ما لم يتصوره قادة إسرائيل في يوم من الأيام

ما لم يتصوره قادة إسرائيل في يوم من الأيام

ما لم يتصوره قادة إسرائيل في يوم من الأيام


كاتب ومترجم فلسطيني‎
25/10/2023

ترجمة: إسماعيل حسن
لم يتصور قادة الجيش في يوم من الأيام أن يعيشوا كابوساً أسود وهم يروّن مقاتلين فلسطينيّين يخرجون من قطاع غزة المحاصر، ليصولوا ويجولوا في قلب البلدات المجاورة على السياج الفاصل، ويقتلون ويأسرون المئات من الجنود والمدنيين دون أن يحرك الجيش ساكناً، وكأن الجنرالات والضباط والاستخبارات ناموا نومة أهل الكهف، حتى استيقظوا على كابوس دائماً ما حذرت منّه الأوساط العسكريّة، من أنّ حماس تعد لهجوم مفاجئ.
 قامت حماس بجمع المعلومات الاستخبارية من مصادر مرئية وغيرها، مما مكنّها من تحديد نقاط الضعف في النظام الإسرائيليّ، وروتين عمليات قواتها في فترات مختلفة خلال أيام السبت والأعياد وفي أيام الأسبوع وأثناء الأزمة السّياسية، ومن أبراج المراقبة التي أهملناها جمعت الحركة الكثير من المعلومات عما يحدث داخل البلدات ومعسكرات الجيش المحاذية للسياج، راقبوها ليلاً ونهاراً وأثناء الاضطرابات، وتعرفت على رد فعل الجيش وعدد القوات ومناطق التجمع، وطرق وصول القوات وعمل الكاميرات وأنظمة الإنذار الأخرى، حيث كانت التكلفة باهظة للغاية، لدرجة أنّنا لم نشهد في يوم واحد من القتال منذ عقود أكثر من ألف جريح وقتيل من الجنود والمدنيين، وبعض الجرحى في حالة خطيرة للغاية، ولساعات سيّطر الإرهابيون على البلدات الإسرائيلية، وقاموا بتوزيع مقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي.
تضليل إسرائيل
بالنسبة لحماس فقد مارست على إسرائيل خداعاً كبيراً بالتظاهر بأنّها حكومة لا يهمها سوى رفاهيّة سكانها، وجعل إسرائيل تنام والسماح لحماس بالتخطيط وجمع المعلومات الاستخبارية، والتدريب على الضربة الكبيرة التي ستوجه لإسرائيل، ولهذا السبب تظاهرت حماس بأنّها ضعيفة وتجنبت مساعدة الجهاد الإسلامي التي هاجمتها إسرائيل في العديد من عمليات اغتيال القادة في السنوات الأخيرة، حتى بات الجيش الإسرائيلي يسوّق أطروحة حماس المردوعة على المستوى السّياسي، التي اشترتها بفارغ الصبر في السنوات الثلاث الماضية.

 قامت حماس بجمع المعلومات الاستخبارية من مصادر مرئية وغيرها، مما مكنّها من تحديد نقاط الضعف في النظام الإسرائيليّ
 بالتأكيد مفاجأة مطلقة للجيش والاستخبارات حدثت في صباح السبت 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كيف حدث أن فشلت منظومة الرقابة المتقدمة التي نشرتها إسرائيل حول قطاع غزة وداخله، ولم توفر الإنذار المصيري الذي كان يمكن أن ينقذ حياة الكثيرين، بالتأكيد هناك أسباب استخبارية وتكنولوجيّة لهذا العمى، لكن فوق كل ذلك هناك فشل أساسي وهو أنّه لا أحد تخيّل في إسرائيل خطة عسّكرية من حماس كالتي حدثت، أكثر من 20 موقعاً جرى بداخلها اشتباكات بالأسلحة النارية بين الإرهابيين وقوات الأمن، حيث حوصر مئات الإسرائيليين في منازلهم في انتظار إنقاذهم لساعات.

تعرضت إسرائيل للتضليل الذي أدارته حماس منذ فترات زمنية طويلة، وهي توّهم المستوى السّياسي في إسرائيل بأنّها منشغلة في تحسين ظروف سكان القطاع


 وحتى وصول القوات الأمنيّة تمكن الإرهابيون من اختطاف جنود ومدنيين إلى قطاع غزة، ولم يتضح عددهم بعد ساعات من بدء القتال، بالإضافة إلى ذلك تمكن الفلسطينيون أيضاً من السّيطرة على المعدات العسّكرية والمدنيّة التي تم نهبها من داخل البلدات، السنوار والضيف خططا لهجوم بهذا الحجم على جميع مواقع الجيش الإسرائيلي والبلدات في الغلاف، بهدف قتل أكبر عدد من الإسرائيليين واختطاف مئات النساء والأطفال إلى غزة، والتنكيل بالضحايا وزرع الخوف في قلوب من بقوا وجمع معلومات من قواعد الجيش، هذه هي المهمة التي خطط لها قادة حماس والتي قاموا من أجلها بتدريب وتسليح رجالهم، وجمعوا المعلومات لهذه العملية ولاحظوا التوقيت الذي تكون فيه يقظة إسرائيل في الحضيض، وحافظوا على أمن المعلومات واستخدموا خطة تضليل ناجحة.
مفاجآت عديدة
إنّ أشكال المفاجأة التي تعرضت لها إسرائيل عديدة، ومنها التضليل الذي أدارته حماس منذ فترات زمنية طويلة، وهي توّهم المستوى السّياسي في إسرائيل بأنّها منشغلة في تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية لسكان القطاع، كما جاءت عدم مشاركتها الفاعلة في الجولات العسّكرية التي خاضتها حركة الجهاد الإسلامي سابقاً، لترسل رسائل مفادها أنّه ليس بمقدرتها الدخول في مواجهة عسّكرية مع إسرائيل، وما تهتم به تحسين ظروف الحياة في غزة.
 معضلة أخرى تفاجأت منها إسرائيل، وهي تجاوز المقاتلين العائق الذي وضعته إسرائيل على طول الحدود، باعتباره حلاً مجدياً لمواجهة الأنفاق التي باتت تؤرق الجيش والسكان في البلدات القريبة من غلاف غزة، لذلك قرّر الجيش إقامة جدار بمليارات الدولارات، مستعيناً بآخر ما توصلت إليه التقنيّة ومستعيناً بتجربة الولايات المتحدة في حدودها مع المكسيك، حتى بات نموذجاً يستقطب دولاً عالمية تواجه مشاكل في حدودها الخارجيّة.

كان هدف حماس إذلال إسرائيل وتقويض الشعور بالأمن لدى المستوطنين، والدخول في مفاوضات حول رفع الحصار عن غزة والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين 


 أما المفاجأة الأخيرة فهي قدرة المقاتلين على التسلل عبر السياج الحدودي وتفجيره، وإحداث عشرات الثغرات فيه والسير من خلال المركبات والدراجات النارية مئات الأمتار دون أن يعثروا على جندي أمامهم، مع أنّ الحدود مع غزة تشهد توتراً أمنيّاً يستدعي تواجد عدد من الوحدات العسّكرية على طول الحدود، يضاف إلى ذلك أنّ العربات التي استخدمتها حماس في بعض الأماكن في الهجوم المفاجئ، وصلت إلى قطاع غزة عبر ميناء أسدود الإسرائيلي كمركبات مدنية.

أشكال المفاجأة التي تعرضت لها إسرائيل عديدة
 ولذلك فقد اقتنعت المؤسسة الإسرائيلية بأنّ أنظمتها الحدوديّة التكنولوجيّة التي لا مثيل لها في العالم، تسمح بالحفاظ على الحدود مع غزة بأقل قدر من القوات، لكن الفشل الأكبر على الإطلاق كان في عدم التحذير من الهجوم الذي شارك فيه نحو 1500 مقاتل من قوة النخبة لحماس، ومئات آخرين يجمعون المعلومات الاستخبارية، وكان هدف حماس العام من الجولة إذلال إسرائيل وتقويض الشعور بالأمن لدى المستوطنين، والدخول في مفاوضات حول رفع الحصار عن غزة والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون، وأن تصبح حماس الطرف المهيّمن على الساحة الفلسطينية.
مصدر الترجمة عن العبرية:
https://www.ynet.co.il/news/article/yokra13628405




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية