محمد كمال: تأسيس ثالث للإخوان يطلق العنان للدم

محمد كمال: تأسيس ثالث للإخوان يطلق العنان للدم

محمد كمال: تأسيس ثالث للإخوان يطلق العنان للدم


10/08/2023

"لم أكن يوماً حريصاً على موقعٍ  أو دورٍ. هو مغرمُ وليس مغنماً"؛ بتلك العبارة استهل عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين محمد كمال وصيته التي اعتبرها مراقبون التأسيس الثالث للجماعة، وصية قُتل بعدها كمال في مواجهات مع الشرطة المصرية تشرين الأول (أكتوبر) 2016.

لم يكن يعلم محمد كمال عندما تم اختياره عام 2011 عضواً بمكتب إرشاد الإخوان، وهو الطبيب بكلية طب جامعة أسيوط، أنه سيصبح بعد بضع سنوات الرجل الذي أحيا في نفوس شباب الإخوان تعاليم المؤسس حسن البنا عن مواجهة الطائفة الممتنعة، ودفع الصائل، واستخدام القتل سبيلاً للتمكين؛ مرادفات أحياها محمد كمال في شباط (فبراير) 2014؛ بعد أن تم انتخابه مسؤولاً عن اللجنة الإدارية العليا المعروفة بلجنة إدارة الأزمة، تلك التي شكلها مكتب إرشاد الإخوان بعد السقوط المدوي للجماعة أمام ثورة شعبية جارفة قام بها المصريون حزيران (يونيو) 2016 ضد حكم الجماعة لمصر.

كمال ابن محافظة أسيوط التي شهدت أول محاولة انقلاب مسلحة نفذتها الجماعة الإسلامية عام 1981، عاد بعد عقود ليؤسس لمحاولة ثانية ذراعاها تنظيم سواعد مصر – حسم، وتنظيم لواء الثورة، إلى جانب أسماء أخرى للتمويه الأمني مثل تنظيم المقاومة الشعبية، وكتائب الشرعية، وكتائب حلوان؛ فجميعها مسميات مختلفة تعمل تحت القسم نفسه الذي أسس له حسن البنا في الأربعينات من القرن الماضي، النظام الخاص – الجناح المسلح للجماعة، بقيادة عبد الرحمن السندي.

لجنة إدارة الأزمة وطوق النجاة

مع سقوط الجماعة المدوي في حزيران (يونيو) 2013 تشكلت سريعاً لجنة إدارية عليا مسؤول عنها محمد كمال وعضوية آخرين أبرزهم يحيى موسى الموضوع مؤخراً على قوائم الإرهاب الأمريكية، ومحمد منتصر المتحدث باسم الجماعة في تلك الفترة وعضو تيار التغيير حالياً والمعروف باسم المكتب العام للجماعة أحد الجماعات التي تتحدث باسم الإخوان حالياً إلى جوار مجموعة محمود حسين في اسطنبول ومجموعة الراحل إبراهيم منير في لندن.

 يحيى موسى الموضوع مؤخراً على قوائم الإرهاب الأمريكية

تزامن مع تشكيل لحنة إدارة الأزمة تشكيل هيئة شرعية برئاسة مفتي الجماعة عبد الرحمن البر، وضمت فيها أعضاء مكتب الإرشاد من ظلوا خارج السجن بعد زلزل حزيران (يونيو) مثل محمد عبد الرحمن المرسي ومحمود غزلان.

كانت الهيئة الشرعية للجماعة أصدرت بياناً في تلك الفترة يجيز عمليات القتل في حالات بعينها ضد رجال ومسؤولي الدولة. البيان الذي أصبح الأساس المبني عليه بحث (فقه المقاومة الشعبية)، مانيفستو لجنة محمد كمال في إدارة الأزمة ضد الجيش المصري عقاباً له على دعم ثورة المصريين في (حزيران) يونيو.

رحل كمال (شهيداً) كما يصفه شباب الإخوان، لدرجة أنهم اعتبروه حجر الزاوية في التأسيس الثالث للجماعة، وانشقوا بعد أن وصفوا القيادات التاريخية بـ(العواجيز)

اتفاق على القتل لم يستمر طويلاً؛ بيد أنّ قادة الإخوان في السجون أدركوا أنّ المواجهة المسلحة مع الجيش المصري فتحت باباً من جحيم هدد وجود التنظيم نفسه، في تلك اللحظة انقلب السحر على الساحر وقررت الجماعة حل لجنة إدارة الأزمة وتشكيل لجنة أخرى، بعد عام كامل من الصمت على سيل الدم الذي قامت به لجنة الأزمة بقيادة كمال.

التنظيم وزلزال محمد كمال

"أردت الدفاع عن مؤسسية القرار، وتصحيح أوضاع خاطئة أوغرت الصدور"، عبارة أخرى تضمنتها وصية كمال كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، ودفعت عضو مكتب شورى إخوان تركيا عصام تليمة للتلميح على قناته بمنصة يوتيوب بتسليم كمال للأجهزة الأمنية بوشاية من منافسيه داخل التنظيم.

صدام لم يكن معروفاً لمن هم خارج الجماعة حتى وقع عبد العظيم الشرقاوي أحد أخطر قيادات الجماعة في صعيد مصر في قبضة الأجهزة الأمنية عام 2015؛ ليدلي بأقوال أشعلت الصراع بين جبهات الجماعة، قال فيها إنّ المسؤول عن العنف الذي بدر من شباب الجماعة بعد سقوط الإخوان هو القيادي بمكتب الإرشاد محمد كمال. نفس الأقوال أكدها عضو مكتب الإرشاد وصهر خيرت الشاطر محمود غزلان في تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، بيد أنّ كمال كان له رأي آخر؛ إذا قرر ورفاقه ممارسة سياسة الأرض المحروقة في محاولة للثبات على منهج حسن البنا كما تربوا عليه، لينشر كمال خطاباً بين قواعد الصف الإخواني انفردت بنشر أجزاء منه جريدة الشروق المصرية في أيلول (سبتمبر) 2015، بعد أقل من شهرين على اعترافات القيادي عبد العظيم الشرقاوي، جاء فيه:

"قبل اجتماع للجنة السبعة التي تمثل مسؤولي القطاعات الجغرافية قام ممثل قطاع القاهرة وبعض أعضاء القطاع بزيارة الدكتور محمد عبدالرحمن، عضو مكتب الارشاد، والذراع اليمنى لمحمود عزت، في وجود سكرتير قطاع الشرقية وبعد نقاش ذكر عبدالرحمن أنّ مجموعة السبعة لها كامل الصلاحيات عدا ملف الخارج والدعم المالي والرؤية والاستراتيجيات".

عبد العظيم الشرقاوي وهو أحد أخطر قيادات الجماعة

وأضاف كمال: "فوجئنا بقيام عبدالرحمن بتوجيه دعوة لأشخاص بأسمائهم في يوم السبت 15 / 8 / 2015 ولم توجه الدعوة إلى مسؤولي قطاعات القاهرة ووسط الدلتا وشمال الصعيد المنتخبين (مما يثير علامة استفهام) وعرفنا بعد ذلك أنه يوجد شخص صفته أنه ممثل لجنة لم الشمل وأنه مكلف بمراجعة إجراءات اختيار ممثلي القطاعات (وهذا أيضاً أمر غريب)"، متسائلاً: "ما هي صفته ومن كلفه وهل راجع إجراءات القطاعات التي حضرت"؟

عبد العظيم الشرقاوي أحد أخطر قيادات الجماعة بعد وقوعه في قبضة الأجهزة الأمنية: المسؤول عن عنف شباب الجماعة بعد سقوط الإخوان هو محمد كمال

وأكد كمال في رسالته لقيادات الجماعة أنه "ليس لدينا مانع من اجتماع السبعة إضافة لـ3 من أعضاء مكتب الإرشاد الثلاثة، ولكن شريطة أن يكون لهم كامل الصلاحيات والتعامل مع كل الملفات وإدارة المرحلة الانتقالية لمدة ستة أشهر بصورة كاملة، بما فيها من إجراءات تعديل اللائحة بالآلية التي تراها اللجنة مناسبة والإشراف على انتخاب مجلس شورى جديد وفق اللائحة الجديدة وانتخاب مكتب إرشاد".

وتابع كمال أنّ عضوي مكتب الإرشاد محمود غزلان وعبدالرحمن البر – المحسوبين على جبهة القائم بأعمال المرشد – باركا تشكيل الهيئة الشرعية، بل إنّ البر اجتمع بعلمائها في وجود 5 من أعضاء لجنة إدارة الأزمة".

تاريخ الدم الإخواني يعيد نفسه

في خطابه ألقى محمد كمال المسؤولية على الجميع، مغلقاً الأبواب على أي محاولات التفاف عرفها تاريخ الإخوان منذ المؤسس حسن البنا، عندما أفلت أمام أتباعه من جريمة اغتيال القاضي الخازندار في الأربعينات من القرن الماضي، معتبراً أنّ عبارة "لو ربنا يخلصنا منه"، ليست إذناً بالقتل كما اعتقد مسؤول النظام الخاص عبد الرحمن السندي.

محمود عزت

في عهد محمد كمال أصبح الجميع أمام الشاشة صوتاً وصورة، مطالبين بردود مقنعة، عن جرائم تنظيمات أسستها لجنة إدارة الأزمة بفتوى شرعية من مفتى الجماعة عبد الرحمن البر، تنظيمات عرفنا معها اغتيال النائب العام هشام بركات، واغتيال مقدم أمن وطني محمد مبروك، واغتيال العقيد عادل رجائي، وتفجير معهد الأورام عام 2019.

في عهد كمال تخلى تنظيم الإخوان عن السلمية المزعومة، وتحدثت تنظيماته المسلحة عن السلمية المبدعة، والتي وصفها عضو الجبهة السفلية أحمد فريد مولانا في بحث منشور بمنصة المعهد المصري للسياسات في اسطنبول عام 2017 قائلاً: "كل ما دون الرصاص فهو سلمي"، ثم تخلت الجماعة لاحقاً عن التحفظ على مسألة الرصاص مع إطلاق تنظيمات سواعد مصر – حسم، ولواء الثورة.

رحل كمال (شهيداً) كما يصفه شباب الإخوان، لدرجة أنهم اعتبروه حجر الزاوية في التأسيس الثالث للجماعة، وانشقوا عن بقية التنظيم بعد أن وصفوهم بالقيادات التاريخية (العواجيز)، ثم أسسوا لاحقاً تيار التغيير – المكتب العام، وباتوا رقماً صعباً في محاولات العودة من جديد للشكل المعروف للجماعة ما قبل عام 2011، ذلك التيار السياسي المعارض الذي يبحث عن مكانه من خلال صندوق الانتخابات، بعد أن كشف اللثام عن الرغبة المختبئة خلف قناع التيار الفكري؛ الثورة الإسلاموية المسلحة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية