محاولة اغتيال الكاظمي وسؤال مستقبل الحشد الشعبي وإيران

محاولة اغتيال الكاظمي وسؤال مستقبل الحشد الشعبي وإيران


14/11/2021

لعله من غير الممكن للمتابع للشأن العراقي أن يفصل بين محاولة الاغتيال التي تعرّض لها رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي"، وبين سياقات عامّة يعيشها العراق عنوانها تخليصه من "الاحتلال الإيراني"، ونتائج الانتخابات النيابية التي جرت قبل شهر، وأفرزت نتائجها هزيمة مدوّية للميليشيات الشيعية التابعة لإيران، والمنضوية في إطار الحشد الشعبي العراقي، والمعروفة في العراق بالفصائل "الولائية".

اقرأ أيضاً: اغتيال الكاظمي أم إزاحة "الكاظمية"؟

سياقات محاولة اغتيال الكاظمي جاءت بعد احتجاجات الفصائل الولائية التابعة لإيران على نتائج الانتخابات، والتي تجاوزت حدود الاحتجاج بالطرق القانونية بإعادة الفرز اليدوي والتشكيك بالهيئة المستقلة للانتخابات، وانتقلت إلى إقامة مسيرات احتجاجية يشرف عليها الحشد الشعبي، اتّسمت بممارسات عنيفة وافتعال صدامات مع القوى الأمنية وإطلاق تهديدات من قبل قادة في الحشد الشعبي لرئيس الوزراء شخصياً، بعد مقتل عدد من المتظاهرين، وتدور شكوك عميقة حول الجهة الفاعلة .

 

حقق الكاظمي تضامناً عربياً ودولياً معه، إلى الدرجة التي لم تستطع معها إيران رسمياً إلا إدانة محاولة الاغتيال، رغم التشكيك بها من قبل أوساط إيرانية عديدة

 

في قراءة أوّلية لمحاولة الاغتيال الفاشلة، فإنه وبالرغم من تعدد سيناريوهاتها ما بين أن تكون مدبّرة من الكاظمي ليضمن إعادة ترشيحه لتولي رئاسة الحكومة، في ظل خسارة التيارات المؤيدة لإيران، أو أن تكون العملية بالفعل بتخطيط وتنفيذ من حزب الله العراقي وعصائب أهل الحق، "وهما الفصيلان اللذان توجّه إليهما الاتهامات بالمسؤولية عن العملية"، فإنها فتحت الباب مجدداً أمام تساؤلات حول شرعية الحشد الشعبي وتسليحه، وتناقض استمرار وجوده مع متطلبات التحول إلى دولة، تمارس سيادتها على أراضيها بجيش واحد وعلم واحد ومؤسسات واحدة، وهو ما يعني أنّ الحشد الشعبي أصبح ملفاً مطروحاً على طاولة البحث في الدولة العراقية، بما في ذلك مستقبل أسلحته التي تُستخدم خارج أطر مؤسسات الدولة، لا سيّما أنّ محاولة الاغتيال تمّت بطائرات مسيّرة صناعة إيرانية، وتحمل متفجرات إيرانية الصنع أيضاً.

اقرأ أيضاً: مسؤولون أمنيون: إيران خلف محاولة اغتيال الكاظمي

لا شكّ أنّ الكاظمي حقق عبر هذه العملية ضربة موجعة لفصائل الحشد الشعبي والتيارات الموالية لإيران؛ إذ أصبحت بمواقف دفاعية تتجاوز حدود محاولة الاغتيال الفاشلة إلى الإجابة عن مشروعيتها، وكيف أنّ بعضها يمتلك أسلحة أكثر تطوراً من أسلحة الجيش العراقي الذي يمثل الدولة، والسؤال الأبرز الذي تواجهه تلك الفصائل: هل هي بمواجهة الإرهاب وداعش استناداً لفتوى تأسيسها الصادرة عن المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق "السيد السيستاني"، أم هي قوة فوق قوة الدولة العراقية، وتمارس عمليات إرهابية ضد رئيس حكومة عراقية؟ وبالمقابل فقد حقق الكاظمي تضامناً عربياً ودولياً معه، إلى الدرجة التي لم تستطع معها إيران رسمياً إلا إدانة محاولة الاغتيال، رغم التشكيك بها من قبل أوساط إيرانية عديدة.

اقرأ أيضاً: قائد فيلق القدس الإيراني في العراق بعد محاولة اغتيال الكاظمي... لماذا؟

سؤال مشروعية الحشد الشعبي العراقي وسلاحه أصبحت موضوعاً مطروحاً داخل العراق، وأحد أبرز محددات وشروط إعادة بناء الدولة العراقية على أساس المؤسسات والقانون، لا سيّما بعد تراجع تهديد الإرهاب ممثلاً بداعش والقاعدة، والقدرات التي يمتلكها الجيش العراقي والأجهزة الأمنية على مواجهة تلك التهديدات، خاصة أنّ شبهات كثيرة ترتقي إلى كونها حقائق أثبتت أنّ ظهور الإرهاب وتراجعه وغيابه يأتي دوماً في سياقات غير بعيدة عن أجندة إيرانية يجري توظيفها وإثارتها كلما تعرضت الفصائل الولائية والتيارات الموالية لإيران لتهديدات.

 

سؤال مشروعية الحشد الشعبي العراقي وسلاحه أصبحت موضوعاً مطروحاً داخل العراق وأحد أبرز محددات وشروط إعادة بناء الدولة العراقية على أساس المؤسسات والقانون

 

من الجدير بالذكر أنّ أفكاراً كثيرة طرحت لحلّ الحشد الشعبي العراقي، لا سيّما بعد "قوننة" وجوده وإكسابه الشرعية بقانون من مجلس النواب العراقي، واعتباره جزءاً من مؤسسات الدولة العراقية، وكلّ تلك الأفكار ذهبت إلى معالجة أوضاع منتسبي الحشد بعد الحل، ما بين صرف رواتب، وإدماج الشباب منهم في الجيش العراقي، إلا أنّ أحداً لم يتطرّق إلى الخطوة الأهم لحلّ الحشد، وهي إصدار فتوى من الجهة التي دعت لتأسيسه، بعد انتفاء مبرر تشكيله.

وعلى أهمية قضية شرعية الحشد الشعبي العراقي ومشروعية استمرار بقائه، إلا أنها مسألة من المؤكد أنها ستكون مطروحة على طاولة الحكومة القادمة، وفقاً لمقاربات جديدة ستكون أكثر وضوحاً ومباشرة، تتجاوز حالة "المراوغة" بين ما ينبغي العمل عليه، وما هو قائم من "مراعاة" وحسابات تبتعد أن تُسمّي الأشياء بأسمائها، غير أنّ المؤكد أيضاً أنّ مستقبل هذا الحشد سيبقى رهناً لأجندة إيرانية، مرتبطة هي الأخرى بمآلات مفاوضاتها مع أمريكا، والتي تدلّ مؤشرات على أنها تقطع أشواطاً عبر رسائل إيرانية، سيكون من بينها الموقف الإيراني من تشكيل الحكومة العراقية القادمة، والتي يبدو أنّ الكاظمي، وبدعم أمريكي، سيكون من أبرز المرشحين لقيادتها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية