معركة مشروع أكبر من اشتباكات عين الحلوة

معركة مشروع أكبر من اشتباكات عين الحلوة

معركة مشروع أكبر من اشتباكات عين الحلوة


13/09/2023

رفيق خوري

مسلسل الاشتباكات واتفاقات وقف النار مستمر في مخيم عين الحلوة المسمى عاصمة الشتات الفلسطيني، مستمر على حساب سكان المخيم اللاجئين الهاربين من القصف والدمار الذين باسمهم أو من أجلهم تحمل الفصائل السلاح، ومستمر على حساب لبنان واللبنانيين حيث التهديد الأمني والعجز السلطوي عن وقفه، والكل يعرف لحساب من ومن أجل ماذا تدور الاشتباكات، فلا هي اشتباكات طائشة مثل الرصاص الطائش الذي يصيب صيدا جارة المخيم ويقطع الطريق بين بيروت والجنوب، ولا أهدافها محصورة بالسيطرة على أحياء ومن له اليد العليا في المخيم، ذلك أن الاشتباكات المباشرة تدور بين حركة "فتح"، كبرى المنظمات الفلسطينية، وبين فصائل صغيرة متشددة تحت عنوان "الإسلام السياسي".

"فتح" تريد الحفاظ على موقعها ودورها وإنهاء أخطار المتطرفين، لكن المعركة غير المباشرة تديرها منظمات قوية هدفها وراثة "فتح" على أرض فلسطين وفي الشتات، وهي جزء من حرب تخدمها استراتيجية شعارها "وحدة الساحات ضمن محور المقاومة"، وهي بدورها جزء في خدمة مشروع إقليمي إيراني.

وكما تولت منظمة "حماس" ومنظمة "الجهاد الإسلامي" عمليات المقاومة في الضفة الغربية بعد حروب غزة، فإن الاستراتيجية تقضي بترتيب أمرين، أولهما السيطرة على المخيمات، وثانيهما تركيز قيادة المقاومة الفلسطينية في لبنان، وهذا بالطبع ما ترفض "فتح" أن يتم على حسابها، وهو في أية حال استعادة لتجربة فلسطينية اسمها الكفاح المسلح لتحرير فلسطين من لبنان، انتهت بكارثة على لبنان والفلسطينيين.

لبنان دمرته حرب دامت 15 عاماً تخللها اجتياح إسرائيلي، وفصائل "منظمة التحرير" جرى إخراجها من لبنان إلى تونس وبلدان أخرى، وليس من السهل إغلاق ملف "فتح" في المخيمات، ولا شيء يوحي بأن "فتح" ستتمكن من إقصاء المتطرفين الأصوليين وبعضهم ليس فلسطينياً، لكن المعركة تفتح ملفاً عنوانه سؤالان، ما هي وظيفة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات؟ وإلى متى تتخلى السلطة في لبنان عن دورها في ضمان السيادة والأمن؟

لكن الهرب من الأجوبة مستمر، فلا معنى ولا مبرر للمقاومة الفلسطينية من لبنان بعدما صار الدور المهم للمقاومة داخل فلسطين، ولا وظيفة للسلاح في المخيمات سوى الاقتتال بين الفصائل وتحويل المخيمات إلى محميات يلجأ إليها مقاتلون من "داعش" و"القاعدة" وهاربون من العدالة في لبنان، وليس في أي بلد عربي مخيمات مسلحة كما هي الحال في لبنان، وليس في الضفة الغربية تحت السلطة الوطنية وفي غزة تحت سلطة "حماس" شيء من حرية حمل السلاح لأي متطرف يطمح إلى تأسيس فصيل عسكري.

أما في لبنان فإن كل شيء مباح، فالمخيمات تضم كل أنواع المسلحين، من هم مع السلطة ومن هم مع المعارضة ومن هم على حسابهم ومن يعمل لدول وأجهزة استخبارات، والجيش يقف على بواباتها من دون الدخول إليها، وبدلاً من أن تكون حماية المخيم وأمنه من مهمات الجيش الذي يحمي الأمن في لبنان، فإن الحماية متروكة للفصائل الفلسطينية التي تقوم بالاشتباكات، وحتى دعوة الرئيس محمود عباس السلطة اللبنانية إلى جمع السلاح في المخيمات وخارجها فإنها بقيت بلا فعل لبناني، لا بل إن قرارات القيادات اللبنانية التي اجتمعت في مؤتمرات حوار حول جمع السلاح الفلسطيني وسحبه مع تنظيم عملية الأمن داخل المخيمات عبر قوة شرطة فلسطينية، بقيت حبراً على ورق.

مرة أخرى يراد تحويل لبنان من وطن إلى "ساحة"، لا مجرد ساحة لها جدار بل ساحة مفتوحة بلا سياج لمن يريد، والساحة ليست مكاناً لبناء دولة ولا لتنمية اقتصادية ولا لبسط السيادة ولا للحؤول دون الدمار وخراب النسيج الاجتماعي، وفي كل مرة هناك فريق لبناني يراهن على دور الساحة.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية