مدونة الأسرة المغربية: تسريبات ومغالطات وجدل.. والإخوان يخلطون السياسي بالديني

مدونة الأسرة المغربية: تسريبات ومغالطات وجدل.. والإخوان يخلطون السياسي بالديني

مدونة الأسرة المغربية: تسريبات ومغالطات وجدل.. والإخوان يخلطون السياسي بالديني


04/10/2023

على وقع نقاش مجتمعي مستمر منذ أشهر حول تعديل مدونة الأسرة، حيث تطالب حركات نسائية وحقوقية بضرورة توسيع مجال احترام حقوق المرأة، أشعلت الرسالة الملكية الموجهة إلى الحكومة من أجل تسريع عملية مراجعة المدونة، وفق التوجيهات التي أعلنها الملك في خطاب عيد العرش العام الماضي، أشعلت نقاشاً محتدماً بين التوجهات المختلفة إيديولوجياً وفكرياً حول الإصلاحات المرتقبة.

وقد احتدّ النقاش بين صفٍّ حداثي يسعى لتحقيق اختراق كبير في النص القائم، والدفع نحو المساواة والتغيير في نظام الإرث وعدد من الأمور المرتبطة بالمرأة والأسرة، وبين محافظين يعتبرونها "قطعيات غير قابلة للمراجعة".

حدّة النقاش ألهبتها مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، بعد أن تناقلت حسابات وصفحات إلكترونية معلومات غير دقيقة وغير موجودة بخصوص مدونة الأسرة، كأنّ الأمر قد حُسم بشكل نهائي.

وكان المغرب قد اعتمد في 2004 مدونة أسرة اعتبرت في حينها ثورة من طرف الحركة النسائية والمنظمات الحقوقية، تضمنت قوانين جديدة؛ منها توحيد السن الأدنى للزواج للعروسين بـ (18) عاماً، ومنح القاضي الحق في تخفيضه في حالات خاصة، ومنع إرغام المرأة على الزواج، إضافة إلى تقييد التعدد عبر منح المحكمة السلطة التقديرية لبت مطلب الرجل بالزواج بامرأة ثانية، ومنح الزوجة الحق في اشتراط منع زوجها من التعدد في عقد النكاح، وجعل الحق في طلب الطلاق في يد الزوجين وبقرار من المحكمة، بعد أن كان بيد الرجل فقط.

(6) أشهر لتعديل مدونة الأسرة

وقد وجّه العاهل المغربي الحكومة لإعادة النظر في مدونة الأسرة، بعد أعوام من مطالبات جمعيات نسائية بإدخال إصلاحات عليها، مانحاً إيّاها (6) أشهر من أجل رفع مقترحاتها، على أن تتم قيادة عمل التعديل بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة.

وتُعتبر مدونة الأسرة في المغرب القانون الذي بموجبه تُصدر محاكم الأسرة أحكامها في الأمور المتعلقة بنزاعات الزواج والطلاق وحقوق الأطفال والإرث والوصية، وكانت قد صدرت آخر نسخة منها عام 2004.

كان المغرب قد اعتمد في 2004 مدونة أسرة اعتبرت في حينها ثورة من طرف الحركة النسائية والمنظمات الحقوقية

وسطّر العاهل المغربي الخطوط العريضة لمنهجية العمل التي يجب الالتزام بها، ومن بينها، الحاجة لتكييف مدونة الأسرة مع تطور المجتمع المغربي واحتياجات التنمية المستدامة، والالتزام بمقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي في تطوير مدونة الأسرة.

تطالب حركات نسائية وحقوقية بضرورة توسيع مجال احترام حقوق المرأة

 

وذلك فضلاً عن الاعتماد على فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح والتشاور والحوار في هذا السياق، مع التأكيد على أنّ التحسين المنشود يجب أن يركز على إصلاح الاختلالات وتعديل المقتضيات التي أصبحت غير مناسبة بسبب تطور المجتمع والقوانين.

كما حث على المحافظة على المرجعيات والمبادئ الأساسية مثل العدل والمساواة والتضامن والانسجام المستمدة من الإسلام والاتفاقيات الدولية، مع ضرورة استخدام الاجتهاد البنّاء لضمان التوافق بين المرجعية الإسلامية والمستجدات الحقوقية العالمية.

مطالب نسائية بتوسيع حقوق المرأة

هذا، وتطالب حركات نسائية وحقوقية بضرورة توسيع مجال احترام حقوق المرأة، إذ حدّد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أهم تلك المطالب في ملاءمة المدونة مع الدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

يرى محللون أنّ بنكيران يتخذ من مطالب تعديل مدونة الأسرة فرصة سانحة للخلط بين الشأن السياسي والديني

 

وحذف كل النصوص التمييزية، بما في ذلك التمييز الذي يعانيه الأطفال خارج مؤسسة الزواج والأمهات المطلقات، والتمييز الذي يواجه النساء بخصوص الولاية على الأبناء والتبعية للأب في الحماية الاجتماعية، وحذف المقتضيات المتعلقة بتزويج الطفلات، ومراجعة نظام المواريث الذي تسهم بعض تطبيقاته في تعميق ظاهرة تأنيث الفقر.

تسريبات على مواقع التواصل

وتناقلت حسابات وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي معلومات غير دقيقة وغير موجودة بخصوص مدونة الأسرة، كأنّ الأمر قد حُسم بشكل نهائي، والواقع أنّه لا شيء يوجد إلى حدّ الآن للحديث عنه.

وزعمت منشورات أنّ حضانة الأطفال تعود إلى المرأة حتى بعد زواجها مرة أخرى، وأنّ النفقة تبقى سارية المفعول رغم زواج المرأة، وفي حالة الطلاق يعود منزل الإقامة إلى المرأة، وإن كان باسم الرجل، كما أنّ الزوجة من حقها أن تسافر إلى الخارج في أيّ وقت أرادت، ومن حقها أخذ 20% من مدخول الزوج.

وقد اعتبرت جلّ التعليقات أنّ من شأن تلك القوانين الزيادة في حدة موجة العزوف عن الزواج التي يشهدها المغرب منذ أعوام؛ بسبب تشديد قوانين الأسرة، والأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها الأزمة المالية العالمية لعام 2008، إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا.

إلى ذلك، أدانت منظمات حقوقية مغربية بعض الحملات من طرف "بعض المدونين المعروفين بالتفاهة، وببث معطيات وأخبار كاذبة تسيء لهذه المحطة المهمة في مسار بلدنا وفي مسار حقوق المرأة والأسرة"، وطالبت وزير العدل بـ "العمل خارج إطار التصريحات غير المسؤولة التي تفقد أيّ عمل إصلاحي أو تشريعي قيمته في المجتمع".

الإخوان قلقون

في المقابل، تثير تلك المطالب حفيظة جانب مهم من شيوخ الدين، وقد سبق لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية للإخوان في المغرب، أن حذّر من خطورة تلك المطالب التي تهدف للمساس ببنية الأسرة.

وقال بنكيران: "خرجنا من منطق تغليف المطالب بضرورة تصحيح أوضاع الأسرة عبر تعديل المدونة إلى المطالبة بالمناصفة التي لا تراعي خصوصيات الرجل والمرأة، المبنية على تعارض واضح مع نص ديني ثابت وقطعي لا خلاف حوله، وهو أنّ للذكر مثل حظ الأنثيين (في مجال الإرث)، وهو ما اعتمده المغرب منذ دخول الإسلام إليه قبل ما يزيد على (13) قرناً"، وأوضح أنّ مثل تلك المطالب ليست ديمقراطية ولا شرعية، باعتبار أنّ استطلاعات الرأي المتتالية تشير إلى أنّ أكثر من نصف المستجوبين يصرون على ضرورة استمرار اعتماد قوانين الأسرة على الشرعية الدينية.

نهج لم يتورع بنكيران في أن يلبسه رداء الدين، لإضفاء نوع من القدسية عليه، ودغدغة المشاعر، واللعب على وتر العاطفة الدينية لدى المواطنين المغاربة.

فقد سبق أن اتهم وزير العدل بالسعي لإسقاط تجريم العلاقات الرضائية خارج الأسرة، مهدداً بأنّ إسقاط التجريم سيؤدي إلى الاقتتال في المغرب، قائلاً: "إذا وجد الرجلُ رجلاً آخر مع زوجته، حالياً، يمكنه اللجوء إلى الدولة، لكن إذا تم إسقاط التجريم عن الفساد، فلا يمكن أن يتدخل وكيل الملك؛ فهل سنقتل بعضنا بعضاً، أم ماذا؟ وهذا ما يحصل حالياً في فرنسا، حيث تقتل امرأة كل يومين".

ويرى محللون أنّ بنكيران يتخذ من مطالب تعديل مدونة الأسرة فرصة سانحة للخلط بين الشأن السياسي والديني، وأنّ "شطحات" بنكيران السابقة تأتي في السياق نفسه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية