات الدفيئة مهما كلّف الأمر.

القادم أسوأ!

هذا بالضبط ما يقوله العلم وعلينا أن نتوقعه، وفق ما قالته فريدريكا أوتو، لـ"بي بي سي".

وتؤكد أوتو أنّ "العالم سجّل زيادة في معدل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كل 10 أعوام ممّا أدى إلى زيادة معدل الاحترار، لذلك بالطبع تتغير تسجيلات الحرارة بشكل متكرر".

 

يدعو العلماء إلى اتخاذ إجراءات ترمي إلى التكيّف مع الظروف الجديدة، سيما عبر وضع أنظمة لإنذار السكّان من درجات الحرارة العالية وإنشاء المباني الملائمة لهذا الوضع

 

وتعتقد أوتو أنّ خطر زيادة موجات الحر التي يشهدها العالم لا تؤخذ على محمل الجد، مضيفة  أنّه حتى لو تمكّنا من تحقيق تراجع كبير في الانبعاثات الغازية الحابسة للحرارة، فإنّ العديد من البلدان حول العالم ملتزمة الآن بأنّنا سنشهد موجات حر أشد اضطراباً ممّا نشهده اليوم، وتنصح، إلى جانب خفض انبعاثات الكربون، بالاستثمار في عمليات التكيّف والمرونة لضمان قدرة مجتمعاتنا على تحمّل درجات الحرارة المرتفعة التي يمكن أن نتوقعها في المستقبل.

الصفحة الرئيسية